استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

نوران حواس.. مأساة في يمنٍ بلا حيلة

الأحد 11 سبتمبر 2016 05:09 ص

مدركةً بلا شك مخاطر الحرب وتردّي الأوضاع الأمنية، جرّاء قيامها بمهمتها الإنسانية في اليمن، لم تتوقع نوران حواس، مسؤولة الحماية في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن الخطر على حياتها سيأتي من عصابة من اليمنيين الذين جاءت لمساعدتهم، عصابة أوغاد لا يكترثون بشيء سوى جني أكبر قدر من المال، حتى لو أدى ذلك إلى مضاعفة معاناة إخوانهم اليمنيين وأصدقائهم الذين اقتسموا معهم ويلات الحرب ومعاناتها. 

خلال العقدين الماضيين، نشطت في اليمن عمليات خطف الأجانب، وسيلة للربح المادي السريع من عصاباتٍ اتخذت من الاختطاف مهنةً ومصدراً للدخل، أو وسيلة للضغط السياسي، لجأ إليها أبناء القبائل، خصوصاً في مناطق شمال الشمال، لاتنزاع امتيازاتٍ اقتصاديةٍ من الدولة لمناطقهم النائية، أو للإفراج عن معتقليهم في سجون الدولة.

استفادت الأطراف التي تقوم بعمليات اختطاف الأجانب من استمرار الانفلات الأمني في اليمن، وخضوع الدولة لابتزازها، حيث لم تتخذ الدولة أي إجراءاتٍ للحدّ من تفشي هذه الظاهرة، ومعاقبة الجهات التي تقف وراءها، وغالباً ما تقوم بمعالجة المشكلة بتنفيذ مطالب الخاطفين والتواطؤ معهم أحياناً. 

اعتمدت الجماعات الدينية المسلحة، مثل تنظيم القاعدة، على خطف الأجانب مصدراً مالياً لتمويل عملياتها الانتحارية في اليمن، ما حدّ من وجود الأجانب في اليمن، وحوّلهم "رهائن" يتهدد حياتهم خطر حقيقي، خاضعين لمزاجية هذه الجماعات، وتوقيت إيصال الفدية، والجهات التي تدخل في عملية المساومة.

في إدارته عمليات خطف الأجانب، اتبع تنظيم القاعدة إجراءاتٍ قاسيةً تمعن في ارهاب الرهينة، وكذلك المتلقين، عبر إلباس الرهينة اللباس البرتقالي الذي يعني حكماً مسبقاً بالإعدام، واستخدام التقنيات الحديثة، كالفيديوهات والوسائط الاجتماعية، لإظهار معاناة الرهينة ورعبها، عبر مقطع فيديو مسرّب، يظهر ملثمين يلوحون بالأسلحة فوق رأس الرهينة المذعورة، إضافة إلى رسالة توسل تلقيها الرهينة مناشدة الأطراف المعنية والعالم بالعمل من أجل الإفراج عنها.

تؤدي هذه الرسائل البصرية المؤذية دوراً بالغ الأهمية، في التأثير على المتلقي، والضغط على الجهات المعنية بسرعة الاستجابة لمطالب الخاطفين. 

يرتبط مستقبل الرهائن المختطفين وحياتهم بسياقات التفاوض، حيث قد تنجح عملية التفاوض في إنقاذ الرهائن، بعد حصول الخاطفين على الفدية المطلوبة. وقد تنتهي بشكل مأساوي بالنسبة للرهائن، كما حدث في عملية تحرير الرهائن التي قامت بها القوات الأميركية، والتي أسفرت عن مقتل الصحفي الأميركي لوك سوماز، والمعلم الجنوب إفريقي بيار كوركي. 

تزايدت حوادث خطف الأجانب في اليمن بدرجة غير مسبوقة، خلال السنوات الأخيرة، لأسباب كثيرة في مقدمتها فشل السلطة الانتقالية في تثبيت دعائم الأمن، حيث شكل الانفلات الأمني مجالاً حيوياً لنشاط تنظيم القاعدة وكفاءته في إدارة عمليات خطف الرهائن، بشكل مباشر أو بمساعدة عناصر مقربة من التنظيم. 

في معظم حالات خطف الأجانب في اليمن، قبل الحرب وفي أثنائها، لم تتدخل السلطة اليمنية في عمليات التفاوض مع الخاطفين، فبسبب ضعف السلطة وتنازعها من كلٍ من سلطة الأمر الواقع في صنعاء والسلطة الشرعية المقيمة في السعودية، وفشل كل من السلطتين في إدارة شؤون اليمنيين، لا يعترف الخاطفون بقدرة السلطة على تنفيذ مطالبهم، وغالباً ما تلعب السفارات التي ينتمي لها المختطفون دوراً رئيسياً في عملية التفاوض.

