استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

تقرير تشيلكوت: نتائج كارثية لحرب غير شرعية

الأربعاء 13 يوليو 2016 08:07 ص

يخطىء من يعتقد ان تقرير «تشيلكوت» الذي صدر الاسبوع الماضي سيؤثر كثيرا على السياسة الخارجية البريطانية، او انه سيؤدي لمحاكمة رئيس الوزراء السابق، توني بلير، او ان السجال بشأنه سيستمر طويلا. صحيح ان التقرير يعتبر إدانة واضحة لقرار الحرب التي يمكن اعتبارها نقطة التحول في المنطقة والعالم بسبب ما نجم عنها من تصاعد ظاهرة الارهاب نوعا وكما. وصحيح ايضا ان المسؤولين البريطانيين قد يلجأون للمزيد من الحذر حين يواجهون اوضاعا مماثلة، ولكنه لن يغير النزعة التاريخية للسياسة البريطانية نحو التمدد والهيمنة خارج الحدود الجغرافية للجزر المنفصلة بشكل طبيعي عن القارة الاوروبية.

ويمكن الزعم بان الدافع الاول لتشكيل لجنة تقصي الحقائق برئاسة السير جون تشيلكوت، الذي عمل عقودا في الخدمة المدنية، انبثق عن ضغط ذوي الضحايا البريطانيين الذين يقدر عددهم بـ 179 شخصا، سقطوا خلال فترة التواجد العسكري البريطاني في العراق ما بين 2003 و2009. هؤلاء شعروا بالغضب خصوصا بعد ما رأوا من نتائج مدمرة لذلك التدخل على صعيد الامن والاستقرار الدوليين. فالعالم بعد الحرب التي اسقطت نظام صدام حسين لم يعد كما كان قبلها، بل اصبح اكثر توترا واضطرابا، حيث انتشر الارهاب بوتيرة تفوق ما كان عليه قبل ذلك. 

التقرير الذي يعتبر الاضخم من نوعه في التاريخ البريطاني الحديث يحتوي على اكثر من مليونين ونصف كلمة، واستغرق اعداده سبع سنوات، وأحدث لغطا غير مسبوق في الفضاء السياسي، غطى على الشعور العام بالاحباط لدى المجتمع البريطاني بعد قرار الخروج من منظومة الاتحاد الاوروبي.

كما ان سلوك توني بلير بعد تركه منصبه في العام 2007 ازعج الكثيرين، فقد توجه لتكديس الاموال بأساليب لا تليق بالمنصب الذي بقي فيه عشرة اعوام،  بدأ بالقاء المحاضرات في مقابل عشرات الآلاف من الجنيهات، ثم عمل مستشارا لانظمة عربية قمعية من بينها الحاكم العسكري لمصر الذي اسقط الحكومة المنتخبة بالقوة وقتل المئات من المواطنين واجهض مشروع الثورة الشعبية التي اسقطت حسني مبارك.

يضاف الى ذلك فشله في تقديم اداء جيد كمبعوث اممي خاص لقضية الشرق الاوسط. وبذلك اصبح توني بلير المثل الاسوأ لدى البريطانيين للزعيم المسؤول الذي ترتفع به هامات مواطنيه.

من الامور التي تمخضت عن التقرير وظروف اعداده واستنتاجاته والدروس المستفادة منه ما يلي:

أولا ان الدافع لتشكيل لجنة لتقصي الحقائق لم يكن سقوط اكثر من 150 الفا من العراقيين ضحايا للحرب التي شنها التحالف الانكلوأمريكي على العراق، ولا تصاعد الارهاب بالشكل الذي جعله اكبر تهديد لأمن العالم واستقراره، ولا الدمار الانساني أو السياسي أو الامني الذي لحق بمنطقة الشرق الاوسط، ونجم عنه تحول الارهاب الى غول يلتهم ما حوله، من العراق الى سوريا الى ليبيا ونيجيريا. كل تلك المآسي لم تكن من بين العوامل التي ادت لتشكيل اللجنة التي كلفت عشرة ملايين جنيه، بل الضجة التي احدثها ذوو الضحايا البريطانيين. 

ثانيها: ان التقرير كان قيد التحفظ فترة طويلة بعد ان اتضح انه ادانة صريحة لتوني بلير وان ذلك قد يؤدي لتوتر داخلي ومشادات تساهم في تمزيق المجتمع الريطاني الذي يواجه تهديدات عديدة منها الارهاب والانفصال عن اوروبا وشبح انفصال الاقاليم خصوصا اسكوتلاندا عن منظومة «المملكة المتحدة».

ثالثها: ان لجنة التقصي كانت امام امرين: اما ان تسيس عملها وتسعى للتجاوز على الحقائق واصدار تقرير باهت يتقي ازعاج اللاعبين الاساسيين في تلك الحرب ابتداء برئيس الوزراء ووزارء الخارجية والدفاع، وصولا الى اجهزة الامن والاستخبارات، او ان تلتزم بالمعايير الاخلاقية للنزاهة والموضوعية وعدم القفز على الحقائق. وهذا ما فعلته، الامر الذي خلق عنوانا عريضا يدين توني بلير ومعه المدعي العام الذي كان مصدر المشورات القانونية لرئاسة الوزراء، وكذلك جهاز الاستخبارات الخارجي (أم آي 6) ومسؤولي مكتب رئيس الوزراء. هؤلاء جميعا استهدفهم التقرير بشكل غير قليل من اللوم.

