استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

من الهلع إلى تفعيل الإرادة

الأربعاء 18 مايو 2016 03:05 ص

كعادتنا، في كل أرض العرب، نضيع الفرص التاريخية، ولا نستيقظ إلا بعد أن تلفح وجوهنا نيران الأزمة.

هذا ما حدث بالضبط لمسيرة حقبة النفط والغاز في دول البترول العربية، وعلى الأخص دول مجلس التعاون الخليجي. فعبر سبعة عقود تجمعت ثروات مالية هائلة، صرف جزء منها بشكل صحيح في بناء بنية تحتية جيدة حديثة، وفي إقامة دولة الرعاية الاجتماعية المعقولة، لكن جزءا كبيرا أهدر وضاع في حياة الاستهلاك والترف والتباهي والأمن العسكري وشراء الولاءات والاستثمار في اقتصادات الآخرين والفساد المالي والإداري، بدلا من استعماله لبناء اقتصاد إنتاجي ومعرفي يؤدي إلى وجود تنمية إنسانية شاملة ومستمرة، وينقل مجتمعات هذه الدول من النوم في عسل حرق ثروة الريع البترولي إلى صحوة وجهد وإبداع إنتاج الثروة.

لقد ظل الكتاب يكتبون والناصحون يتحدثون، بل يصرخون، عن أن تلك الثروة هي ثروة ناضبة، وبالتالي مؤقتة وأن الحكمة تملي أن يُستعمل جزء كبير من تلك الثروة لبناء المستقبل، ولسد حاجات الأجيال القادمة، ولمنع نكوص دول المجلس مستقبلا إلى حالاتها الماضية، حالات الفقر والعوز والتخلف وقلة الحيلة.

لكن تلك الكتابات والأصوات ضاعت هباء، إلى أن ووجهت دولنا مؤخراَ بهبوط حاد في أسعار البترول، وبمنافسة خطرة من قبل البترول الصخري الموجود في أماكن كثيرة عبر العالم كله، وبإمكانيات مؤكدة لانتقال العالم إلى مصادر طاقات أخرى غير بترولية.

هنا، ولأول مرة، يبدأ الحديث الجاد الهلع عن ضرورة عدم الاعتماد الكلي على الثروة الريعية البترولية، وعن ضرورة تنويع الاقتصاد والانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الإنتاجي والخدمي والمعرفي الحديث. حسنا، لنفترض أن أصوات الهلع لن تكون مؤقتة، وأنها لن تخفت بمجرد ارتفاع أسعار البترول، وأن حليمة لن تعود إلى عادتها القديمة، وأن الإرادة السياسية موجودة لنقل مجتمعات دول مجلس التعاون إلى حالة العمل والعرقَ والإبداع والتجديد، ولنذكر مسؤولينا بمتطلبات ذلك الانتقال إذا كنا نريده أكثر من حلم صيف وأضغاث أحلام.

أولا: إن عصب ذلك الانتقال يكمن في وجود قوى عاملة وطنية مؤهلة ومدربة بمستويات عالية. ذلك يعني ضرورة وجود نظام تعليمي كفوء يعتمد مرجعية فلسفية تربوية تفرد مساحة كبيرة للتعلم الإبداعي غير التلقيني، الذي بدوره يقود إلى عقلانية صارمة تقوم على العلم ومنهجيته، إلى شخصية مستقلة متوازنة ملتزمة، إلى انتهاج التعلم الذاتي المستمر طيلة الحياة، إلى سلوكيات الجهد والعمل المتقن والمحافظة على الوقت، إلى الرفض الحقيقي للولاءات وللعادات التراثية السلبية التي ما عادت صالحة لهذا العصر.

ثانياَ: الانتقال إلى اقتصاد كهذا يحتاج إلى فكر اقتصادي جديد يتجنب الجوانب السلبية في الفكر الرأسمالي العولمي النيوليبرالي وعلى الأخص دعوته للتحرير شبه الكامل للأسواق الوطنية المالية والخدمية والسلعية، من أي قيود أو ضوابط، ودعوته لتقليص الدعم للمواطنين من ذوي الدخل المحدود.

لكن أخطر دعواته هي التي تعتبر أن أي سياسة حمائية وداعمة من قبل الدولة للمشاريع الاقتصادية الوطنية، حتى في بداياتها وحتى إلى حين وقوفها على رجلها، غير مقبولة. وهي دعوة انتهازية تنسى أن كل الدول الرأسمالية القوية مارست سياسات حمائية وداعمه لكل صناعاتها، عبر عقود طويلة من الزمن، إلى أن قامت على رجليها وأصبحت قادرة على المنافسة العالمية.

هذا الفكر الاقتصادي يحتاج أن يتعلم الكثير من تجارب الدول الآسيوية التي استطاعت أن تنتقل خلال سنوات محدودة من دول زراعية باقتصادات متخلفة إلى دول صناعية إنتاجية ومعرفية تنافس بكفاءة ونجاحات مذهلة. وأخيراَ فان العدالة الاجتماعية يجب أن تكون في قلب ذلك الاقتصاد وأحد أهدافه.

ثالثا: لا يكفي أن يحدث إصلاح في التعلم وأن يوجد الخريج المتميز، إذ هناك حاجة لسياسة وطنية تعطيه الأفضلية في التوظيف وفي إعادة التدريب وفي الصعود المتواصل في سلم الترقيات وفي الأجر العادل المعقول. ذلك سيعني وضع ضوابط للاستعانة بالقوى العاملة الخارجية تخضع للمتطلبات الوطنية والقومية العروبية، ولا تخضع فقط لمقاييس الربح لأصحاب رؤوس الأموال. إن اقتصادا يكون على حساب الهوية هو اقتصاد يحفر قبر مجتمعاته ليدفنها إن عاجلا أو آجلا.

رابعا: الانتقال إلى ذلك الاقتصاد، سيحتاج إلى رافد يسير بموازاته يتمثل في وجود مراكز بحثية تطويرية تحسينية، سواء في داخل الجامعات أو خارجها. إن البخل تجاه البحوث العلمية والتكنولوجية هو في الحقيقة بخل تجاه نمو واستمرار الاقتصاد.

خامساَ: كل ما سبق ذكره لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال حكم رشيد كفوء خاضع للمراقبة والمحاسبة وغير موبوء بالفساد والمحسوبية والزبونية والولاءات الفرعية غير الوطنية. إن وجود مساحة بين سلطة المال وسلطة السياسة أحد المفاتيح الأساسية لتحقيق المتطلبات التي ذكرنا.

سادسا: التنمية الإنسانية المستدامة، التي سيكون ذلك الاقتصاد أحد دعائمها الرئيسية، مترابطة ومتفاعلة في علاقة تبادلية تساندية مع مكونات المشروع النهضوي العربي، من مثل الوحدة العربية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني والقومي والتجديد الحضاري الدائم.

إننا أمام قضية وطنية يحتاج أن يحمل مسؤوليتها الجميع، إن كنا حقا نريد ألا نلعب في الوقت الضائع من خلال تحسين مظهري في هذه الإحصائية أو تلك.

٭ د. علي محمد فخرو مفكر وسياسي بحريني. 

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العرب النفط الغاز دول الخليج بنية تحتية دولة الرعاية الاجتماعية الاستهلاك الترف الأمن الفساد اقتصاد المعرفة