المصالح فوق المبادئ: أسرار تأييد بريطانيا للانقلاب على «مرسي» ودعمها للحكم العسكري

الجمعة 16 سبتمبر 2016 06:09 ص

ضربت بريطانيا علاقة خاصة جديدة مع الحكام العسكريين في مصر، وهي علاقة عميقة بقدر يبعث على القلق. ونحن نقترب من الذكرى السنوية الـ60 للغزو البريطاني لمصر، المعروف في الأوساط الأكثر تهذيبا باسم «أزمة السويس»، فإن على البريطانيين أن يركزوا على علاقة حكومتهم مع هذا البلد الرئيسي في الشرق الأوسط.

منذ الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013، والذي أطاح بالرئيس «محمد مرسي»، أول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر، فقد عادت مصر بقيادة الجنرال «عبد الفتاح السيسي» لتصبح مرة أخرى نظاما قمعيا. التعذيب والوفيات في مراكز الاعتقال والاختفاء القسري، والقيود المفروضة على المجتمع المدني، وحبس الصحفيين والقيود المفروضة على حرية التعبير، أصبحت الآن أمورا شائعة. تم القبض عل قرابة 40 ألفا من المصريين من قبل النظام منذ يوليو/تموز 2013 وذلك استنادا إلى مشاركتهم في المظاهرات أو الأنشطة السياسية المعارضة. وقتل نحو ألف شخص خلال أعمال العنف في شهري يوليو/تموز، وأغسطس/آب 2013، عندما قام النظام الجديد بعمليات تطهير دموية بهدف فض اعتصامات الإخوان المسلمين في القاهرة.

ولكن بالنسبة إلى بريطانيا، فإن ما حدث مثل فرصة جديدة. في الشهر الماضي، تحدثت رئيسة الوزراء «تيريزا ماي» مع «السيسي» وناقشا فصلا جديدا في العلاقات الثنائية بين المملكة المتحدة ومصر، وفقا لبيان صحفي صادر عن الحكومة. لم يكن البيان عاديا بالنظر إلى أنه جاء بعد سلسلة من الاجتماعات غير العادية، والعديد من التبريرات البريطانية المتطرفة لطبيعة النظام المصري.

في أغسطس/آب عام 2015، قام وزير الدفاع البريطاني «مايكل فالون» بواحدة من زياراته العديدة إلى مصر وصرحت الحكومة أن «فالون» قام خلال زيارته بمناقشة «الدعم البريطاني للأمن والتقدم الاقتصادي والديمقراطية في مصر باعتبارها عناصر حيوية لاستعادة الاستقرار في المنطقة». هذه الكلمات تحمل دلالة رمزية مفهومة على كلا الجانبين: يعني تصريح الحكومة البريطانية أن السيد «فالون» ناقش الدعم البريطاني للحكومة الموالية للغرب (الأمن) والمصالح التجارية البريطانية (التقدم الاقتصادي)، والتسلط (الديمقراطية) كعناصر حيوية للحفاظ على القمع (الاستقرار) في المنطقة.

وفي الشهر التالي، سبتمبر/أيلول 2015، التقى «فالون» رئيس أركان الجيش المصري اللواء «محمود حجازي» في لندن حيث أفاد بيان الحكومة بالقول أنه: «مع تزايد عدم الاستقرار في المنطقة فقد صارت الحكومة البريطانية مهتمة أكثر من أي وقت مضى بتعزيز علاقاتها المتينة مع مصر».

في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، تعمقت العلاقات أكثر فأكثر. سمح للسيسي من قبل الحكومة بزيارة بريطانيا، وصرح رئيس الوزراء البريطاني آنذاك «ديفيد كاميرون» أنه «مسرور لاستقبال الرئيس السيسي في داونينغ ستريت»، وأن مصر كانت شريكا حيويا بالنسبة لنا على الصعيدين الاقتصادي والأمني. وأشار «السيسي» من جانبه إلى أن بريطانيا كانت دوما دولة صديقة لمصر. قدم «كاميرون» إشارة غامضة حول «الحاجة إلى تحقيق تقدم سياسي في مصر»، لكن بخلاف ذلك فإنه لم يقم بإحباط ضيفه بأي تعليقات حول ما يجري في بلاده.

