«يوم العذاب».. مشروع فيلم تاريخي مثير للجدل قد لا يرى النور

الثلاثاء 6 سبتمبر 2016 01:09 ص

في أواخر شهر مارس/أذار من العام الجاري، أطلق الداعية الشيعي «ياسر الحبيب» حملة دعائية واسعة بعنوان «لبيك يا فاطمة»، قاصداً السية فاطمة بنت محمد، صلى الله عليه وسلم، لجمع مبلغ 5 ملايين جنيه إسترليني للإنفاق على إنتاج فيلم تاريخي إسلامي عنوانه «يوم العذاب» The Day Of Torture. وبالفعل، استطاع «الحبيب» أن يجمع المبلغ المطلوب في فترة قصيرة، لم تتعد الشهر، بعد أن لاقت حملته نجاحاً كبيراً  تعجب منه الكثير من المتابعين.

أكثر ما يثير الجدل في فيلم «يوم العذاب» هو أنه يتناول فترة تاريخية دقيقة في تاريخ الإسلام والمسلمين: الأيام القليلة التي أعقبت وفاة الرسول، وموقف الصحابة تجاه تعيين خليفة له. وهو الأمر الذي تم بنجاح في سقيفة بني ساعدة، والذي يعتبر بمنزلة أول مؤتمر سياسي بعد وفاة الرسول، نتج عنه اختيار «أبوبكر الصديق» ليصبح أول الخلفاء المسلمين.

الأحداث التي جرت في السقيفة، وما بعدها، تدور حولها بعض الأقاويل في التاريخية. فبينما ترى الكتابات التاريخية المُرجحة أن عموم المسلمين اختاروا «أبوبكر»، وأجمعوا على إمامته وأحقيته، وأن «علي بن أبي طالب» وبنوهاشم قد سارعوا إلى بيعته وطاعته. تروي الكتابات الشيعية الحدث بطريقة مخالفة تماماً، فتؤكد أن «أبوبكر» و«عمر بن الخطاب» اغتصبا الخلافة التي هي من حق «علي بن أبي طالب»، بموجب، تراها تلك الكتابات، نصوصاً مؤكدة عن الرسول العظيم.

ياسر الحبيب

«ياسر الحبيب» داعية شيعي اعتاد أن يثير الكثير من الجدل في الأعوام القليلة الماضية. ولد في الكويت عام 1979، وتدرج في المدارس والمعاهد التعليمية النظامية، ثم عمل بعد تخرجه في الحقل الإعلامي والصحفي، بالإضافة إلى تلقيه العلوم الدينية الشيعية في مدينة (قم) المقدسة بإيران.
بعد عودته إلى الكويت، عُرف «الحبيب» بنشاطاته الدعوية، والتعصب المذهبي. فألقى عدداً من المحاضرات التي أظهرت عداءً صريحاً لعدد من الصحابة، ممن يُعتبرون رموزاً مقدسة عند أهل السنة والمسلمين عموماً. وأدى ذلك إلى إثارة حالة من الغضب والسخط ضده، وهذا ما جعل الحكومة الكويتية تلقي القبض عليه، وتصدر في حقه بعض الأحكام القضائية التي قضت بسجنه نحو عشرين عاماً، في سابقة، هي الأولى من نوعها في ما يخص قضايا الرأي وحقوق الإنسان بالكويت.

بعد عدة أشهر من السجن، أفرج عن «الحبيب» في ظروف غامضة، واستغل هو تلك الفرصة، فسافر إلى إنجلترا وأسس هناك «هيئة خدام المهدي»، التي ركزت أنشطتها في الدعوة إلى المذهب الشيعي الإمامي.

عام 2010 أقام الحبيب احتفالاً ضخماً في لندن، بمناسبة ذكرى وفاة السيدة «عائشة بنت أبوبكر»، فأثار غضب الشيوخ والعلماء السنة، كما أدان خطوته بعض الرموز الشيعة مثل السيد «علي خامنئي»، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، والسيد «حسن نصر الله»، الأمين العام لحزب الله في لبنان. وعليه، سحبت الحكومة الكويتية الجنسية من الحبيب، وطلبت من الإنتربول الدولي القبض عليه، لكن إنجلترا رفضت، معتبرةً أن ما قام به «الحبيب» يندرج تحت بند حرية الرأي والتعبير.

 الإعداد للفيلم

وفي إطار التحضيرات للفيلم، أعلن «ياسر الحبيب» أكثر من مرة أن الفيلم سيكون بمواصفات عالمية، إذ إن طاقم العمل بدايةً من المخرج ونهايةً بالممثلين سيكونون من الأجانب المعروفين بكفاءتهم وتميزهم. فأثار ذلك التصريح الكثير من الاعتراضات لدى عدد من المراجع والعلماء ورجال الدين الشيعة، رافضين أن يقوم ممثلون غير مسلمين بأدوار شخصيات يرونها (معصومة)، حتى لو تم إخفاء وجوههم.

وعند الاتصال بمكتب الشيخ «الحبيب» في لندن، والسؤال عن التفاصيل التقنية، مثل الممثلين الذين سيقومون بأدوار الشخصيات التاريخية في الفيلم، أجاب ممثل المكتب: «ستظهر شخصيات (المعصومين عليهم السلام) في الفيلم بطريقة فنية مبتكرة تكون مراعية لقداستهم».

وتدور شكوك كثيرة إمكانية تنفيذ فيلم تاريخي عالمي بكلفة إجمالية لا تتعدى الخمسة ملايين باوند (أي ما يقارب سبعة ونصف مليون دولار)، فمعروف أن الأفلام التاريخية يكلف إنتاجها مبالغ باهظة. لذلك يرى كثيرون أن مشروع فيلم «يوم العذاب، مشروع وهمي لن يُنفذ، والهدف من إطلاقه جمع بعض الأموال التي قد تساعد «الحبيب» في الإنفاق على دعوته وحشد المؤيدين.

وفي ظل كل تلك الشكوك والاعتراضات، التي تطول مشروع الفيلم، يفرض «الحبيب» وأعوانه تكتماً على تفاصيل ومستجدات المشروع. ويبررون ذلك بخشيتهم «من تدخل عناصر خارجية لإحباط تنفيذ الفيلم وعرقلة تقدمه».

من جهته، يبرر «الحبيب» إمكانية تنفيذ مشروعه رغم ضعف الميزانية الإنتاجية، بأن الكثير من الممثلين وأفراد طاقم العمل عرضوا الاشتراك في العمل من دون أجر أو بنسبة من الأرباح المتوقعة، «بعدما اطلعوا على السيناريو الأولي للفيلم وتأثروا به».

ويؤكد ممثل مكتب «الحبيب»: «الحبيب بنفسه يشرف على كل التفاصيل الخاصة بالفيلم، ويراقب سير الإنتاج». وعن الموعد المنتظر لعرض الفيلم على شاشات السينما، قال ممثلو المكتب: «الموعد المتوقع مع نهاية السنة المقبلة 2017، إذا لم تظهر أي معوقات فنية تستلزم التأخير».

وما بين ثقة «الحبيب» من جهة، والجدل الدائر في الأوساط الإسلامية من جهة أخرى، يبدو أن العالم الإسلامي قد يشهد قريباً أزمة عنيفة في حال تم تنفيذ الفيلم وعرضه. خصوصاً أن السؤال حول حدود (حرية الإبداع) الدرامي التاريخي، اعتاد أن يشهد الكثير من الشد والجذب ما بين مؤيد ومعارض.

المصدر | موقع رصيف 55

  كلمات مفتاحية

فيلم يوم العذاب شيعي مال