غزة.. مسيحي يتطوع لخدمة مسلم كفيف باصطحابه للمسجد والسوق

الأربعاء 22 يونيو 2016 09:06 ص

رصد مصدر صحفي في غزة رجلا يعتنق الديانة المسيحية وهو يقف عند باب مسجد البورنو وسط المدينة في كل أوقات الصلوات، موضحا أن الرجل يقوم بانتظار أحد المصلين الذي يعاني من فقد بصره لمساعدته في ارتداء حذائه واصطحابه للمسجد ذهابا وإيابا.

وذكرت صحيفة «المونيتور»، أن المواطن «كمال ترزي» (55 عاما)، والذي يعرف بـ«أبو إلياس» ويعتنق الديانة المسيحية، لم يفارق صديقه المسلم الدكتور الصيدلي «حاتم خريس» البالغ من العمر 45 عاما منذ فقدانه بصره، أثناء تركيبه وصفة طبية قبل خمس سنوات.

وقال «ترزي»: «أنا والدكتور حاتم أصدقاء منذ 15 عاما، نتشارك في الفرح والألم، فكنت لا أفارقه ودائما برفقته، فكل من يعرف أني مسيحي وهو مسلم، يندهش من عمق علاقتنا».

وأضاف: «بعد إصابة صديقي الدكتور وفقدانه بصره، تغيرت حياته وانقلبت رأسا على عقب، فبعد ما كان يعد الوصفات الطبية للمرضى، أصبح يحتاج إلى من يساعده لممارسة حياته اليومية ويستعين بالآخرين لتناول الدواء».

وتابع: «اعتاد الدكتور حاتم منذ الصغر على تأدية صلاة الجماعة في المسجد، ولكن بعد إصابته قبل خمسة سنوات لم يتمكن من فعل ذلك بسبب انشغال من حوله بأعمالهم. وعندما كان يسمع صوت الآذان وأنا جالس معه كنت ألاحظ دموعه، وحينها قررت أن أساعده للوصول إلى المسجد لأداء الصلاة مع المصلين، كما كان يفعل في السابق».

وأردف: «بعد خروجه من المسجد، في أول يوم أساعده فيه، قبل أربع سنوات رأيت ملامح الفرح والسرور على وجهه، فأخبرته أني سأساعده كل يوم للذهاب إلى المسجد لأداء كل الصلوات، ففرح عند سماع هذا الخبر كأنه وجد شيئا فقده منذ زمن طويل».

ووفقا للصحيفة، يصطحب «ترزي» صديقه «خريس» في ساعات الصباح الأولى إلى السوق لمساعدته في شراء حاجاته الخاصة، التي اعتاد شراءها بنفسه قبل فقدانه بصره، وبعد الانتهاء من التسوق، يذهب إلى بيت صديقه ويجلسا سويا ليقرأ له عناوين الصحف ويطلعه على آخر الأخبار.

وبين «ترزي» أنه يقضي أغلب أوقاته مع صديقه، كونه لا يعمل، فهو يتقاضى راتب أسرى من السلطة الفلسطينية، فهو أسير محرر، حكمت عليه المحكمة الإسرائيلية عليه عام 1988 بالسجن 9 سنوات نظرا لنشاطه السياسي، قضى مدة سبع وسنوات وتم الإفراج عنه عام 1994 ضمن اتفاقية أوسلو.

وأشار «ترزي» إلى أنه في حال أجمع خبراء عالميون في مجال العيون أن عملية زراعة عين لصديقه الكفيف ستكون ناجحة بنسبة 100%، وأنه سيبصر فهو مستعد ليتبرع له بإحدى عينيه ويبقى بعين واحدة، في سبيل أن يبصر صديقه ويرى أبناءه الخمسة بعد حرمانه من رؤيتهم.

من جهته، قال «خريس»: «بعد فقداني لبصري أثناء تركيب وصفة طبية قبل خمس سنوات، لم أتمكن من فعل شيء، وحتى المسجد لم أستطع الوصول إليه لأداء الصلوات كافة، وأصدقائي لم أعد أراهم كثيرا بسبب انشغالهم فشعرت بأن حياتي تغيرت كثيرا.

وأضاف: «في بداية إصابتي، كنت أشعر بالضيق والحزن لأني لن أستطيع فعل ما كنت أفعله في السابق، ولكن بعد تطوع صديقي المسيحي أبو إلياس لمساعدتي بالوصول إلى المسجد وقضاء أغلب الأوقات برفقتي لم أعد أشعر بهذا الشعور لأنه عوضني عن النقص الذي كنت أعاني منه».

وأشار إلى أن مع حلول ساعات مساء كل يوم، يصطحبه صديقه المسيحي إلى الأماكن الترفيهية، وهناك يتبادلان أطراف الحديث عن الحياة ولا تخلو الجلسة، التي تمتد حتى منتصف الليل، من الحديث عن الوضع السياسي الذي يعيشونه، والنصيب الأكبر يكون لغزة وحصارها.

ولفت «خريس» إلى أنه يفضل مرافقة صديقه المسيحي «أبو إلياس» على مرافقة أصدقائه الآخرين أو أقاربه، إذ أنه يشعر معه بالارتياح، مشيرا إلى أنه قد يضطر إلى الاستعانة بغيره مؤقتا في حال مرضه أو انشغاله.

واعتبر أن ما يفعله معه صديقه المسيحي هي طبيعة الفلسطيني الذي لا يمكن أن يفرق بين مسلم ومسيحي لصعوبة تحديد الفروق في العادات والتقاليد وأمور الحياة اليومية.

وفي ذات السياق، أشار «ترزي» إلى أن المسيحيين في غزة لا شيء يميزهم، فما يجري على المسلم يجري على المسيحي.

ولفت إلى أن واقع مسيحيي غزة لا يمكن فصله عن واقع المسلمين، إذ أن المسيحي لا يستطيع أن ينحي نفسه في ظل هذه الظروف الصعبة عن الوضع المعيشي مثلا، الذي يعيشه كل مواطن غزي، لا سيما أن الأوضاع الاقتصادية وغيرها لا تفرق بين مسيحي ومسلم.

وقال: «إن المسيحي في غزة يحمي المسلم، كما يحمي المسلم المسيحي، فهم جسد واحد يتداعون لنصرة بعضهم البعض ويفرحون لبعضهم البعض، ويعانون من احتلال وحصار واحد».

وأكد أنه كأي مواطن فلسطيني يحب وطنه لا يستطيع أن يميز نفسه عن إخوته وأصدقائه من المسلمين لأنه تربى وترعرع معهم، وعاش الظروف والأحداث ذاتها، لافتا إلى أن المسيحيين في غزة يشعرون بأنهم جسد واحد مع المسلمين، ويلقون احتراما وتقديرا ومعاملة حسنة من الجميع، ويؤدون كل طقوسهم ومناسباتهم الدينية بحرية.

هذا، ويعيش في قطاع غزة 3500 مسيحي من أصل مليوني نسمة يسكنون القطاع، وغالبية مسيحيي غزة من الأرثوذكس الشرقيين، وتشكل طائفة اللاتين 15% منهم، وتوجد في غزة ثلاث كنائس أصيبت بأضرار جميعها من جراء القصف الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة عام 2014 وتم ترميمها ليتمكنوا من ممارسة شعائر دينهم داخلها.

ويمارس المسيحيون في غزة حياتهم الدينية بحرية، وينعمون بحماية الجهات الأمنية، فيتوجهون إلى كنائسهم حينما يشاؤون، وهم جزء أصيل من نسيج المجتمع الفلسطيني وبنيته.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

غزة مسلم مسيحي كفيف