«ذي إيكونومست»: من النفط إلى الكدح.. معضلة التوظيف في أسواق العمل الخليجية

الأحد 18 سبتمبر 2016 11:09 ص

إجبار القطاع الخاص على توظيف السكان المحليين هو أمر صعب، ومضلل.

في مركز المدينة وفي أكبر مركز تسوق في البحرين، حيث معظم العاملين هناك هم من الأجانب، تخفض «ميشيل» من الفلبين صوتها لشرح لماذا هناك عدد قليل جدا من البحرينيين يعملون جنبا إلى جنب مع الأجانب قائلة: «إنهم كسالى»، كما تقول إنها تحتاج إلى العمل الجاد للحفاظ على الوظيفة والتأشيرة.

وكجزء من خطة حكومية لزيادة فرص العمل للسكان الأصليين، تم إعطاء أصحاب العمل في البحرين نسبا للسكان المحليين الذين يجب توظيفهم. وتختلف النسب حسب القطاعات، ففي قطاعات الصيانة والبناء تصل النسبة إلى 5% أما في القطاعات الأكثر هيبة، مثل الخدمات المصرفية أو المالية، فإن النسبة هي أعلى من 50% للشركات الكبيرة وحوالي 30% لمحلات الملابس الصغيرة. وتشير «ميشيل» إلى وضع المتجر الذي تعمل فيه، والذي يعمل فيه بعض الموظفين البحرينيين، بالقول إنهم لا يريدون حتى الوقوف عندما يأتي الزبائن، وقالت إنهم يعلمون أنهم موجودون لإرضاء الحكومة وأنه لن يتم طردهم من العمل.

وفي الوقت نفسه، وفي غرفة آلات عد النقود في البنك المركزي البحريني، فإن جميع الموظفين من المواطنين المحليين، في زيهم الوطني الأبيض الطويل. كما أن نصف المواطنين البحرينيين يعملون في وظائف عمل للحكومة. وهذا النموذج من حشو القطاع العام وشركات القطاع الخاص بالمواطنين في وظائف غير حقيقية، هو أمر شائع في جميع الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي (GCC) في البحرين، الكويت، عمان، قطر، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

في المملكة العربية السعودية، جارة البحرين الكبيرة، فإن حوالي ثلثي المواطنين العاملين يعملون في وظائف القطاع العام عام 2015، ووفقا لشركة جادوين الاستثمارية، وهي شركة سعودية للأبحاث. وفي حين أن الأسواق الناشئة والبلدان النامية الأخرى خصصت حوالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي لأجور القطاع العام، فإن تقرير من صندوق النقد الدولي، وجد أنه في دول مجلس التعاون الخليجي (إضافة للجزائر) في عام 2015، فقد وصلت النسبة إلى 12%.

لكن تراجع أسعار النفط منذ منتصف عام 2014 خفض عائدات دول الخليج بما لا يقل عن 10% من الناتج المحلي الإجمالي، وازداد العجز مما جعل فرص استمرار النموذج القديم أقل استدامة مما كانت عليه من قبل. ومع إضافة 3.8 مليون من الشباب يتوقع أن يدخلوا إلى أسواق العمل من الآن وحتى 2021، فإن الضغط لإيجاد المزيد من فرص العمل في القطاع الخاص للمواطنين سوف يكون كبيرا للغاية.

لكن بعض البلدان أقل قلقا من غيرها. في قطر والإمارات، فإن المواطنين غير قلقين على أساس أن عددهم ربما لا يكفي لملء المراكز الحكومية. في سلطنة عمان والبحرين، فإن الوضع أقل راحة، على الرغم من أن البطالة بين البحرينيين لا تزال منخفضة نسبيا. لكن الأمر على المحك في المملكة العربية السعودية، حيث يبلغ معدل البطالة بالفعل 11.6%، أما بالنسبة للمرأة السعودية، فإن نسبة المشاركة كئيبة حيث تبلغ 18%.

طغيان التوقعات العالية

المشكلة هي أن الشباب العرب الخليجي يتوقع الحصول على موقع في الوظائف الحكومية حيث الشروط السخية والواجبات الخفيفة، أو حيث توجد بعض الحوافز الدافعة إلى الاستثمار في المهارات التي يحتاجها القطاع الخاص، مثل الهندسة. ولكن قليل من السعوديين ينتظر العمل في المحلات التجارية أو المطاعم، ناهيك عن مواقع البناء.