رابعها: ان من نتائج التقرير بروز مصطلحات الفشل والخسارة لوصف تلك الحرب، اي ان المغامرة التي قام بها توني بلير كانت فاشلة، وهذا يعني ان التدخلات البريطانية لا تحقق النجاح دائما.

خامسها: ان القائمين على التقرير كرروا ان الهدف منه وضع النقاط على الحروف للاستفادة من الاخطاء التي ارتكبت آنذاك في المستقبل. وكثيرا ما يقال ذلك، ولكن غالبا ما تكرر الاخطاء نفسها نظرا لتغير الظروف وشعور الاطراف المعنية بحريتها في اتخاذ القرارات وعدم قراءة التاريخ بدافع الرغبة والاتعاظ.

سادسها: ان بريطانيا ستواصل النزعة نحو التدخل الخارجي، فما كاد يمر يوم على صدور التقرير حتى بعثت 650 جنديا الى بولندا لدعم قوات الناتو على الحدود مع روسيا.

من المؤكد ان هناك دروسا كثيرا من تقرير تشيلكوت، ولكن المؤكد ايضا ان القليل من القادة الحاليين والمستقبليين سوف يستفيدون منها.

فعلى سبيل المثال، اذا كان هناك من شخص وقف بقوة ضد الحرب ودعا لمنع مشاركة بريطانيا فيها فهو السيد جيريمي كوربين، الرئيس الحالي لحزب العمال. وقد شارك شخصيا في اكبر مظاهرة شهدتها لندن في شهر مارس 2003 قبل الحرب بقليل. مع ذلك اصبح كوربين مستهدفا من كافة مفاصل المؤسسة البريطانية التي لا تؤمن بالتوقف عن المشاركة في الحروب الخارجية او الاحتفاظ بمسافة في العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية.

والشعب البريطاني يدفع ثمن سياسات تلك المؤسسة الضخمة التي تعتبر نفسها الوريث الشرعي للارث الاستعماري الواسع، لكنها لا تريد ان تتحمل تبعات ذلك الارث، ولا تدفع ثمن السياسات الخاطئة المؤسسة عليه، بل تفرض على الشعب دفع فواتير الحرب والسلام. فالضحايا الذين سقطوا في الحرب على العراق ليسوا من ابناء الطبقة الحاكمة والمتنفذة، بل من عامة المواطنين الذين يعملون في المؤسسة العسكرية.

يمكن القول ان تقرير تشيلكوت انهى الحياة السياسية لتوني بلير، الذي لم يبد ندما على قراراته، بل اكد انه سيتخذ القرارات نفسها لو تكررت الظروف نفسها، وبرغم ما قدمه من اعتذارات باهتة لسقوط الضحايا، الا انه بدا متشبثا بمواقفه وسياساته، الامر الذي دفع وسائل الاعلام قاطبة للرد عليه.

لكن الواضح كذلك ان «المؤسسة» لن تقاضيه بتهم التقصير او تضليل البرلمان والشعب. ومن التهم التي اكدها التقرير انه تعهد للرئيس الامريكي آنذاك، جورج دبليو بوش، بمشاركة بريطانيا في اي عمل عسكري ضد العراق، وذلك قبل عام كامل من بداية الحرب، وقبل ان يطرح الامر على البرلمان.

ثانيها: انه اعتمد في موقفه لتبرير المشاركة في الحرب على امرين مشوبين بالخطأ:

الأول معلومات استخباراتية كاذبة حول امتلاك صدام أسلحة دمار شامل يستطيع تجهيزها للاستخدام في غضون 45 دقيقة، الامر الذي ثبت بطلانه بعد احتلال العراق،

الثاني: ان بالامكان شن الحرب بالتعاون مع الامريكيين بدون وجود قرار اممي عن مجلس الامن، الامر الذي رفضه تقرير تشيلكوت.

تضمنت الانتقادات كذلك ان الخيار العسكري اتخذ قبل استنفاذ الخيارات السلمية، وان قرار الحرب اتخذه بلير قبل اقراره من قبل البرلمان، وان المدعي العام، اللورد غولدسيث، غير رأيه اكثر من مرة. في بداية العام 2002  كان يصر على ضرورة استحصال قرار اممي لشن الحرب، وبعد سفره للولايات المتحدة في خريف ذلك العام، عدل عن ذلك الرأي وقال ان بالامكان شن الحرب بدون قرار جديدعن مجلس الامن، الامر الذي رفضه تقرير تشيلكوت.

وأكد التقرير ايضا ان التحالف الانكلو امريكي لم تكن لديه خطط لمرحلة ما بعد سقوط نظام صدام حسين، الامر الذي ادى لوضع محلي واقليمي مضطرب ساعد على توسع دائرة الارهاب ونشوء داعش.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب من البحرين يقيم في لندن

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

بريطانيا احتلال العراق تقرير تشيلكوت توني بلير السياسة الخارجية البريطانية جورج بوش الإبن

متى يصدر تقرير «تشيلكوت» العرب؟

تقرير «تشيلكوت» .. والحصاد الكارثي

ما هي مسؤوليتنا بعد تقرير تشيلكوت؟