«فاينانشيال تايمز»: كشف حساب لنشاط «بوتين» في الشرق الأوسط

الخميس 8 سبتمبر 2016 09:09 ص

لقد مر عام على إرسال «فلاديمير بوتين» للقوات الجوية الروسية لاقتحام سوريا لإنقاذ ما تبقى من دويلة «بشار الأسد»، في مخاطرة مميتة لإخضاع المعارضين السنة. وقد مرت ثلاث سنوات منذ الانقلاب الدبلوماسي للرئيس الروسي في المنطقة على حساب الولايات المتحدة، حين توسط في إزالة الأسلحة الكيميائية من سوريا، بعد أن رفض الرئيس «باراك أوباما» تنفيذ تهديده بمهاجمة «نظام الأسد» بسبب استخدامه لغاز السارين ضد جيب للمتمردين بالقرب من دمشق.

والسيد «بوتين»، الذي غير من ميزان القوى مع أوروبا من بعد الحرب الباردة بالاستيلاء على شبه جزيرة القرم، واختراق شرق أوكرانيا، يُرى كانتهازي من قبل منتقديه وكلاعب سياسي مخضرم من قبل محبيه. ولكن كيف يبدو حصاده الجيوسياسي في الشرق الأوسط؟

يبقى التدخل الروسي في الفوضى السورية مخاطرة كبيرة، وهو أحد الأسباب التي دعت السيد «أوباما» أن يبتعد قدر الإمكان عن التورط في الصراع.

وربما تعددت أهداف السيد «بوتين»، فهو يريد إعادة إحياء مكانة روسيا كقوة عظمى؛ ليتجنب الغضب الأوروبي بعد تدخله في أوكرانيا، ولكي يرسل رسالة واضحة إلى واشنطن مفادها أنه من غير المحتمل تغيير النظام. وبالنسبة للنقطة الأخيرة، وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي، وجه الرجل الروسي القوي انتقادات عديدة للحماقات التي ارتكبها الغرب في العراق وليبيا، حيث أدت الإطاحة بـ«صدام حسين» و«معمر القذافي» إلى فتح المجال للمذابح وحكم أمراء الحرب، وهو ما خلق البيئة الملائمة لنمو الجهاد المتطرف.

وفي الشام، يمكن أن تدّعي موسكو ثباتها في دعم الحكومتين في دمشق وبغداد. أما واشنطن، فبينما تدعم رئيس الوزراء العراقي «حيدر العبادي»، فإنها في نفس الوقت، تصر منذ منتصف 2011، على رحيل «الأسد» الذي شن حربًا ضد شعبه.

وفي سوريا، تتحالف روسيا مع إيران، القوة الثورية التي زلزلت النظام العربي السني بتشكيل محور شيعي من بغداد إلى بيروت ويتفرع داخل الخليج. وعلى العكس في العراق، نجد أن واشنطن تضطر أن تجد نفسها في معسكر واحد مع إيران في دعم «العبادي» ضد الجهاديين السنة في تنظيم الدولة الإسلامية. وكل ذلك من تبعات غزو الولايات المتحدة للعراق في 2003، ووضع حكومة شيعية في قمة السلطة في دولة تقع في قلب الوطن العربي لأول مرة منذ قرون. يبدو أن لدى السيد «بوتين» استراتيجية بسيطة وهو ماضٍ فيها قدمًا.

ومع ذلك، يعد هذا مقامرة. فقد وضعت روسيا نفسها على رأس محور يقوده الشيعة في أكثر المناطق القابلة للاحتراق في العالم. وربما يؤدي هذا العداء مع السنة، وهم الأغلبية الساحقة من المسلمين حول العالم، إلى تهديد حدود روسيا، حيث يملك تنظيم الدولة والجهاديون الأصليون جسورًا في شمال القوقاز. وعلاوة على ذلك في سوريا، تحمل روسيا قنبلة موقوتة. فالجماعات السنية المدعومة من السعودية وتركيا أقوى مما تعتقد. ويبقى «الأسد» حتى الآن في مكانه، لكنها ترى الآن أنه يترأس فقط كومة من الفوضى. وحتى الأراضي التي يدّعي السيطرة عليها، يحكمها خليط من أمراء الحرب الجامحين المبتزين وميليشيات قطاع الطرق. وتوصلت روسيا إلى أنه من غير الممكن فصل عائلة «الأسد» عن مؤسسات الدولة الأمنية، والتي ينخرطون فيها تمامًا، دون كشف ما تبقى من النظام.

وتستمر مقامرة «بوتين» في محاولة للحصول على أكبر استفادة من الفهم الذي سيطر على منطقة الشرق الأوسط منذ 2013، وهو أن فشل السيد «أوباما» في فرض خطوطه الحمراء ضد استخدام «نظام الأسد» للأسلحة الكيميائية، يثبت أن الولايات المتحدة في حالة تراجع. ولا يوجد أحد الآن في الشرق الأوسط يرى أن الولايات المتحدة مستعدة أو قادرة على تشكيل النتائج في المنطقة. بينما عمل السيد «بوتين» على التقارب مع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إسرائيل والسعودية وتركيا ومصر.

وقد طور الرئيس الروسي من علاقاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو»، و«محمد بن سلمان» ولي ولي العهد السعودي والمرشح الأقوى للعرش. كما أظهر إعجابه بالعقلية القوية للرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، وويسعى للتقارب مع الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي»، كما يحاول أن يمهد الأمر بين الرجلين لإزالة خلافاتهما. وحتى أنه قد تعدى على الدور التاريخي للولايات المتحدة، بعرض المساعدة في التوسط لعقد اتفاقية بين (إسرائيل) والفلسطينيين.

وتبدو سجلات السيد «بوتين» جيدة في مجملها، مع قدرته عل حفظ بعض التوازن مع الولايات المتحدة. والسؤال هنا، إلى أي مدى يمكن المضي قدمًا في تلك الخطوات التكتيكية على حساب الولايات المتحدة، والتي بدأت تظهر كاستراتيجية. ويعتقد القليل أنه يمكن لروسيا عقد تحالف قوي ومتماسك في منطقة مشتعلة، بينما تحاول عقد شراكات مع أطراف متناقضة مثل الشيعة والسنة، أو (إسرائيل) وإيران. ولكن كما قال مسؤول تركي رفيع المستوى يتعامل مع روسيا والشرق الأوسط: «إذا قدم لك أحدهم خدمة جيدة، فمن الغباء أن ترفضها».

المصدر | فاينانشيال تايمز

  كلمات مفتاحية

بوتين الشرق الأوسط روسيا سوريا العراق بشار الأسد

20 مشروعا مشتركا بين روسيا والبحرين بالمليارات

روسيا والسعودية ... تفاهمات وتباينات حول سوريا

(إسرائيل) وروسيا .. تقاطع انتهازي في سورية

2.5 مليار دولار حجم التبادل التجاري بين الإمارات وروسيا و18 مليار استثمارات مشتركة