كيف واجهت السعودية ربطها بالإرهاب؟

الثلاثاء 30 سبتمبر 2014 08:09 ص

بعد ثلاثة عشرة سنة على إعلان الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الحرب على "الإرهاب"، لا يبدو بأن العالم قريب من الانتصار عليه. على العكس، يبدو بأن "الإرهاب" أصبح أكثر خطورة وتنظيما، كما نرى في نموذج تنظيم الدولة الإسلامية أو "داعش". من ناحيتها، يظهر بأن الصحافة الغربية اليوم تعيش ذات أجواء أحداث سبتمبر. من خلال الكتابة بكثافة عن علاقة السعودية بالتطرف في العالم الإسلامي، وربط الوهابية والسلفية السعودية بالحركات الجهادية السنية النشطة في العراق وسوريا. خاصة تنظيم الدولة الإسلامية.

هذه التطورات دفعت باتجاه إعادة الجدل في السعودية حول علاقة الوهابية بالمجموعات الجهادية السنية في المنطقة. لكنها ليست المرة الأولى التي يفتح فيها هذا النقاش في المملكة. 

بعد أحداث الرياض في 2003م، تم نقاش مسألة "الإرهاب" والتطرف الديني بشكل موسع داخل السعودية. لاحقا تم إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في 2003م. خلال اللقاء الثاني والذي حمل عنوان "الغلو والاعتدال ..رؤية منهجية شاملة"، كان هناك توافق على أن المناهج الدراسية الدينية في السعودية سبب من أسباب نشر التطرف في المجتمع. هذه الحوارات قادت في نهاية المطاف إلى تعديل المناهج الدراسية، خاصة الدينية منها، من قبل وزارة التربية والتعليم. وسط شكوك بأنها لم تتغير بشكل فعال. إذ يُعتقد أن التيار المتطرف الإسلامي ما زال يهيمن على التعليم في المملكة.

تأخذ السعودية اليوم على محمل الجد الاتهامات في الإعلام الدولي بأنها تشكل مصدر المجموعات الجهادية. في محاولة الدفاع عن الرؤية الدينية المنتشرة في السعودية، يقوم البعض بمحاولة الربط بين التنظيمات الجهادية السنية في المنطقة، وبين مذهب الخوارج.وهي طائفة إسلامية منفصلة عن السنة والشيعة، وتشكّلت نتيجة للحرب بين المسلمين بين علي بن ابي طالب ومعاوية ابن أبي سفيان بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان في القرن السابع الميلادي.

تبنى هذه الرؤية نواف عبيد وسعود السرحان في مقالة مشتركة نشرت في النيويورك تايمز في الثامن من سبتمبر الجاري. أكد السرحان وعبيد أن خطاب تنظيم الدولة الإسلامية يختلف عن الخطاب السلفي أو الوهابي. حيث أكد الكاتبان على أن داعش تتبنى مذهب الخوارج. الذين يكفرون المختلفين معهم. ويمارسون القتل الجماعي للمدنين.

الخوارج هي فرقة إسلامية تشكلت نتيجة للحرب بين المسلمين بقيادة علي بن أبي طالب في مواجهة معاوية ابن أبي سفيان بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان في القرن السابع الميلادي.

أهم تحدي لهذا الطرح، الذي يربط بين تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وبين الخوارج. أن تنظيم الدولة يقوم بتوزيع ونشر كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب في المناطق التي يصير عليها في العراق وسوريا. مما يعني أن التنظيم يعلن صراحة انتمائه إلى المنهج الوهابي. المسألة الأخرى، إن الأسس المذهبية التي تقوم عليها التنظيمات الجهادية السنية مختلفة تماما عن الأسس المذهبية التي ينطلق منها الخوارج، والتي تطورت لاحقا إلى مدارس فقهية مختلفة، نجد أبرزها اليومية "الإباضية" وهو المذهب الرسمي في دولة عمان. التي لا يربط أحد بينها وبين "داعش".

