استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

مخاطر تسييس الجنسية.. العراق نموذجاً

الأربعاء 29 أكتوبر 2014 04:10 ص

بعد الثورة الإيرانية، وقبيل بداية الحرب العراقية-الإيرانية، أصدر مجلس قيادة الثورة العراقي القرار رقم ١٨٠، والذي يقضي بعدم تجنيس من يمثل وجوده في العراق «ضرراً على أمن الدولة وسلامة العراق». بعد ذلك بأشهر عدة، صدر قرار آخر، برقم ٦٦٦ يسقط الجنسية عن كل عراقي من أصل أجنبي، إذا تبين عدم ولائه للنظام السياسي. وأخيراً، بعد ذلك بأشهر صدر قرار بمنح كل عراقي يقوم بتطليق زوجته ذات التبعية الإيرانية أو تسفيرها مبلغاً محدداً من المال، يتراوح ما بين 2500 إلى أربع آلاف دينار. 

بعد هذه القرارات، حدثت أكبر عملية ترحيل في تاريخ العراق، وطاولت عشرات الآلاف من العائلات العراقية، التي كانت من حملة التبعية الإيرانية. إن هذه الحادثة تختزل بشكل كبير تاريخ قرن من أزمة المواطنة في العراق، وتكشف عن الأخطار النابعة من تسييس موضوع الجنسية، وتحويله إلى أداة للمعاقبة السياسية.

لنبدأ بمصطلح «التبعية الإيرانية»، فهذا المصطلح يعود بجذوره إلى ما قبل تشكل العراق الحديث، وتحديداً إلى أواخر العهد العثماني. فالعثمانيون أصدروا أواخر القرن الـ19 قانوناً للجنسية، وكان منح الجنسية وسيلة من وسائل الدولة؛ لتسهيل عملية السيطرة على الناس، والتجنيد ومنح الخدمات والحقوق، وفي العراق -الذي كان ساحة حرب بين العثمانيين والفرس- كانت أيضاً أداة طائفية وعرقية. فكان رد فعل بعض الشيعة العرب والأكراد وغيرهم، من الذين يريدون التهرب من الخدمة العسكرية، أو القريبين من الدولة الفارسية، أو في الفترات التي كانت هذه الأخيرة، يسيطر على بعض نواحي العراق، هو أنهم حصلوا على التبعية الإيرانية. 

عندما انهارت الدولة العثمانية، وقع العراق تحت الاستعمار البريطاني، وكان القاطنون فيه إما يحملون الجنسية العثمانية أو الجنسية الفارسية. بدأت المشكلات عندما جعل قانون الجنسية الأول المصدر عام ١٩٢٤- الذي تمت صياغته بإشراف بريطاني-الجنسية العثمانية شرطاً للحصول على الجنسية العراقية، وهو ما عنى تلقائياً حرمان كل حملة التبعية الإيرانية من الحق بالحصول على الجنسية الجديدة. 

هذا الإقصاء يعود بشكل رئيس إلى ثورة الـ20 العراقية ضد الاحتلال البريطاني، إذ عمل البريطانيون مع أعوانهم من النخبة الحاكمة في الفترة الهاشمية إلى تصميم نظام إدماج وإقصاء يسمح بالتحكم باحتواء الثورة، ولاسيما المرجعيات الشيعية التــــي كانت مناوئة للحكم البريطاني. 

منذ تلك اللحظة عملت الحكومات العراقية المتعاقبة على استخدام الجنسية أداةً للقمع السياسي للمعارضين من شخصيات وحركات سياسية. ففي الخمسينات عُدل قانون الجنسية ليسمح للحكومة نزع الجنسية من المنتمين للحزب الشيوعي العراقي، بحجة أنهم يخدمون دولا أجنبية.

ومع وصول البعث إلى السلطة، واعتماده في أجهزته الأمنية والعسكرية على العشائر العربية السنية، ولاسيما عشيرة البيجات التي ينتمي إليها قادة البعث من أحمد حسن البكر وصدام حسين، زادت حساسية النظام من المعارضة الكردية في الشمال وازدياد نشاط الحركات الإسلامية الشيعية في الجنوب. 

بعد رحيل بريطانيا من الخليج بدايات عقد السبعينات الميلادية، بدأ مسلسل التنافس على السيطرة على الخليج، سيطر شاه إيران على الجزر الإماراتية، وتشكلت الإمارات العربية المتحدة، وجرى استفتاء على استقلال البحرين عن إيران.

ضمن هذا السياق، طردت الحكومة العراقية الآلاف من الإيرانيين ومن العراقيين من حملة التبعية الإيرانية كرد فعل على احتلال الجزر الثلاث، وفي محاولة منها للتخلص مما رأته «تهديداً» من هذا الصنف من السكان، واستمرت هذه العملية حتى اندلاع الثورة الإيرانية وقيام الحرب العراقية-الإيرانية التي أدت إلى التهجيرات المذكورة آنفاً.

أنهي هذا النظام القائم بالاحتلال الأميركي عام ٢٠٠٣، ولكن عوضاً عن تعديل الأخطاء السابقة وعدم تكرارها، تعاون المحتل الأميركي مع النخبة السياسية العراقية الجديدة بقلب الواقع ضد العرب السنة في العراق. فنظام الجنسية الجديدة بعد الاحتلال، أكد إعادة منح الجنسية لكل من سحبت منه وهُجر من دون وجه حق، لكنه أيضاً قرر سحب الجنسية عن كل العرب الذين جنَّسهم النظام العراقي منذ ١٩٧٥. 

إضافة إلى هذه الإجراءات، ونظراً لأن غالبية مقاومة الاحتلال الأميركي جاءت من الجهات العربية السنية في العراق، فإن النظام الجديد نشأ ليكون معادياً لهذا الصنف من المواطنين، واختُرعت أدوات سلطوية تسمح للدولة بإخضاعهم وتحويلهم لمواطني درجة ثانية، وأشهر هذه الإجراءات هي سياسة اجتثاث البعث وسياسة مقاومة الإرهاب. فهاتان السياستان عملتا على خلق بيئة تجعل من المساواة السياسية بين العراقيين أمــــراً مــــستحيلاً بشكل مؤسساتي.

إن هذا التاريخ الغريب لموضوع الجنسية في العراق يطرح نفسه درساً ناصعاً للأخطار المحدقة بتوظيف الاستبداد للجنسية، كوسيلة للقمع السياسي أو وسيلة لمواجهة التحديات الداخلية، إن الاستبداد في سعيه قصير المدى لحماية نفسه يسعى بشكل غير مباشر للتضحية بالدولة والأمة من ورائها.

* سلطان العامر كاتب سعودي.

المصدر | الحياة

  كلمات مفتاحية

العراق يتوقع إعداد ميزانية 2015 على سعر 80 دولارا لبرميل النفط