استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الدور العالمي لواشنطن.. بين التهويل والتهوين

الجمعة 17 يونيو 2016 03:06 ص

في أيامنا هذه، يميل المدافعون عن دور أميركا المهيمن في العالم، وكذلك المنتقدون، إلى تصوير السياسة الخارجية للولايات المتحدة على أنها العامل المفرد الأكثر أهمية، الذي يوجه شؤون العالم.

فبالنسبة للمدافعين عن دور أميركي فعال في السياسة الدولية، يعتبر انخراط الولايات المتحدة النشط في شؤون العالم، هو مصدر معظم التطورات الإيجابية التي حدثت على مدار الأعوام الخمسين الماضية، وهو في رأيهم انخراط يظل شديد الأهمية للمحافظة على نظام عالمي «ليبرالي» راسخ.

وفي مقابل ذلك، نجد أن منتقدي السياسة الخارجية للولايات المتحدة، سواء في الداخل أو الخارج، ينزعون لتوجيه اللوم «للإمبريالية الأميركية»، ويؤمنون بأن العالم سيواصل تدهوره، ما لم تتخلَ الولايات المتحدة عن طرقها الشريرة في التعامل معه.

وفي رأيي، أن طرفي السجال على خطأ؛ فالولايات المتحدة ليست ذلك «العملاق العاجز» الذي خشي الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون أن تصبح عليه بلاده ذات يوم. وفي الوقت نفسه، يتعين القول إنها لا تستحق كل الثناء، ولا كل اللوم أيضاً بسبب الحالة الراهنة للسياسات الدولية.

ليس أمامنا من وسيلة لتبيين الحقيقة، سوى العمل على تفكيك هذه المزاعم المتضاربة، كي نرى أيها ينحرف عن جادة الصواب.

بالنسبة للمدافعين عن نظام عالمي «ليبرالي» تقوده الولايات المتحدة، فإن الدور العالمي لهذه الأخيرة هو مصدر معظم الأشياء الطيبة في العالم حالياً.

وإذا ما نحينا المبالغة جانباً، فسنجد أن هذه الرؤية العالمية المتباهية، تعتبر حقيقة بديهية داخل أروقة مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية. وفي النسخة الحالية من الأحداث العالمية الراهنة، فإن «جيل أميركا الأعظم» هو الذي هزم الفاشية في الحرب العالمية الثانية، ثم مضى لتأسيس الأمم المتحدة، وقيادة حملة عالمية من أجل حقوق الإنسان، ونشر الديمقراطية في طول العالم وعرضه، وتأسيس وتوجيه المؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية، التي كانت سبباً في نمو اقتصادي عالمي ثابت، استمر لستة عقود تقريباً.

ومن خلال قيادتها لتحالفات في أوروبا وآسيا، ونشر قواتها العسكرية في مختلف أرجاء العالم، استطاعت الولايات المتحدة تأمين ستة عقود من «سلام القوة العظمى».

هناك بعض الحقيقة في بعض هذه المزاعم، لكن المدافعين عن «قيادة» الولايات المتحدة، يبالغون على نحو سيئ للغاية، في عرض قضيتهم وتقديم دفوعهم.

صحيح أننا قد مررنا فعلاً بستة عقود لم نشهد خلالها صراعاً مباشراً بين القوى العظمى، لكن الثورة النووية كان لها، على الأرجح، علاقة كبيرة بامتناع هذه القوى عن مواجهة بعضها، وبدرجة لا تقل عن الوجود العسكري الأميركي في الساحة العالمية.

علينا في هذا السياق، ألا ننسى جهود أوروبا الذاتية، من أجل بناء منظمة عابرة للقومية، هي الاتحاد الأوروبي، كان هدفها منع عودة الحروب الدموية التي وقعت في الماضي.

والأمر الأرجح هنا هو أن القيادة الأميركية كانت عاملاً واحداً فحسب، من ضمن عوامل أخرى عديدة، جعلت الستين عاماً الماضية أكثر سلاماً من العقود التي سبقتها.

وفضلا عن ذلك فإن هذا النظام العالمي «السلمي» كان في حقيقة الأمر محدوداً في نطاقه، ويغطي بالكاد كل الكرة الأرضية.