في اليوم التالي للاجتماع بين الزعيمين، التقي «مايكل فالون» و«السيسي» لبحث التعاون العسكري، في حين وقع «فيليب هاموند» مذكرة تفاهم مع نظيره المصري «سامح شكري». كان هذا كان يعد تدشينا «لمرحلة جديدة في الشراكة المصرية البريطانية من أجل الاستقرار والإصلاح. وهي مرحلة تنطوي على حوار استراتيجي منتظم». وتقول الحكومة إن بريطانيا «تتمتع بشراكة أمنية كبيرة مع مصر وتجري مناقشات منتظمة مع الجيش المصري». ولا تزال الأسلحة البريطانية تتدفق على النظام المصري: في عام 2015 وافقت المملكة المتحدة على توريد معدات عسكرية بقيمة 84 مليون جنيه إسترليني إلى مصر، بما في ذلك البنادق والذخيرة. تقوم بريطانيا أيضا بتشكيل «فريق صغير للعمليات العسكرية» في مصر لتحسين جهود مكافحة الدولة الإسلامية في ليبيا.

لماذا تدعم بريطانيا «السيسي»؟

السبب الرئيسي للدعم البريطاني للنظام المصري هو أن حكمه القمعي خلق ظروفا مواتية لتعزيز الاستثمارات البريطانية. وكانت بريطانيا منذ فترة طويلة أكبر مستثمر في مصر، مع صفقات بقيمة تجاوزت 5 مليارات دولار، ولكنها كانت «جائعة لأكثر من ذلك»، وفقا للسفير البريطاني «جون كاسون». في يوليو/تموز عام 2016، زار المبعوث التجاري للمملكة المتحدة في مصر، النائب «جيفري دونالدسون»، ورئيس وحدة تمويل الصادرات «لويس تايلور»، القاهرة لمناقشة توسيع العلاقات التجارية والاستثمارية. وقال «دونالدسون» أن «الأشهر القليلة الماضية شهدت العديد من الاستفسارات من الشركات البريطانية الراغبة في القيام بأعمال تجارية في مصر وأن هذا الاهتمام يسلط الضوء على الفرص الكبيرة التي تتوفر عبر مجموعة من القطاعات التجارية المصرية». وأشار «تايلور» إلى أن منظمته يمكن أن تتيح تمويلا يقدر بمئات الملايين لمشروعات في مصر. هذا يعني أن دافعي الضرائب البريطانيين يقدمون الدعم لشركات بريطانية تستثمر في ظل نظام «السيسي».

جاءت هذه الزيارة عقب زيارة أخرى قام بها وفد تجاري إلى مصر برئاسة وزير الخارجية «فيليب هاموند» في مارس/أذار 2015، رافقه فيها مجموعة من كبار المستثمرين مثل بي.بي وفودافون، وباركليز ومجموعة بي جي. كانت الزيارة بمثابة جائزة كبرى للبريطانيين حيث تم توقيع على صفقة استثمارات ضخمة بقيمة 12 مليار دولار من قبل شركة بريتيش بتروليوم لمشروع النفط والغاز في غرب دلتا النيل. يعد هذا الاتفاق أحد أكبر الصفقات الاستثمارية في تاريخ مصر. في الوقت نفسه، التقى «هاموند» الرئيس «السيسي» لمناقشة مجموعة من القضايا، بما في ذلك الأمن الإقليمي والتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

مثلت حكومة مرسي والإخوان عقبة خطيرة أمام صفقة النفط والغاز. وكان كونسورتيوم تقوده شركة بي.بي دخل في مساومات بشأن شروط مشروع غرب النيل لسنوات. وكانت الشركة تسعى إلى ملكية كاملة للموارد ونسبة 100% من الأرباح. اعترضت حكومة «مرسي» بشكل واضح على شروط الشركة البريطانية. في الواقع، بحلول منتصف عام 2013، قبل أسابيع قليلة من الانقلاب، كانت حكومة «مرسي» تخوض محادثات مع الشركة البريطانية بشروط أفضل بكثير. تغير كل ذلك بعد استيلاء «السيسي» على السلطة. الاتفاق الجديد في ظل النظام العسكري الآن يقدم إلى بي بي شروطا سخية جدا. والأهم من ذلك، أنه انتقل بمصر بعيدا عن نموذج تقاسم الإنتاج المستخدم عادة بين الشركات والدول والذي يقسم الأرباح بنسبة 80:20 إلى خطة ضريبية تخصخص قطاع الغاز المصري وتنقل السيطرة والإشراف على المصادر الطبيعية إلى شركات القطاع الخاص.