من أمثلة ذلك الدور المؤثر الذي لعبته سلطنة عمان جهةً وسيطةً للدفع، وتأمين سلامة الرهائن. 

أغرى النجاح الذي حققه تنظيم القاعدة في عمليات اختطاف الأجانب في اليمن عصاباتٍ أخرى في تبني نهج التنظيم، إما باتخاذ التنظيم غطاءً لإقناع العالم بأن القاعدة هي من تقف خلف عملية الخطف، أو بالدخول في شراكةٍ مع القاعدة؛ حيث تنفذ هذه العصابات عمليات اختطاف الأجانب، في المدن اليمنية التي لا يستطيع التنظيم الدخول إليها، ثم تسلّم الرهائن إلى التنظيم، مقابل حصوله على نسبة من الفدية إذا تمت.

وفي حال فشلها، فإن التنظيم من يتحمل المسؤولية. نتيجة للسرية التي تصاحب عملية التفاوض في حوادث خطف الأجانب، وحرص الناجين من الرهائن على عدم الإفصاح بمعلوماتٍ حول هوية خاطفيهم، يصير من غير الممكن، بأي حال، التحقق من هوية الخاطف، وتحديد هوية الجهة المنفذة للعملية، وهل هو تنظيم القاعدة أم عصابات أخرى. 

اختطفت، في الأول من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، التونسية الفرنسية، نوران حواس، مع أحد اليمنيين العاملين في الصليب الأحمر، من شارع حدة في صنعاء التي لا يوجد فيها تنظيم القاعدة، وتم الإفراج عن الموظف اليمني في غضون ساعات، في حين احتفظ الخاطفون بنوران حواس رهينة أكثر من خمسة أشهر، من دون الإفصاح عن الجهة التي خطفتها أو إعلان مطالب الخاطفين. 

ظل مصير نوران حواس غامضاً وخاضعا للتكهنات، خصوصاً مع إشكالية قضيتها، فهي، من جهة، موظفة في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والتي تنتهج سياسة صارمة، سواء فيما يخص تأمين حياة عامليها في اليمن، أو فيما يخص موقفها من عمليات الاختطاف، إذ ترفض الاستجابة لابتزاز الجهة الخاطفة، وتنأى بنفسها عن الدخول في صفقاتٍ مع الخاطفين.

كما ساهمت جنسية نوران المزدوجة، فرنسية تونسية، في تعقيد إجراءات إطلاق سراحها، حيث لم تمارس فرنسا ضغطاً للإفراج عن نوران، كما فعلت سابقاً مع مواطنتها المختطفة إيزابيل أبرايم، حيث استطاع الفرنسيون، بوساطة سلطنة عمان، الإفراج عن أبرايم في فبراير/ شباط الماضي. وعلى الصعيد التونسي، قضية نوران مغيبة تماماً، وتكاد لا تذكر في الإعلام التونسي. 

سرّب، في 15 أغسطس/ آب 2016، خاطفو نوران حواس فيديو جديدا، ظهرت فيه شاحبة، مرتديةَ لباساً برتقالياً ووشاحاً أسود، وناشدت نوران الحكومة الفرنسية العمل من أجل الإفراج عنها، وحدّد الخاطفون مهلة 72 ساعة لإيصال الفدية، وإلا فسيكون القتل مصير نوران.

كان واضحاً من الفيديو حجم الفظاعة والانتهاك اللذين تعرضت لهما نوران، جرّاء تجريدها من حريتها وإخضاعها رهينة لتجربة نفسية قاسية، بينما لم يفصح عن الجهة المنفذة وهوية خاطفيها، رغم تصويره على طريقة تنظيم القاعدة، إذ لا يمكن الجزم بانتماء الخاطفين إلى تنظيم القاعدة، فالعادة لدى تنظيم القاعدة إعلانه، في بيان صريح، عن تبني عمليات الاختطاف منذ البداية، بينما لم يصدر عن التنظيم أي إعلان عن تبنيه عملية اختطاف نوران حواس. 

في دوامة الحرب في اليمن، لا تحظى قضية مفجعة، كاختطاف نوران، بتغطية إعلامية متناسبة مع حجم الجريمة، فبالنسبة لأطراف الحرب اليمنية الموغلة في قتل اليمنيين القضية حادثة عرضية.

أما بالنسبة لليمنيين الذين يعرفون نوران، كما يعرفون أوجاعهم ومعاناتهم، ويقدّرون إنسانيتها وجهودها المعروفة في جمع شملهم مع أقربائهم في سجون الحرب، فإنها إنسانة عظيمة، يخجلهم ما تعرضت له في بلادهم، وهي كذلك ابنةٌ حبيبة يصلون لعودتها سالمةً، وغفران قلة حيلتهم.

* بشرى المقطري كاتبة وناشطة يمنية

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

اليمن اختطاف نوران حواس مصارع نمساوي الحرب اليمنية الانفلات الأمني