وكما أوضح المؤرخ الأميركي «اندرو بيسفيتش» فإن تأثير القيادة الأميركية على السلام، لم يمنع من اندلاع حروب باهظة التكلفة البشرية والمادية، سواء في كوريا أو في الهند الصينية أو في غيرها من المناطق، كما لم تمنع الهند وباكستان من خوض حربين ضد بعضهما واحدة عام 1965 والأخرى عام 1971، كما لم تحل دون موت ملايين الأفارقة في الحروب الأهلية المتكررة، ولم تمنع اندلاع حروب في الشرق الأوسط أعوام 1956 و1967 و1973 (رغم أن الولايات المتحدة- بذلت جهوداً موفقة لإيقافها)، لكنها لم تتخذ موقفاً جدياً تجاه جهود السلام إلا عندما قررت المساعدة في التوسط بين مصر وإسرائيل، من أجل توقيع معاهدة السلام بينهما في سبعينيات القرن الماضي.

ولم تفعل واشنطن شيئاً لوقف الحرب الإيرانية العراقية (1988-1980)، بل إن القادة الأميركيين ساعدوا على تأجيج نيران الصراعات في أميركا الوسطى، وفي أفريقيا، سعياً لتحقيق أغراض استراتيجية أوسع نطاقا. صحيح أن الولايات المتحدة قدمت المساعدة للمجاهدين الأفغان، لكن المساعدة التي ساهمت في طرد الاتحاد السوفييتي من بلادهم، وكانت في نهاية المطاف أحد الأسباب التي أدت إلى تفكيكه، ساهمت أيضاً في تدمير أفغانستان ذاتها، وفي ظهور «طالبان» و«القاعدة». وفي فترة أحدث ساهمت «القيادة الأميركية» في إنتاج دول فاشلة، أو ما هو أسوأ من ذلك في العراق، وليبيا، واليمن، والصومال.

خلاصة القول إن الولايات المتحدة كعامل من عوامل تحقيق السلام في العالم لها سجل «مختلط»، بكل تأكيد.

ويجب أن نكون حريصين بالقدر ذاته، عندما ننسب لأميركا الفضل في النمو الاقتصادي، الذي تواصل على مدار العقود الستة الماضية. ليس هناك شك في أن المؤسسات الدولية، التي انبثقت من اتفاقية «بريتون وودز» قد أبلت بلاءً حسناً، وأن دعم الولايات المتحدة للبرللة التجارة (جعلها أكثر ليبرالية) قد ساعد على تخفيض رسوم التعرفة العالمية، وغذى عمليات التعافي التي حدثت في الكثير من اقتصاديات الدول العالمية، عقب الحرب العالمية الثانية.

لكن هذا لا يعني بحال أن «القيادة الأميركية» للاقتصاد العالمي كانت سلسلة متصلة من النجاحات: فسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، على سبيل المثال لا الحصر، كانت سبباً في أزمات النفط العالمية المؤلمة في سبعينيات القرن الماضي، كما أن الأزمة المالية العالمية عام 2008، والتي ما زال العالم حتى الآن في طور التعافي منها، قد بدأت في الولايات المتحدة تحديداً.

ليس قصدي من ذلك القول بأن دور الولايات المتحدة في العالم، كان على الدوام سلبياً، وإنما قصدي القول بدلا من ذلك، إن هؤلاء الذين يؤمنون بأن القيادة الأميركية هي الحاجز الأول للتصدي للفوضى والبربرية، يبالغون في تقدير مساهمات أميركا الإيجابية.

ولكن إذا ما كان كان المدافعون عن الهيمنة الأميركية ينسبون للقيادة الأميركية أكثر مما ينبغي من الفضل، فإن بعض منتقدي السياسة الخارجية الأميركية يقعون في خطأ عكسي. وأنا في كثير من الأحيان أوجه انتقادات عديدة لسياسة الولايات المتحدة الخارجية، وخصوصاً اعتمادها المبالغ فيه على القوة العسكرية، ولامبالاتها بالخسائر البشرية التي تسببها، ونفاقها القائم على اعتقادها بأنها أقوم أخلاقاً من الآخرين، ورفضها محاسبة المسؤولين..

لكن انتقاداتي تتضاءل إلى جانب تلك الموجهة من قبل اليسار واليمين المتطرفين، ومن جانب الخصوم الخارجيين أيضاً. بيد أن تحميل الولايات المتحدة مسؤولية جميع أمراض وبلايا العالم ليس خطأً من الناحية الواقعية فحسب، وإنما أيضاً يؤدي لإفلات الجناة الحقيقيين من العقاب.

