مساع روسية لاستعادة نفوذها في القرن الأفريقي

الاثنين 4 أبريل 2016 02:04 ص

تطرق تقرير لوكالة «الأناضول» للأنباء عن عودة روسيا بقوة  لتقوية العلاقة مع القارة الأفريقية بصفة عامة ودول القرن الإفريقي بصفة خاصة خلال السنوات الثلاث الماضية، معتبر ذلك محاولة روسية لاستعادة مناطق نفوذها القديم في القارة الأفريقية؛ والتي غابت عنها بشكل كبير عقب انتهاء الحرب الباردة مع غريمتها واشنطن مطلع تسعينات القرن الماضي.

التقرير الذي عرض أراء لخبراء وساسة أفارقة، أكد أن هذه المحاولات تأتي في سياق التنافس الروسي مع أمريكا، منافسها التقليدي، ورغبة موسكو في حماية تجارتها الدولية في منطقة ذات موقع استراتيجي هام في حركة الملاحة الدولية، وحاجتها إلى حشد التأييد الأفريقي لمواقفها من الأزمتين الأوكرانية والسورية، لكنها قد تصطدم بالنفوذ الصيني والأمريكي والغربي القوى هناك.

وأشار إلى أن اهتمام روسيا بالقارة السوداء، وخاصة دول القرن الأفريقي، خلال الفترة الأخيرة، برز ملامحه في «تعيين سفراء جدد بها، وعقد ما يشبه الشراكات والتحالفات مع دول أخرى، والتدخل لحلحلة أزمات سياسية في القارة الأفريقية».

التقارب الروسي في القارة الأفريقية

فبعد الانقلاب على الرئيس المصري «محمد مرسي»، في 3 يوليو/تموز 2013، توطدت العلاقات بين موسكو والنظام في القاهرة، إلى حد وصفه البعض بـ«التحالف» بين البلدين.

وفي فبراير/شباط 2014، عينت موسكو، «سيرغي شيشكي»، سفيرا لها في دولة جنوب السودان؛ ليصبح أول سفير لها في هذا البلد الأفريقي الوليد.

أيضا، سجل وزير الخارجية الروسي، «سيرغي لافروف»، نشاطا دبلوماسيا متصاعدا في القارة الأفريقية؛ حيث زار تونس في مارس/آذار 2014، وإثيوبيا في سبتمبر/أيلول 2015؛ حيث وقع اتفاقا مع مفوضية الاتحاد الإفريقي للدفع بالعلاقات الدبلوماسية بين روسيا والاتحاد الإفريقي، والجزائر في نهاية فبراير/شباط 2016، بينما استقبل الرئيس الروسي، «فلاديمير بوتين»، نظيره المغربي، الملك «محمد السادس»، في مارس/آذار الماضي.

وخلال الشهر الماضي أيضا، عينت روسيا، «سيرغي كزندسوف»، سفيرا جديدا لها في جيبوتي، واعتمدت السفير ذاته سفيرا غير مقيم في الصومال للمرة الأولى بعد غياب دام نحو ثلاثة عقود.

أهمية منطقة القرن الإفريقي

تضم منطقة القرن الأفريقي من الناحية الجغرافية 4 دول هي: الصومال، وجيبوتي، وإريتريا، وإثيوبيا، لكن تعريفات سياسية أخرى تضيف إلى هذه الدول دولا أخرى هي: السودان، وكينيا، وأوغندا، وتنزانيا، وغيرها.

وتكتسب هذه المنطقة أهميتها الإستراتيجية من كونها تطل على المحيط الهندي من ناحية، وتتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر حيث مضيق باب المندب من ناحية ثانية؛ ومن ثم فإن دول هذه المنطقة تتحكم في طريق التجارة العالمية، خاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج، والمتوجهة إلى أوروبا والولايات المتحدة وكندا.

أيضا، تعتبر هذه المنطقة ممرا مهما لأي تحركات عسكرية قادمة من أوروبا أو الولايات المتحدة في اتجاه منطقة الخليج العربي.

وتعني السيطرة على القرن الأفريقي السيطرة عل ممرات مائية حيوية، وهي مركز عبور السفن والطائرات العابرة من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، وكذلك نقطة تزود بالوقود.

وحول مؤشرات الرغبة الروسية في العودة إلى هذه المنطقة، رأى الدبلوماسي الصومالي السابق، «عبد الله طاهر»، أن اعتماد روسيا سفير لها في كل من جيبوتي والصومال «مؤشر على اهتمامها المتزايد بالمنطقة».

وبحسب التقرير أشار «طاهر» إلى أن «الصومال كان حليفا استراتيجيا لروسيا في السبعينات من القرن الماضي، وكذلك كانت روسيا حليفة استراتيجية لنظام «منجستو» السابق في إثيوبيا؛ لذا فإن التحركات الروسية الأخيرة في المنطقة، تحمل رسائل على رغبة لدى موسكو في العودة بقوة إلى المنطقة من جديد.

