«الإيكونوميست»: قضية القمح في مصر.. سياسات «غبية» لحكومة عاجزة

الجمعة 2 سبتمبر 2016 07:09 ص

عندما أشارت مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم، في العام الماضي أنها ستبدأ في فرض حظر على شحنات الحبوب التي تحتوي على كميات قليلة من الإرجوت، أحد أنواع الفطريات الشائعة، تسبب ذلك في ضجة كبيرة في الأسواق.

مصر، على غرار معظم البلدان، تسمح بنسبة لا تتعدى 0.05% من الإرجوت، وهي نسبة غير مضرة. وقال الموردون، إن المعيار الجديد سيكون من المستحيل تحقيقه، قبل أن يشرعوا في في مقاطعة مناقصات الحبوب التي تعقدها الدولة ورفع الأسعار. في غضون أشهر، كان على مصر أن تتراجع.

في يوم 28 أغسطس/آب، أعادت الحكومة مرة أخرى سياستها في عدم التسامح مع أي نسب لفطر الإرجوت، على أمل أن فعل الشيء نفسه مرة أخرى سوف يأتي بنتيجة مختلفة. جاء ذلك بعد أن كشفت دراسة أعدتها الأمم المتحدة أن الفطريات لا تشكل خطرا على المحاصيل المصرية. بدلا من ذلك، فإن الحكومة تعتمد على مجموعتها الخاصة من أشباه العلماء الذين تجاهلوا عقودا من الأدلة التي توصلت إلى نتائج معاكسة. قاطع الجميع باستثناء مورد واحد مناقصة حكومية تم عقدها في 31 أغسطس/آب المنقضي.

ربما لا يكون هناك مثال أفضل للتدليل على عدم كفاءة الحكومة المصرية من تعاملها مع قضية القمح. تشتري الدولة ملايين الأطنان من المحصول في كل عام من الموردين المحليين والدوليين. كما إنها تقوم بتقديم الدعم لتشجيع المزارعين المصريين لزراعة كميات أكبر من المحصول. وفي النهاية فإنها تقوم ببيع أرغفة الخبز للجماهير بسعر أقل من سعر السوق.

هذا نظام مكلف ومدمر ولا يخلو من الفساد. أصدرت لجنة برلمانية تقريرها في أكثر من 500 صفحة حول هذه المشكلة، وتم إحالته إلى النيابة العامة في 29 أغسطس/آب. ويتضح من النتائج التي توصل إليها التقرير أن المسؤولين والموردين المحليين قاموا بتزوير إحصاءات المشتريات المحلية واستولوا على المدفوعات الحكومية. ويقول التحقيق الذي أجراه النواب إن حوالي 40% من المحصول الذي تم شراؤه هذا العام تم فقده أو أنه لم يكن موجودا من البداية. وصار على مصر أن تستخدم حصيلتها الشحيحة من الدولارات لشراء القمح من الخارج لأنها لا تنتج ما يكفي لسد احتياجها في الداخل.

وتقدر دراسة صادرة عن وزارة الزراعة الأمريكية إن السياسات الزراعية غير القويمة في مصر سوف تكلف البلاد ما يزيد عن 860 مليون دولار في عام 2016 في الوقت الذي تستعد فيه الحكومة لتطبيق إجراءات تقشف جديدة بموجب اتفاق أبرمته مع صندوق النقد الدولي.

معظم هذه الإجراءات يمكن تفسيرها وفق دعوى الحمائية (فرض قيود على السلع الأجنبية بدعوى تمكين السلع المحلية). على سبيل المثال، تحظر مصر استيراد قطع الدجاج الأمريكية بدعوى أنها قد لا تكون حلالا، في الوقت الذي تلتهم فيه هذه المنتجات من قبل المسلمين في الكويت والأردن والعراق والمملكة العربية السعودية. هذه المعايير المثيرة للسخرية وطريقة تنفيذها التي لا يمكن التنبؤ بها وعمليات التفتيش المتكررة من قبل المسؤولين المرتشين تحول حياة الموردين إلى جحيم. يتم تحميل هذه التكاليف على المستهلك المصري، الذي يعاني بالفعل بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

وعلى الرغم من وجود ضغوط رسمية لوقف التحقيق في قضية فساد القمح، فقد صدرت أوامر الاعتقال وتم تجميد بعض الأصول. وكان وزير التموين «خالد حنفي» هو أكبر الرؤوس التي جرت الإطاحة بها حيث أعلن استقالته من منصبه في 25 أغسطس/آب. ورغم أنه لم يتهم بالتربح المباشر من قبل الكسب غير المشروع، فإنه كان المشرف الرئيسي على برنامج دعم الغذاء في مصر. ويشير «حنفي» إلى بعض النجاحات المفترضة مثل تطبيق نظام البطاقات الذكية لتوزيع الخبز وخفض التكاليف. ولكن نظام البطاقات جرى قرصنته واختراقه، كما ارتفع إجمالي الإنفاق على دعم الخبز في عهده. وبطريقة ما، فشلت الوزارة في شراء الأرز خلال الموسم الماضي مما أدى إلى نقص المحصول في البلاد وارتفاع الأسعار.

الغريب أن فضيحة الفساد قد شجعت ذات المعايير السخيفة بخصوص الإرجوت. وزارة التموين، التي تشرف على عمليات شراء الحبوب، دفعت لتطبيق معايير معقولة. ولكن الحكومة لا تريد أن ينظر إليها على أنها تقف في مصلحة التجار في الوقت الذي يواجه فيه العديدين منهم اتهامات بالفساد. يوصف الحظر الجديد على أنه محاولة لحماية المصريين، في حين أنه في واقع الأمر سوف يزيد فقط من بؤسهم.

المصدر | اإيكونوميست

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي أزمة القمح وزارة التموين قضايا فساد

مصر.. فساد القمح والأسئلة الأربعة الصعبة

تقرير برلماني: الحكومة المصرية متواطئة في فساد القمح

فضيحة فساد القمح تطيح بوزير التموين المصري

«بلومبيرغ»: فشل «السيسي» هو السبب الرئيسي لانهيار الاقتصاد المصري

«رويترز»: مصر تتجه صوب أزمة في إمدادات القمح بعد مقاطعة التجار لمناقصة

«بلومبيرج»: مليارات الخليج لن تنقذ «السيسي» ولابد من التوجه إلى صندوق النقد

لعنة الدولار ولعنة الدم

مجلس النواب المصري يوافق على تعيين لواء بالجيش وزيرا للتموين