المشكلة الأخرى الأعمق هي ضعف الطلب من القطاع الخاص على مواطني دول الخليج. حيث إن إغراءات القطاع العام تجعل تكلفة توظيفهم في القطاع الخاص باهظة الثمن، مقارنة بتكلفة العمال الأجانب. إن حل أي مشكلة يعني ترقيع العقد الاجتماعي الهش بين الأنظمة القمعية والسكان الذين يتسامحون معهم طالما وضعوا لهم الطعام على المائدة.

تحاول بعض الحكومات، تحت الضغط، إجبار شركات القطاع الخاص على توظيف السكان المحليين. وقد أعدت عمان قائمتها من الوظائف التي لا يجوز للأجانب الحصول على تأشيرات لها. وهي تشمل الآن التسويق، والنظافة وحراسة الإبل، وتعتزم السعودية شطب الأجانب من مجالات الموارد البشرية والاتصالات.

في ديسمبر/ كانون الأول، سوف تفرض الحكومة السعودية نظام عقوبات قاسية على الشركات التي توظف عدد من النساء، ومن السعوديين في المناصب العليا، أقل مما تريده الحكومة.

هذه الحصص هي أمثلة نموذجية لرسم السياسات الاقتصادية السيئة. وقد تبين أنها موجودة في دول مجلس التعاون الخليجي منذ بضعة عقود وحتى الآن. إنها تفسد أخلاقيات العمل. يقول أحد أصحاب المطاعم: الموظف البحريني يأخذ عطلة كلما أراد، و يطالب بتعويضات إضافية. وقال أنه سيفكر مرتين قبل التعاقد مع عامل بحريني. أرباب العمل لا يحبون توظيف الناس لأسباب غير القدرة والاستعداد للقيام بهذه المهمة. وحتى أن البعض منهم سيقوم بالغش: على سبيل المثال، عن طريق إضافة رواتب وهمية للمواطنين.

تزعم بعض الشركات أنها لا ترى أي مشكلة في الحصص. مثل «جمال فخرو»، الشريك الإداري لشركة KPMG في البحرين، الذي يفتخر أن 60% من الموظفين هم من مواطني البحرين وذلك في القطاع المصرفي وهذا الرقم هو أكثر بـ70% مما تطلبه الحكومة.

يقول «ستيفن هيرتوج» من كلية لندن للاقتصاد إن الحصص تخلق حافزا لإعطاء المواطنين وظائف منخفضة الأجر (التي لن يكلف البعض نفسه عناء القيام بها).

أجرت شركة «غلف تالنت» مسحا في عام 2014، ذكر فيه 95% من أرباب العمل في عمان يرون أن نظام الحصص يعد تحديا حقيقيا، كما اتفق معهم 84% في المملكة العربية السعودية و55% في البحرين.

ثمة طريقة لجعل السكان المحليين أكثر جاذبية لأصحاب العمل وهو أن يكون هناك حد من الفجوة في الأجور بينهم وبين الأجانب. قدمت إعانات الأجور للمواطنين في الماضي، ولكن المال صار شحيحا الآن. وقد أعلنت الحكومة السعودية مؤخرا زيادة كبيرة في رسوم التأشيرات على العمال الأجانب، و هذا العام سمح لأصحاب العمل في البحرين بتجاهل حصص العمل إذا تم دفع رسوم للوزارة عن كل عامل أجنبي يجلبونه.

 يقول «أسامة بن عبد الله العبسي»، رئيس هيئة تنظيم سوق العمل أن فجوة التكلفة بين السكان المحليين والبحرينيين (وهي حوالي 15%) منخفضة جدا وأعرب عن أمله في زيادة أصحاب العمل تدريجيا للمواطنين والدفع بعيدا عن نموذج استيراد كميات هائلة من العمالة ذات المهارات المتدنية وجعلها في القطاعات ذات الإنتاجية المنخفضة. رؤية «السيد العبسي»، من المرجح أن تعيد التوازن إلى اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بعيدا عن الحصص الحادة، ولكنها تتطلب وقتا. ويرى البعض انخفاض أسعار النفط باعتباره نعمة، وهو وسيلة إجبار على التغيير. ولكن بعد عقود من العيش على الرعاية الاجتماعية النفطية، فإن التغيير قد يكون بمثابة صدمة للكثيرين.

  كلمات مفتاحية

البطالة أسواق العمل العمالة الأجنبية التوظيف الخليج العمالة الوافدة

دبي والدوحة وأبوظبي على رأس قائمة الأكثر جذبا للموظفين حول العالم