استقلال الدولة الإسلامية ماليا ورطة لخصومها

الخميس 18 سبتمبر 2014 04:09 ص

قبل أشهر من الاستيلاء على مدينة «الموصل» العراقية في يونيو/حزيران الماضي كان مقاتلو «الدولة الإسلامية» مشغولين بجمع المال لتمويل حملتهم لإقامة «الخلافة» الإسلامية.

وروى صاحب متجر بقالة في «الموصل» كيف فجر المتشددون قنبلة خارج متجره كتحذير عندما تردد في الدفع، وأضاف «إذا أصر شخص على الرفض خطفوه وطالبوا أسرته بفدية».

وقال صاحب المتجر الذي امتنع عن تعريف نفسه خوفا على سلامته إنه دفع للمتشددين 100 دولار شهريا ست أو سبع مرات هذا العام.

وفي المقابل تسلم إيصالا كتب عليه «استلمنا من السيد ... مبلغ ... دعما للمجاهدين»، وبدافع من الشعور بالإحباط والخوف اضطر إلى إغلاق متجره وأصبح يكسب قوت يومه من خلال العمل كسائق سيارة أجرة.

ويقول «النظام الضريبي» كان منظما تنظيما جيدا، فقد أخذوا من صغار التجار وأصحاب محطات البنزين وأصحاب المولدات والمصانع الصغيرة والشركات الكبيرة بل والصيادلة والأطباء.

استطاع التنظيم الاعتماد على الأموال الخاصة بعد أن كان يعتمد على متبرعين من الأفراد في الخليج، فقد تعرضت هذه التدفقات المالية لمزيد من التدقيق من جانب وزارة الخزانة الأمريكية.

وبدلا من ذلك أضفى التنظيم صبغة رسمية على نظام للتمويل الداخلي يشتمل على الزكاة وعلى النهب ومزيد من التحولات ومبيعات النفط في إدارة الولاية على نحو فعال.

ويشير ذلك إلى أنه سيكون من الصعب قطع الطريق على التمويل المحلي للتنظيم الذي يغذي سيطرته على الأراضي ويعزز التهديد الذي يمثله للشرق الأوسط والغرب، ومع ذلك فإن التمويل من متبرعين في منطقة الخليج ربما يثبت أنه أكثر أهمية في الشهور المقبلة إذا نجحت خطة الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» في إضعاف التنظيم تدريجيا والقضاء عليه، وإذا فقد التنظيم أراضي تحت سيطرته ووجد نفسه يتطلع للخارج بحثا عن أموال.

* السيطرة على المراكز التجارية

ويقول محللون ونشطاء إن أغلبية دخل التنظيم يأتي من مبيعات النفط المستخرج من آبار في مناطق تحت سيطرة التنظيم للتجار المحليين.

ويقول «لؤي الخطيب»: «الزميل الزائر بمركز «بروكينجز الدوحة» الذي أجرى أبحاثا مكثفة في عمليات تهريب النفط لـ«الدولة الإسلامية إن التنظيم يسيطر الآن على خمسة قول في العراق بكل حقل منها ما يتراوح بين 40 و70 بئرا.

وقال «الخطيب»: «إنهم يتعاملون مع شبكة معقدة من الوسطاء بعضهم يرتبط بشركات النفط العراقية، وعليهم دفع أموال لنقاط تفتيش مختلفة للتنقل بهذه القوافل النفطية وخاصة لتصدير النفط لتركيا».

وأضاف «يقدر الآن بعد خسائر الأراضي الأخيرة أن بوسعهم إنتاج حوالي 25 ألف برميل يوميا ما يحقق لهم نحو 1.2 مليون دولار يوميا... حتى إذا باعوا بخصم يتراوح بين 25 و60 دولارا للبرميل».

وقدر مسؤول أمني عراقي رفيع المستوى عدد الحقول التي يسيطر عليها مقاتلو التنظيم بأربعة حقول بالإضافة إلى حقل خامس يتنازعونه مع قوات «البشمركة» الكردية.

ويبدو أن التنظيم اختار المناطق التي يدخلها بدقة وكان من أهدافه التمويل.