في نقاشات "الإرهاب" والتطرف في السعودية، يتم وبصورة متكررة، نسبة التطرف إلى ما يعرف بحقبة "جهيمان" إذ يعتبر أن المتطرفين بعد احتلال الحرم محرم 1400هـ - نوفمبر 1979م، فرضوا أفكارهم وأرائهم على المجتمع، وأن الدولة استجابت لهم، فقامت بترسيخ المحافظة من خلال الإعلام والتعليم ..الخ. وتسمى هذه المرحلة من تاريخ السعودية بمرحلة "الصحوة". أغلب هذه النقاشات – باستثناءات محدودة – لم تتطرق إلى الدعوة النجدية أو الأيديولوجيا "الوهابية" باعتبارها مصدرا ممكنا للتطرف. اليوم، وبفضل "داعش" ، يتم نقاش العلاقة بين التطرف الجهادي السني وبين الوهابية في السعودية وخارجها بشكل لم يحدث في أوقات سابقة، مما قد يقود لتغيير رؤية السعوديون لأنفسهم.

دائما ما اكتسبت هذه النقاشات حساسية سياسية ودينية. أما الدينية فلأن السعودية تعلن صراحة تبني دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب (يسميها خصومها الوهابية) وينعكس هذا التبني عن النشاطات الدينية التي تمولها السعودية حول العالم. كما ينعكس على خطاب أغلب علماء الدين في السعودية. أما العام السياسي فيأتي باعتبار الرواية التاريخية لتأسيس الدولة السعودية تبدأ من لقاء الشيخ محمد بن عبدالوهاب والإمام محمد بن سعود في القران الثامن عشر. هذا التعاقد يكتسب رمزية محورية في لقاء الديني والسياسي في التاريخ السعودي لوضع شرعية بناء الدولة الحديثة منذ ذلك الوقت.

لمواجهة الربط بين الرؤية الدينية في السعودية والتطرف السني، قامت المملكة بعدة إجراءات لمواجهة خطر "داعش". منها تأكيد الملك في خطاب نشر في الأول من أغسطس على خيبة أمله من المجتمع الدولي الذي لم يتحمس لمشروع المركز الدولي لمكافحة الإرهاب والذي ألعن انطلاقه في 2005م. كما أنه أعلن دعم المركز بمئة مليون دولار. بالإضافة إلى تصريح الشيخ عبدالعزيز الشيخ المفتي العام للمملكة بأن داعش تعتبر الخطر الأول على الإسلام.

ينظر البعض إلى جهود المملكة لمواجهة الإرهاب باعتبارها وسيلة لتجنب الانتقادات من الحكومات الغربية. كما كتب ديفيد إغناتيوس في 28 أغسطس في صحيفة الواشنطن بوست، أن دعم السعودية لمركز مكافحة الإرهاب وإعلانها "داعش" العدو الأول للإسلام، جاء من أجل تجنب الانتقادات التي توجه للسعودية باعتبارها راعية للتطرف السني. هذه الرؤية تتجاهل أن "الإرهاب" يمثل خطرا مباشرا على السعودية.

من الصعب ربط "داعش" بالخوارج، وتبرئة "الوهابية"، لأنها تتبنى دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب صراحة وتساهم في نشرها وفرضها في الأماكن التي تسيطر عليها. لكن التحدي الذي ما يزل قائما، هو في إثبات أن الأفكار الوهابية هي الدافع الأساسي لبناء وحشد التنظيمات الجهادية. أي محاولة تبرئة الانهيار السياسي في المنطقة من مسئولية نشر التطرف، وإلقاء العبء كلية على المسألة الدينية. 

 

 

المصدر | بدر الراشد، المونيتور

  كلمات مفتاحية

السعودية الإرهاب الدولة الإسلامية

«كبار العلماء» السعودية تندد بالإرهاب وتحرم الالتحاق بالقاعدة وداعش

نائب أمريكي يؤكد أهمية دعم وتمويل السعودية لأمريكا في "القضاء على الإرهاب"

العاهل السعودي يقدم 100 مليون دولار للمركز الدولي لمكافحة الإرهاب