استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الإسلام السياسي يدفع ثمن قبوله بنصف ثورة

الأربعاء 25 مايو 2016 07:05 ص

عالم اليوم لا يختلف في ابعاده الانسانية عن عالم الامس جوهرا، وان كان يختلف هامشا. وبعيدا عن الشعارات ومقولات التنوير والحداثة وما بعد الحداثة، فمن الصعب الاعتقاد بان تطور الاداء السياسي في «الدولة الحديثة» قد اختلف تماما عن ممارسات حكومات الامم السابقة، فالتفرعن والاستبداد والجشع والفساد، تتجسد يوميا في العصر الحاضر بنمط مشابه لما كان يجري في القرون الوسطى.

ومع اختلاف شكلي في اساليب القمع، فان المجتمع المعاصر ما يزال غير قادر على حماية انسانية البشر وكرامته. وبرغم تعدد الاطروحات الفكرية والايديولوجية والسياسية، فان جوهر التاريخ البشري يؤكد حقيقة مهمة: ان الحكم منظومة عملية تتجاوز حدود الزمان والمكان، ولا تخضع لمقولات الدين او المبدأ او القيم. كما يتأكد يوما بعد آخر، ان التطورات التي حققتها البشرية في منظومة الحكم انحصرت بالشكل ولم تعالج الجوهر.

والامبراطور القديم استبدل بالرئيس المنتخب والملك المعين في الدولة المعاصرة، مع تعديلات طفيفة على الصلاحيات المرتبطة بالمنصب. وقد يشار هنا الى «القانون» للتعبير عن تطور المسار البشري، وانه مرجعية للحاكم والمحكومين، ولكن الدولة الحديثة تغولت حتى سحقت الفرد الذي اصبح اكثر عجزا عن احداث تغيير سلمي في مسارها.

ومع تطور اساليب التضليل والتشويش اصبحت «الدولة» قادرة على تمرير سياساتها حتى لو اعترض الشعب عليها. فقد تم تفكيك الشعوب وتهميشها. ونجح النظام الرأسمالي في تضخيم الذات الفردية ليس بدافع احترام الانسان وضمان حقوقه، بل لتذويب العمل الجماعي لكي لا يكون له أثر كبير على منظومة الحكم، ايا كان شكلها.  وتعتبر النقابات احدى مؤشرات التطور لحفظ الحقوق العمالية، ولكن هذه النقابات تراجع دورها في المجتمع الرأسمالي الذي يشجع الفرد على الاهتمام بنفسه والابتعاد عن الآخرين، وبذلك ضعف العمل النقابي كثيرا.

وهناك ثلاث قيم اساسية غابت عن الامم السالفة كما هي غائبة عن المجتمعات الحاضرة: الله والحق والحقيقة. وقد غاب مفهوم «الحق» عن المجتمع الانساني منذ قرون. وبعد ان كان هذا «الحق» مطلقا في المشروع الديني، اصبح في ظل ما يسمى «التطور البشري» نسبيا، وليس قيمة مطلقة. فحقوق الافراد التي تنص عليها المواثيق الدولية ليست مضمونة، وكثيرا ما تم اخضاعها لـ «الذوق» و «المصلحة القومية» وترك تطبيقها للحاكم الذي لا يسمح لاحد بمشاركته.

فالحق عمليا اصبح يعني ما تجود به يدا الحاكم، وما سوى ذلك فليس من الحقوق الطبيعية للافراد او الجماعات. واعتقد الكثيرون ان اطلاق مفهوم «حقوق الانسان» سيكون شاملا لكافة حقوق البشر، بنصوص دولية ومنظمات حقوقية مرموقة. ولكن الواقع يؤكد غير ذلك، فما تزال مفاهيم «حقوق الانسان» نسبية، وما يزال التذرع بـ «الخصوصية الثقافية» سلاحا ضد احتضان القوانين الدولية التي تنظم ذلك.

في بعض المجتمعات العربية فان الحق هو ما يريده الحاكم، وليس ما يهفو له المواطن. فلا يحق مخاطبة الحاكم من قبل الافراد بشكل مباشر، بل عبر وساطات غير فاعلة. وبعضها لا يسمح بالعمل الجماعي، بل ان سلطة «الدولة الحديثة» حالت دون قيام منظومة مستقلة ذات سيادة على قرارها او قدرة على تفعيل منظوراتها الانسانية.

