جدلية الديني والسياسي في السعودية.. ما الذي يخبرنا به التاريخ؟

الأحد 11 سبتمبر 2016 02:09 ص

منذ أن ارتفعت أسهم «الإرهاب العالمي» الذي يعمل باسم الإسلام إلى الصدارة، ظهرت عدد من الكتابات الأدبية التي ركزت على «أزمة الإسلام»، ما بين كتابات لمنظرين سياسيين بارزين مثل «برنارد لويس»، (الذي اكتسب سمعته بتوقعه التاريخ الذي ستقدم فيه إيران على إطلاق أول صاروخ نووي تجاه إسرائيل عام 2006). وجدليين أمثال «إرشاد منجي» و«أيان حرسي علي». والعديد منهم كان يكتب بالإنجليزية، ويوجه كتاباته للجمهور الأمريكي والأوروبي، وكانت مرجعيتهم دائمًا هي التاريخ الأوروبي. فـ«حرسي علي» مثلًا، كررت النداء بالحاجة إلى إصلاح إسلامي وإلى عملية تنوير، وهو ما عمل بشكل رائع مع الجمهور الذي لديه هذه الخلفية التاريخية. ولكنها، للأسف، قد تجاهلت حقيقة أن الإسلام لم يكن لديه أبدًا ذلك الحكم الثيوقراطي الذي يشبه ما حكمت به الإمبراطورية الرومانية المقدسة وما بعدها. وربما تكون المقارنة الوحيدة الصالحة في هذا الشأن مع حكم ولاية الفقيه الذي أنشاه الخميني، والذي يرفضه الغالبية العظمى من السنة والعديد من الشيعة، لأنه يخالف الإسلام.

هؤلاء الذين يتعمقون أكثر أصبحوا مغرمين بمصطلح «الوهابية»، والذي أصبح مستخدمًا بكثرة مؤخرًا. ويشير ذلك المصطلح إلى تعاليم الشيخ «محمد بن عبد الوهاب» في القرن الـ 18والتي مثلت منهجًا صارمًا من المذهب الحنبلي (المحافظ أصلًا). وفوق ذلك، تشير «الوهابية» إلى تأثير تصدير الحكومة السعودية لتعاليمها الدينية. وهناك ثروة من التسجيلات تظهر كيف استخدمت النخبة المحلية والسلطات الاستعمارية البريطانية مصطلح «وهابي» كاتهام للذين تمردوا على الوضع الاستعماري. ووفقا للعديد من الضباط البريطانيين، فإنّ الفكر الوهابي قد انتشر في انتفاضة 1857.

مع مرور الوقت، فضح المؤرخون زيف تلك الادّعاءات تجاه متدينين بسطاء رفعوا راية التمرد، بينما في الوقت نفسه أظهروا كيف أنّ التجربة الاستعمارية قد دفعت المجتمعات، من أفريقيا إلى شبه القارة الهندية إلى شرق آسيا، للعودة إلى جذورهم للعثور على ملاذ في عالم فقدوا فيه السيطرة السياسية. ومن «ثورة الملاكمين» إلى «بزوغ نجم المهدي في السودان»، زاوجت هذه الحركات الأصولية غالبًا بين الدين والسياسة. وحتى أن انتفاضة 1857 جاءت ومعها تيارات معادية بقوة للمسيحية، وهو ما أدى إلى اضطهاد وقتل الهنود الإنجليز، والهنود الذين اعتنقوا المسيحية خصوصا.

ورغم أنه لم يعد مقبولًا اعتبار جميع الحركات المقاومة للاستعمار مدفوعةً بأيدلوجية دينية في المقام الأول، إلى أنّ ذلك النمط لا زال مستمرًا عند النظر إلى أمثلة متنوعة من الحركات الإسلامية، وخاصة العنيفة منها، مثل طالبان وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ودائمًا ما كانت السعودية في الصورة. فالسعوديون انخرطوا في العديد من الحركات العسكرية الإسلامية، بدءًا من جهاد الأفغان ضد السوفييت، إلى هجمات 11 سبتمبر/ أيلول على نيويورك وواشنطن العاصمة. وهم متورطون تمامًا في الحرب الأهلية السورية، وهم قادة المعركة الثنائية السنية الشيعية طويلة الأمد بين دول الخليج وإيران. كما أن السعودية مشاركة بعمق في جهود مكافحة الإرهاب، لتلعب الدورين معا «مشعل الحرائق، ورجل الإطفاء».

العودة إلى التاريخ

وبسبب قلة المعرفة بالسياسة السعودية، فإن الأمر يطلب العودة للتاريخ وتفسير كيفية صنع القرار السعودي في تاريخ البلاد، ولاسيما الرابطة القوية بين رجال الدين والعائلة الملكية. وهذا ما يجعل كتاب «روبرت ليسي» تحت عنوان (المملكة من الداخل) جديرًا بالقراءة. تم نشر الكتاب في عام 2009، ويعدّ الكتاب الذي حمل عنوانًا فرعيا هو (الملوك - المؤسسة الدينية - الليبراليون والمتطرفون)، خلاصة 30 سنة من الخبرة بالمملكة. وهو استكمال للكتاب الأول الذي كتبه ليسي عام 1981 عن تاريخ المملكة الحديث، وكان قد عاش طويلًا في المملكة ذلك الوقت، وهو ما يصعب على غيره الوصول إليه. وتم ذكر الجميع في الكتاب بالاسم، بداية من كبار الأمراء بالمملكة، ومرورًا برجال الشرطة وقادة الشيعة والمنشقين والجهاديين السابقين. وفقط تم إخفاء هوية إمرأة تحدث عنها الكتاب تحكي صعوبات زواجها وعشيقتها الأنثى. ويعد هذا في حد ذاته إنجازًا.