تم التوقيع على هذه الصفقات في حين كانت الحكومة البريطانية تدرك فيه تماما أن القمع في مصر يزداد في كل عام تواصل فيه حكومة «السيسي» إحكام قبضتها على السلطة. شهد عام 2013 تدهور حالة حقوق الإنسان في مصر وفقا لما أكدته وزارة الخارجية في إبريل/نيسان 2014. وفي عام 2014، لوحظ أن حالة حقوق الإنسان في مصر ظلت فقيرة وشهدت المزيد من التدهور في بعض المجالات خاصة حرية التعبير والاجتماع. وفي الآونة الأخيرة، لاحظ تقرير حقوق الإنسان الصادر عن وزارة الخارجية هذا العام أن «عام 2015 شهدت زيادة التقارير حول حالات التعذيب الوحشية للشرطة وحالات الاختفاء القسري»، وأن «القيود المفروضة على حرية التعبير زادت بدورها».

وعلى الرغم من هذه المعرفة، ففي أغسطس/آب عام 2015، قدم «مايكل فالون» تبريرا مذهلا للقمع من خلال ما كتبه في أحد الصحف المصرية أن «المصريين رفضوا كلا من التطرف والاستبداد». وفي الوقت نفسه، يبدو أن رجلنا في القاهرة السفير البريطاني «جون كاسون»، أقنع نفسه أن المصريين الآن يبنون دولة أكثر ديمقراطية وازدهارا. نقلت وسائل الإعلام المصرية في يونيو/حزيران 2015 عن «كاسون» موافقته على «التدابير الأمنية المشددة» في مصر. الحكومة البريطانية لا تدعم الأنظمة القمعية فقط لأنها أنظمة قمعية، ولكن بالتحديد لأنها أنظمة قمعية، وموالية للغرب، وتوفر مناخا استثماريا جاذبا.

وقد اضطرت بريطانيا في بعض الأحيان إلى التماهي مع موجة الاحتجاج على عدم احترام حقوق الإنسان في مصر في عهد «السيسي» من خلال «الإعراب عن قلقها»،كما حدث حين قامت مصر بتمرير 183 حكما بالإعدام في عام 2014. ولكن لم يسمح لشيء من ذلك بزعزعة العلاقات التجارية والعسكرية. وأشارت بريطانيا إلى أن «السيسي» تم انتخابه للسلطة في مايو/أيار 2014 بنسبة 96% من الأصوات (وهي نسبة ربما كانت تذهل ستالين نفسه)، رغم أن تلك الانتخابات المزعومة لم ترق إلى الامتثال للمبادئ المنصوص عليها في المعايير الدولية للانتخابات الديمقراطية.

وبالمثل، فإن الصمت من جانب وسائل الإعلام البريطانية، وخاصة هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) على هذا المستوى من القمع هو أمر مذهل بحق. في حين أن الجميع يعرف عن الحملة الصينية على ساحة تيانانمين عام 1989 التي قتل فيها مئات من الناس، ترى كم من الناس يعرفون أن قوات الأمن المصرية قتلت 817 شخصا في ميدان رابعة العدوية في القاهرة في أغسطس/آب 2014؟ الفارق فقط هو أن أحد الجريمتين ارتكبت من قبل عدو رسمي والأخرى من قبل صديق رسمي. إذا كان وسائل الإعلام تلك تقوم بدورها، لم تكن الحكومة البريطانية لتصبح قادرة على مواصلة تقديم هذا الدعم الرديء للطغاة في جميع أنحاء العالم.

المصدر | مارك كيرتس - هافينغتون بوست

  كلمات مفتاحية

بريطانيا السيسي محمد مرس ديفيد كاميرون بي بي مشروعات نفطية