وقد يبدو عداء هذه الانظمة للبديل الاسلامي مقنعا للبعض، ولكن العداء انما هو لكافة الطروحات الايديولوجية الساعية للجم سلطات الحاكم، واخضاعه للقانون العام، الامر الذي لا يزال بعيدا عن الواقع، حتى مع الدول التي قد لا تتعرض لسخط خارجي.

وفي العالمين العربي والاسلامي اصبح «الحق الفردي» خارج اطار التفكير الرسمي، واستبدل ذلك في مواقع كثيرة بمبدأ «العطاء» من الحاكم. فالحق هو ما يراه الحاكم وما يريد، وليس ما يطلبه المواطن المغلوب على امره. ان هذا سياسة ضمنية مفادها ان الحاكم هو المصدر الاول والاخير لتحديد المفاهيم وتطبيقها، وليس اية جهة اخرى.

اما الحقيقة فهي الاخرى لم تعد خدمتها هدفا للدولة الحديثة، الا بقدر ما يخدم الدعاية ويروج للمنظومة السياسية للدولة. لقد تطورت اساليب التضليل الاعلامي حتى لم يعد بامكان الانسان العادي معرفة الحقيقة الا بشكل نسبي. ويمكن القول ان تطور وسائل التواصل الاجتماعي عمق الجهل، بدلا من توسيع المعرفة والعلم.

ويوما بعد آخر تتلاشى آفاق الثقافة والمعرفة لدى جيل «الهاتف الذكي» بعد ان اختصرت المعرفة ببضعة سطور وكثير من الصور الملهية والاخبار المسطحة. فوسائل الاعلام تملكها امبراطورية كبيرة مرتبطة بالنظام السياسي الحاكم في البلدان، ولم تعد الحقيقة محترمة لذاتها بل اصبحت محكومة بقيود عديدة: سياسية وفكرية ومصلحية.

وبالتالي غابت الحقيقة المطلقة ليحل محلها الاعلام المنحاز للاقوياء، والهدف إحكام السيطرة على تفكير الانسان وتوجيهه وفق بوصلة الحكم او ذوي المصالح المادية الكبرى خصوصا الشركات العالمية المتعددة الجنسية. فالحكومات الكبرى التي تكلف المختصين ببحث القضايا المهمة وتقديم تقارير حولها، تسعى لطمس الحقيقة وعدم اظهارها الا بقدر ما يخدم مصلحة الحاكم. فما تزال واشنطن تتحفظ على 28 صفحة من تقرير اعدته لجنة مختصة حول تفجيرات 11 أيلول/سبتمبر، خشية ان يؤدي كشف تلك الوثائق لتشنج العلاقات مع دول اخرى ذات صلة بما حدث.

وما يزال التقرير البريطاني حول الحرب الانكلو – امريكية على العراق، المعروف بتقرير «تشيلكوت» طي الكتمان برغم مرور سنوات على اعداده، لأن بعض حقائقه ترتبط بافراد ما يزالون على قيد الحياة.  أليس ذلك مجافاة للحقيقة وحصارا لها؟

 البعد الثالث هو الله الذي هو العدل المطلق، وقد جاءت الاديان جميعا لتحقيق ذلك «لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط». تلك هي رسالة السماء الى الارض، على ألسنة أنبياء الله بدون استثناء. وهناك ابعاد لذلك:

اولها ان على من يرفع شعارات دينية ان يجعل اقامة العدل هدفه الاول،

ثانيا: ان يستبطن الحديث عن «الدولة الاسلامية» او «المشروع الاسلامي» او «الاسلام السياسي» او «حاكمية الاسلام» او «الاسلام هو الحل» ذلك الهدف بشكل واضح وأكيد وبدون التباس او تشوش، وان لا تعني تلك الشعارات حصر الدين بتطبيق الحدود مع غياب العدل.

ثالثا: ان يستوعب رافعو ذلك الشعار مستلزماته من الايمان الراسخ وحسن الاداء، سلوكا وادارة.

رابعا: ان يكون هذا المشروع عالميا، يتجاوز الحدود القومية او الدينية او المذهبية، وان لا يكون اقصائيا.

خامسا: ان تكون للشعار خصوصيات وطنية مع الاحتفاظ بمشاعر الارتباط بالامة والانتماء للانسانية. هذا هو جوهر المشروع الاسلامي الذي دفع دعاته تكاليف باهضة في العقود الاربعة الاخيرة. ويمكن الاشارة هنا الى جوانب ثلاثة ذات صلة: الاول ان هذا المشروع ما يزال حيا في نفوس الكثيرين خصوصا القابعين في سجون انظمة الاستبداد. الثاني: ان بريق المشروع تراجعت شعبيته كثيرا، خصوصا في ضوء تجارب «الاسلاميين» في الحكم.  