وقال «توم كيتنج» محلل الشؤون المالية والأمنية لدى «معهد رويال يونايتد سيرفيسز»: «الأمر يتعلق بالسيطرة على مراكز مالية رئيسية، والسيطرة على المراكز التجارية والسيطرة على الطرق ونقاط التفتيش ولا مفاجأة في ذلك لان ثمة قيمة كبيرة في هذه السيطرة، وكلما زاد ما تحصل عليه من تمويل زاد ما يمكنك أن تحققه من تنمية».

 

اعتماد أقل على الأموال الخاصة

تضمنت الوثائق التي استولت عليها القوات الأمريكية من القاعدة في العراق قرب مدينة «سنجار» العراقية عام 2007 أوراق تمويل وتقارير مصروفات أظهرت أن تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق - حسبما أوضح تقرير أعده «مركز مكافحة الإرهاب» في «وست بوينت» بعنوان «مفجرون وحسابات مصرفية ونزيف مستمر» -   اعتمد على ثلاثة مصادر للتمويل هي التحويلات من قادة آخرين في تنظيم «القاعدة» في العراق والأموال التي كان يجلبها الانتحاريون الأجانب معهم وجمع الأموال من العراقيين..

وتدرك «واشنطن» باعترافها أن أموال المتبرعين من الخارج لا تمثل تهديدا كبيرا مثل وسائل التمويل الذاتي لكن الولايات المتحدة وحلفاءها تباطؤوا في التحرك لقطع هذه المصادر.

وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية إن تنظيم «الدولة الإسلامية» يحصل على أموال من متبرعين في الخارج لكن هذا لا يقارن بتمويلهم الذاتي من خلال الأنشطة الإجرامية والإرهابية.

وقال رئيس الوزراء البريطاني «ديفيد كاميرون» للبرلمان إنه ليس لديه أي شك أن مقاتلي التنظيم في سوريا والعراق يحصلون على عشرات الملايين من الجنيهات الإسترلينية من فدى الرهائن.

وقالت مجلة «فوكوس» الألمانية في أبريل/نيسان إن فرنسا دفعت 18 مليون دولار للإفراج عن أربع رهائن فرنسيين كانوا محتجزين لدى «الدولة الإسلامية» استنادا إلى مصادر في حلف شمال الأطلسي في «بروكسل».

ثم تجيء الجريمة؛ فقد أغار التنظيم على «البنك المركزي» في «الموصل» وتردد أنه أخذ مبالغ ضخمة من المال، ويسمح التنظيم للعراقيين في «الموصل» فيما يبدو بسحب 10% من ودائعهم لدى البنوك ودفع 5% من المبلغ المسحوب كزكاة.

 

الخليج في قلب خطة إضعاف «الدولة الإسلامية» ماليا

قالت المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الأمريكية، «ماري هارف»، يوم الخميس 11 سبتمبر/أيلول، إن تمويلا غير حكومي من دول الخليج يصل ليد الجماعات المتطرفة، وإن «هناك تمويل خاص «غير حكومي» يأتي من بعض البلدان للجماعات المتطرفة؛ من الخليج بشكل رئيسي»، مضيفة أن دول الخليج قلقة للغاية من هذا التمويل.

وأضافت المتحدثة الأمريكية «هارف»: «نحن نعمل مع دول الخليج لحظر هذه الشبكات التمويلية بما فيها شبكات على الإنترنت»، واصفة الأمر بـ«المشكلة المشتركة والتحدي الصعب».

ولفتت «هارف» إلى أن «مفتي السعودية» استنكر أفعال تنظيم «الدولة الإسلامية»، واعتبر التنظيم «لا يمت بصلة للإسلام»، وكان الشيخ «عبدالعزيز آل الشيخ» قد قال عن «الدولة الإسلامية» أنهم «امتداد للخوارج الذين هم أول فرقة مرقت من الدين بسبب تكفيرها المسلمين بالذنوب، فاستحلت دماءهم وأموالهم».