لماذا تسعى روسيا للتقارب مع القرن الأفريقي؟

وحول الأسباب التي دعت موسكو إلى السعي نحو العودة بقوة لمنطقة القرن الأفريقي، رأى الدبلوماسي الصومالي السابق أن اهتمام روسيا بمنطقة القرن الأفريقي «يعد تطورا هاما يعكس التنافس بينها وبين واشنطن وروسيا».

«طاهر» لم يستبعد، أيضا، أن يكون التحرك الروسي الجديد في منطقة القرن الأفريقي، بشكل خاص، مرتبطا بالصراع المحتدم في الشرق الأوسط بين موسكو وقوى شرق أوسطية، خاصة حول الملف السوري.

وكان السفير الروسي الجديد لدي جيبوتي والصومال، «سيرغي كزندسوف»، أكد رغبة بلاده القوية في العودة إلى منطقة القرن الأفريقي.

ففي كلمة له عقب تسليم أوراق اعتمادة للرئيس الجيبوتي، «إسماعيل عمر جيله»، في 17 مارس/آذار الماضي، قال «كزندسوف»، إن روسيا «تسعى لأن تكون شريك رئيسي في منطقة القرن الأفريقي».

ووعد السفير الروسي بأن تساهم بلاده في تحقيق الاستقرار والتنمية والسلام في منطقة القرن الأفريقي.

ولافتا إلى هدفين من أهداف بلاده من التواجد في هذه المنطقة، قال «كزندسوف» إن جيبوتي هي في موقع تتقاطع فيها مصالح كل الدول؛ نظرا لموقعها الاستراتيجي على الطرق الرئيسية للتجارة العالمية.

وأضاف أن موسكو «تحاول دوما توحيد جهود جميع الدول في إطار تحالف واسع مناهض للإرهاب على أساس قواعد ومبادئ القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة».

تواجد روسيا في منطقة القرن الأفريقي يعد مهما، أيضا، للحفاظ على قاعدتها البحرية المتواجدة في المحيط الهادئ، ومنها تنطلق مجموعات إلى خليج عدن أو القرن الإفريقي؛ للمشاركة في القوات الدولية التي تستهدف محاربة القراصنة، والتي قد تتعرض لها قوافل تجارية روسية.

في السياق ذاته، «رصد محمد حبيب»، أستاذ القانون في جامعة أديس أبابا، تناميا في الاهتمام الروسي بالقرن الأفريقي.

وقال إن روسيا بدأت تعود بقوة إلى القارة الأفريقية ومنطقة الشرق الأوسط عبر تدخلها في الأزمة السورية (في سبتمبر/أيلول 2015)، واليوم تقدم دعمها لدول القرن الأفريقي في محاربة الإرهاب العابر للحدود.

وأشار إلى أن روسيا تسعى لإقامة منتدى تعاون أفريقي-روسي، كما تسعى، من خلال دبلوماسيتها النشطة في القارة السوداء، إلى حشد التأييد الأفريقي لصالح موقفها في الأزمة الأوكرانية والأزمة السورية.

الفرص المتاحة لاستعادة النفوذ الروسية

وحول الفرص المتاحة أمام روسيا لاستعادة نفوذها القديم في القارة السوداء، رصد «زريهون كبدي»، أستاذ الإعلام والصحافة في جامعة أديس أبابا، جانبا منها.

وفي هذا الصدد، قال «كبدي» إن روسيا دولة محورية كانت لها علاقات قوية مع دول القارة الأفريقية في القرن الماضي، والآن هي من الدول المهمة، وهناك قواسم مشتركة بينها وبين القارة الأفريقية من أهمها: مكافحة الإرهاب، وتأمين مصالح موسكو في القرن الأفريقي والبحر الأحمر.

أيضا، اعتبر أن الخدمات المتنوعة التي يمكن أن تقدمها روسيا لدول القارة الأفريقية من عناصر قوتها؛ حيث لم يعد الروس يتعاطون مع صفقات التسليح فقط، وإنما يهتمون، أيضاً، بتزويد بلدان المنطقة بالتكنولوجيا النووية، وتعزيز التعاون الأمني في مكافحة الإرهاب، وتكثيف المبادلات التجارية.

وأفاد بأن روسيا يمكنها، من خلال موقعها في مجلس الأمن الدولي، تقديم الكثير من الدعم لحل النزاعات والأزمات في القرن الأفريقي، خاصة في تحقيق الاستقرار في الصومال، وجنوب السودان.

لكن السفير «حبيب» يعتقد أن الساحة الأفريقية لن تكون خالية لموسكو لتعزيز نفوذها هناك. ورأى أن الوجود الروسي بأفريقيا «لا يزال متواضعا وخجولا» أمام السيطرة الصينية اقتصاديا، والنفوذ الأمريكي والغربي سياسيا.

وقال: «التوجه الروسي نحو أفريقيا في الوقت الراهن قد يكلفها الكثير في ظل السيطرة الصينية على القارة السمراء؛ إذ أصبحت الصين الدولة الأولى في التمويل الدولي لهذه القارة، وتليها في المنافسة الهند والبرازيل وتركيا».

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

روسيا موسكو القرن الأفريقي أفريقيا