الثالث: ان جبهة أهل هذا المشروع بدأت تتصدع من داخلها، ودبت الخلافات في اوساطها. هذا التراجع ربما يؤشر لانتهاء حقبة ما سمي «الصحوة الاسلامية». يصدق هذا الادعاء على كافة جبهات المشروع، السنية والشيعية. فما عاد الحماس للبديل الاسلامي متجسدا كما كان، سواء في ايران ام العراق، او على صعيد تيار الاخوان المسلمين.

ويمثل ما نسب لفضيلة الشيخ راشد الغنوشي من كلام وجهه للتنظيم العالمي للاخوان خلال انعقاد مؤتمره الاخير بتركيا، مثالا حيا على تصدع جبهة الاسلام السياسي. وبعيدا عن دقة الكلام المنسوب للغنوشي، فان محتواه يمثل الواقع الذي تعيشه تجربة «الاسلام السياسي» بعد سلسلة من الاخفاقات الناجمة عن ضعف الاداء الذاتي لمجموعاته في العراق واليمن وتونس ومصر والمغرب والسودان.

فقد توفي المرحوم الدكتور حسن الترابي، احد منظري التيار، وفي قلبه غصة لما آل اليه وضع الحركة التي ترأسها اكثر من نصف قرن. وها هو الدكتور محمد بديع يرزح في سجون النظام العسكري المصري بدون ان يثير ذلك ردود فعل تتناسب مع حجم التنظيم الذي يديره. وتحتضن سجون البحرين قيادات المشروع الاسلامي منذ خمسة اعوام بدون ان يدعو «الديمقراطيون» الغربيون لاطلاق سراحهم.

وبرغم محاولات التخفيف من اهميتها، فان الكلمات المنسوبة للشيخ الغنوشي تعكس الكثير من الامور. فهي تعبير عن شعور بالاحباط لدى بعض منظري تيار الاسلام السياسي. وحين يقترح الشيخ ان حركة النهضة ستتحول الى حزب سياسي ويترك جانب الدعوة لغيره، فانه استسلام لواقع مر يفرض نفسه بدعم قوى الثورة المضادة الهادفة لالغاء المشروع جملة وتفصيلا.

وحين يسعى الرموز لترك المشروع الذي نموا وترعرعوا في كنفه وقادوه في فترة من حياتهم فان ذلك مؤشر سلبي جدا. هذا ما حدث في العراق قبل عشرة اعوام حين اعلن الدكتور ابراهيم الجعفري، وزير الخارجية الحالي، انفصاله عن حزب الدعوة الاسلامية الذي كان احد قادته، ليؤسس تنظيما آخر. وحين ينسحب عدد من رموز الاخوان المصريين عن التنظيم في ذروة صعوده السياسي، مثل الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح، فان ذلك مؤشر على تراجع التنظيم.

وكذلك الامر حين يكون في البلد الواحد اكثر من تيار محسوب على الاخوان، في مصر والجزائر ومصر.

في التسعينات أعلن عدد من كوادر النهضة تجميد نشاطهم او انسحابهم من التنظيم مثل عبد الفتاح مورو، ومحمد الهاشمي الحامدي في 1999. والآن جاءت تصريحات الشيخ الغنوشي لتعمق الشعور بأزمة اكبر تنظيم سياسي اسلامي في العالم العربي.

أهو خريف الاسلام السياسي؟ هل يمكن اعلان انتصار قوى الثورة المضادة ضد مشاريع التغيير في العالم العربي؟ أم أن السلطة السياسية مقبرة لمشروع «الاسلام هو الحل»؟

تساؤلات تستحق التأمل لأن الحركة الاسلامية المعتدلة اصبحت تواجه استحقاقات ما بعد ثورات الربيع العربي الذي تسابقت لقطف ثماره ربما في غير وقتها، وان تفرض اجندتها مع بقاء اعمدة الانظمة السابقة التي سرعان ما انقضت وعادت الى الحكم من الشباك بعد ان طردت من الباب. والحقيقة ان الاسلام السياسي يدفع ثمار قبوله بنصف ثورة.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

  كلمات مفتاحية

الاسلام السياسي الحركات الإسلامية الثورة الإخوان مصر تونس الإسلام هو الحل الانقلاب الربيع العربي

هل تراجع الإسلام السياسي؟