بالنسبة لدولة قطر فيعتقد أن الولايات المتحدة تنظر إلى قطر كبقعة متساهلة مع قضية تمويل الجماعات الإرهابية، وفيما لا يوجد أدلة على تمويل قطر لأي جماعة إرهابية لدى الحكومة الأمريكية إلا أن هناك اعتقادا بأن أفرادا يقومون بذلك وأن الدولة لا تفعل ما يكفي لوقفه.

ومن جهة أخرى فإن الولايات المتحدة لا زالت تستخدم أسلوب الترغيب والترهيب فقد أثنت على البرامج الجديدة لمكافحة الإرهاب في الخليج، ويشير عدد من المتابعين أن واشنطن ستكثف مباحثاتها مع قطر من أجل منع وصول تمويل لأي جماعات متشددة.

أما في الساحة الكويتية فيعتقد أن الكويت قد استجابت لضغوط في تحديث سياسات مكافحة تمويل «الإرهاب»، ويعتقد أن هناك قواعد جديدة تحد من التراخي في هذه القضية وتحث على تنفيذ ذلك بصرامة.

تعد الكويت من أكبر مصادر التبرعات الإنسانية للاجئين السوريين من خلال الأمم المتحدة، وقد بذلت جهودا كبيرة للسيطرة على التبرعات غير الرسمية التي يقدمها الأفراد لجماعات المعارضة في سوريا.

وقال «أحمد الصانع» مدير إدارة الجمعيات الخيرية بوزارة الشؤون الاجتماعية الكويتية في الآونة الأخيرة إن هناك رقابة دقيقة على عمليات جمع التبرعات دون ترخيص.

وقال وزير المالية «أنس الصالح» إن الكويت ملتزمة بالجهود الدولية لمكافحة «الإرهاب».

وتحركت «واشنطن» لقطع مصادر التبرعات الخاصة، ففي الشهر الماضي فرضت عقوبات على ثلاثة رجال قالت إنهم يقومون بتهريب المال من الكويت إلى جماعات إسلامية متشددة في العراق وسوريا، واعتقلت الكويت لفترة وجيزة اثنين من الدعاة البارزين.

 

ما من حل بسيط!

في النهاية سينطوي خنق مصادر تمويل التنظيم على استخدام مزيج من معلومات المخابرات والقوة، وسيقضي إنهاء سيطرة الجماعة على منطقة ما باستخدام القوة العسكرية على قدرتها على جمع الضرائب محليا على سبيل المثال، كذلك فإن اقتفاء آثار طرق التهريب أو المتبرعين الخليجيين سيشمل وجود مخبرين محليين.

ويقول «الخطيب» الذي يشغل أيضا منصب مدير «معهد الطاقة العراقي إن على تركيا أن تشن حملة على مسارات تهريب النفط في جنوبها، وسيؤدي هذا إلى توقف مصدر دخل استخدمه تنظيم «الدولة الإسلامية في تمويل حملة كبرى لتجنيد مقاتلين جدد.

وفي مقال نشر الشهر الماضي في صحيفة «نيويورك تايمز» قال «باتريك جونستون» و«بنجامين باني» من مؤسسة «راند»: «إن من المستبعد أن تكون الاستراتيجيات التي تركز على فرض عقوبات على أنشطة مالية دولية فعالة».

ويقول الكاتبان: «إنه يجب استهداف المسؤولين عن إدارة حسابات التنظيم ونشاطه النفطي وما لديه من سيولة مالية بقدر أكبر من عمل أجهزة الاستخبارات للمساهمة في تعطيل عمليات تمويله وتوفير معلومات إضافية عن أساليب عمله».

وقال «جونستون»: لـ«رويترز» «إن التنظيم يمكنه أن يحقق فائضا بين 100 مليون و200 مليون دولار هذا العام رغم التوسع السريع لـ«الدولة الإسلامية» وضرورة سداد مرتبات عدد أكبر من المجندين».

ويضيف «إنهم يحققون دخلا أكبر ولديهم معارضة أقل من الناحية العسكرية... والسؤال هو ماذا سيفعلون به؟».

المصدر | رويترز - الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الدولة الإسلامية تمويل الإرهاب العراق