وتأتي نقطة الانعطاف الرئيسية في قصة التاريخ الداخلي للسعودية، حين استولت مجموعة من الإسلاميين المتشددين على الكعبة، أقدس الرموز الإسلامية، بقيادة «جهيمان العتيبي»، في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1979. وعلى قدر فداحة الفعل كانت فداحة رد الفعل من العائلة المالكة وهو ما أدى إلى مشاكل لاحقة. ثم جاءت الأخبار السيئة للملك «خالد» بسقوط شاه إيران.

وكانت الكارثة حين تدخل رجال الدين للإفراج عن تلاميذهم «جهيمان» ومن معه، حيث أوضحوا أن السبب في الكارثة هي صور النساء في الصحف، ووافقهم الملك على ذلك. ثم استسلم الملك «خالد» وخلفه للسلطة الدينية، وسلم لهم التعليم، ليعلموا أبناء المملكة ما لا ينفعهم في العالم حولهم.

وبعد وقت قصير، بدأت الحرب بين الأفغان والسوفييت، صانعةً أبطالًا جدد، مثل «أسامة بن لادن»، الذي تلقى تعليما محافظا، وذهب ليدافع عن عقيدته. وتم الإشادة بهؤلاء الأبطال، كـ«رامبو» الإسلام. وكما عاد «جون رامبو» الخيالي إلى بلاده حيث لم يجد فيها مكانًا لنفسه، عاد المجاهدون والمعجبون بهم ليجدوا المملكة لم تعد مكانًا يرحب بهم. ثم اندلعت حرب الخليج الأولى واتجه السعوديون للولايات المتحدة طالبين المساعدة، وهو ما أساء المتشددين، فهم غير قادرين على تقييم واقع السياسة العالمية، لذا فهم لا يفهمون سبب اعتماد الأسرة المالكة على أمريكا من أجل المساعدة.

ولكن كان هناك وجه آخر للعملة، فالأمير «بندر بن سلطان» الذي عمل طويلًا سفيرًا للسعودية بالولايات المتحدة، قد عمل على التأثير في الرأي العام الأمريكي، بتشجيعه للطلاب لاستنهاض الهمم ورفع اللافتات والتظاهر. وبعد أن وجه كلامه للشباب رد أحدهم: «شكرًا لسموك ... ولكن كيف ينبغي علينا فعل ذلك؟ لم نتعلم أبدًا هذه الأشياء، وقد أُخبِرنا دائمًا أن من يتظاهر ليس سعوديًا. فكيف تتوقع منا فعل ذلك الآن؟». وفي نفس التوقيت كانت هناك مظاهرة احتجاجية في المملكة لأربعين سيدة بسياراتهن قررن الاحتجاج من أجل حقهن في القيادة.

وكما هو واضح، تم سجن هؤلاء النسوة.

ينتهي كتاب «ليسي» مع صعود الملك «عبد الله» للعرش، وهو الرجل الذي بدأ يسحب أخيرًا بعضًا من سلطة المؤسسة الدينية وخاصة في مجال التعليم. لكن الضرر كان قد وقع بالفعل، وفي الحقيقة كان رجال الدين لا يزالون يسيطرون تمامًا على القضاء. وبينما يمكن للملوك تجاوز الجهل والتعصب الأعمى والعقلية المنغلقة حول تفسير الشريعة الذي يتم حقنها داخل المجتمع، وهو ما تشهد به حادثة جلد امرأة في ميدان عام بعد أن اغتصبت (وهي قصة مروعة تأتي في نهاية الكتاب)، فإن كتاب (المملكة من الداخل) يؤرخ للتدمير الذي حل بالمجتمع السعودي نتيجة سيطرة رجال الدين على التعليم والقضاء، وهم ليسوا منفتحين بالضرورة على العالم الأوسع، في بلد خاضت حروبًا عديدة متنوعة.

وكأمر إضافي، يظهر الكتاب كيف أن التحالف التي كونته وقادته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية وخلال الحرب الباردة، في طريقه للتهاوي، في الوقت الذي تخطو فيه الصين وروسيا خطوة في الفراغ. يلقي الكتاب نظرة على سياسة دولة، حيث يملك الدين قوة سياسية، وليس مجرد أيدلوجية غير قابلة للتفسير، وبهذا يكون الكتاب مفيدًا للغاية لهؤلاء الذين يكافحون من أجل التعامل مع صعود الدين كقوة سياسية.

المصدر | ذا وير

  كلمات مفتاحية

السعودية آل سعود إيران الثورة الإيرانية الملك عبد الله جهيمان العتيبي

الدين والسياسة والمعيار المزدوج