فمثلا رغم أنه من الواضح أن التأييد الأعمى للولايات المتحدة، هو الذي مكن بعض الحلفاء أحياناً من إساءة التصرف بطرق مختلفة، فالحقيقة التي لا مراء فيها هي أن هؤلاء الحلفاء قد تصرفوا بالطريقة التي تصرفوا بها لأسبابهم الخاصة، وليس لأنهم كانوا ينفذون أوامر واشنطن.

فالولايات المتحدة مثلاً لم تكن تريد أن تطور باكستان قنبلة نووية، أو تؤيد «طالبان»، كما لم تكن تريد من إسرائيل أن تتوسع في بناء المستوطنات ودك غزة لأسباب ليست مقنعة، ولا كانت تريد أن يقوم بعض حلفائها الرئيسيين الآخرين بالانضمام للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، الذي أسسته الصين..

ورغم أن القادة الأميركيين لم يفعلوا كل ما كانوا ينبغي أن يفعلوه لإيقاف تلك الممارسات والأخطاء وغيرها، فإنه علينا في الآن ذاته، الاعتراف بأنه حتى القوة العالمية الأعظم في عالمنا، ليست قادرة على التحكم في كل ما يقوم به حلفاؤها.

وبدلا من النظر إلى الولايات المتحدة على أنها دولة كلية القدرة، وأنها إما طيبة تماماً أو شريرة تماماً، قد يكون الأكثر منطقية النظر إليها كما كان يتم النظر إلى القوى العظمى السابقة؛ أي على أنها قد قامت ببعض الأشياء الجيدة، لكن معظمها كان من أجل مصلحتها الذاتية أساساً، وأحياناً لمصلحة الآخرين، وأنها قد ارتكبت بعض الأخطاء الرهيبة، وأن تلك الأخطاء كانت لها أصداء مدوية بعيدة الأثر، وأنها ارتكبت أعمالاً سيئة للأسباب المعتادة التي ترتكب جراءها أي قوى كبرى مثل هذه الأخطاء؛ كالإفراط في الثقة، والجهل، والمثالية الزائدة، وغيرها من أسباب.

كنت قد كتبت في الماضي، ما مفاده أن السياسة الخارجية للولايات تعمل على خير وجه، عندما تقدم الدبلوماسية على استخدام القوة كملاذ أخير فقط، مع الاعتراف في الآن ذاته بأن قوتها العسكرية غالباً ما تكون فعالة للغاية، عندما يكون الأمر متعلقاً بمصالحها الحيوية، وأن نجاح هذه السياسة يتحقق عندما تتذرع الولايات المتحدة بالصبر، وتعمل بالتعاون والتكامل مع القوى المحلية. أما عندما تحاول الولايات المتحدة إجراء عمليات هندسة اجتماعية تحت تهديد حراب البنادق، كما فعلت في العراق وأفغانستان وأماكن أخرى، فإن النتائج لا تكون على ما يرام.

الشيء الذي يقلقني -ويجب أن يقلقكم أنتم أيضا- هو أن أياً من المرشحين المحتملين لانتخابات الرئاسة القادمة، وهما هيلاري كلينتون دونالد ترامب، لا يبدو مدركاً لذلك، كما هو ظاهر بوضوح: فهيلاري كلينتون تظل متمسكة بآرائها الليبرالية التدخلية، وكثيرا ما قادتها تقديراتها بعيداً عن الطريق السوى، لكنها في الآن ذاته تبدو وكأنها قد تعلمت بعض الدروس من التجارب التي مرت بها. أما ترامب، من جانبه، فهو نموذج معاصر من سلالة السياسيين «الذين لا يعرفون شيئاً» من النوع الذي كان سائداً في القرن التاسع عشر، سلالة أولئك الرجال الذين يبدون غير مهتمين بجهلهم، وهم يعتقدون أن أي شخص أحمق أو مهرج يمكن أن يصبح سفيراً للولايات المتحدة أو ممثلاً لها.

وإذا ما أخذنا في اعتبارنا، أن هناك ما يزيد عن 150 مليون أميركي من مواليد أميركا فوق سن الـ35 سنة (أي مؤهلين للترشح لانتخابات الرئاسة) فإننا نشعر بالاكتئاب والكدر، عندما نرى أن اختياراتنا –من الناحية الواقعية– قد انتهت بنا إلى ما نحن فيه الآن.

* د. ستيفن والت أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفرد.

  كلمات مفتاحية

الولايات المتحدة الدبلوماسية النزعة التدخلية العراق أفغانستان السياسات الدولية