«فورين بوليسي»: (إسرائيل) تعلن الحرب على المنظمات غير الحكومية في غزة

السبت 24 سبتمبر 2016 02:09 ص

تمهد الحملة الجارية حاليا ضد المنظمات الدولية الطريق للمواجهة المسلحة القادمة مع حماس.

منذ نهاية حرب غزة عام 2014، أكد كبار الجنرالات والسياسيين الإسرائيليين ضرورة تعزيز اقتصاد غزة، وتخفيف الحصار المستمر منذ مدة تسع سنوات على قطاع غزة. على الرغم من ذلك بدأت (إسرائيل) بهدوء تفعل العكس هذا الصيف. في وقت يخشى فيه العديد من عمال الإغاثة الذين يساعدون في الحفاظ على وضع غزة من حرب أخرى تلوح في الأفق.

تقع عشرات من المنظمات غير الحكومية التي تعمل في غزة تحت رقابة وثيقة منذ 4 أغسطس/آب، عندما اتهمت (إسرائيل) منظمة الرؤية العالمية، وهي منظمة إنسانية مسيحية مقرها الولايات المتحدة، بتحويل أموال المساعدات لحماس، التي تسيطر على قطاع غزة منذ عام 2007.

الاتهامات المثيرة

اعتقل «محمد الحلبي» مدير مكتب الرؤية العالمية في غزة، بتهمة تحويل ما يصل إلى 50 مليون دولار على مدى سبع سنوات. وادعى «شين بيت»، جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، أن هذه الأموال كانت تستخدم لحفر الأنفاق والهجوم عبر الحدود وبناء القواعد. وادعى أن الطرود الغذائية المخصصة للأسر المحتاجة، وحتى أكياس مواد التجميل، قد تم تحويلها لحماس.

وعبر العديد من عمال الإغاثة عن شكوك خطيرة حول التهم الموجهة نحو «الحلبي»، الذي اتهم باختلاس أكثر من ضعف ميزانية الرؤية العالمية بأكملها. فهم يرون أن هذه تمثل حالة من التحول في السياسة الأوسع لـ(إسرائيل) التي تهدف إلى خنق العمل الإنساني والحياة الاقتصادية في غزة.

وتهدد القيود الجديدة على المنظمات غير الحكومية اقتصاد غزة الهش أصلا وترفع احتمالات فرض جولة رابعة من الصراع بين (إسرائيل) وحماس. لقد تم إلغاء تصاريح السفر لعمال الإغاثة ولمواطنين عاديين في غزة لأسباب أمنية غامضة، وتتردد البنوك الإسرائيلية على نحو متزايد في نقل رواتب للعاملين في غزة، وهو دور كانت تقوم به لسنوات.

وقال مسؤول في العمل الإنساني: «ربما هذا هو بيت القصيد، أي غرس الكثير من الخوف بين سكان قطاع غزة». وأضاف: «لكني أعتقد أن ما تغفله السلطات الإسرائيلية هو أن الخوف يمكن أن يتحول بسرعة إلى أعمال عنف. وأنا لا أعتقد أنه من مصلحتهم أن يكون صراع آخر في الوقت الراهن».

حماس ليست فوق الشبهات في حالة الرؤية العالمية. ولديها تاريخ موثق جيدا لتحويل مواد البناء من المشاريع المدنية لبناء المخابئ والأنفاق، وغيرها من المنشآت العسكرية. فخلال الحرب الأخيرة، زعم أنها أخفت صواريخ في مدارس الأمم المتحدة. كما أنها أصبحت أكثر عداء للأجانب أيضا: حيث منعت صحفيا أمريكاي على الأقل من دخول غزة في شهر مايو/أيار الماضي، وبدأ «مكتب الأمن العام» الجديد على الحدود في عمليات استجواب مطولة لصحفيين آخرين.

ومع ذلك، يقول مسؤولون في منظمة الرؤية العالمية، إنهم لم يتلقوا معلومات وافية حول الأدلة ضد «الحلبي». الذي استدعي يوم 30 أغسطس/ آب، في جلسة مغلقة أمام الجمهور، وسوف تعقد الدورات المقبلة بدرجة مماثلة من السرية. وتقول محامية «الحلبي»، «وليا تسيمل»، أنه لن يسمح لها حتى بمراجعة جميع الأدلة.

اتهم بيان (إسرائيل) الأول عن القضية، الذي نقل إلى الصحفيين والدبلوماسيين الأجانب، «الحلبي» بتحويل ما يقرب من 7.2 مليون دولار سنويا منذ أن بدأ العمل مع منظمة الرؤية العالمية في عام 2010، ليصل المبلغ إلى 50 مليون دولار. لقد ظهرت هذه الأرقام على نطاق واسع في التغطية الصحفية لهذه الاتهامات. وقال «شين بيت» إن المبلغ يمثل 60% من الميزانية السنوية للرؤية العالمية لغزة.

لا يظهر هذا الادعاء في لائحة الاتهام الرسمية، ومع ذلك، جادل العاملون في الرؤية العالمية أن ذلك من المستحيل حسابيا. بلغت ميزانية الجمعية الخيرية فقط 22.5 مليون دولار في قطاع غزة على مدى العقد الماضي، وهي أقل من نصف المبلغ الذي زعم أن «الحلبي» قد أخذه. يرتبط جزء كبير من هذه الأموال بالفعل بالتكاليف الثابتة مثل الرواتب والسيارات، والإيجارات.

سياسات محاسبية متناقضة

يتطلب أي عقد قيمته أكثر من 15 ألف دولار على سبيل المثال، موافقة من المكتب الرئيسي في القدس. وكانت الرؤية العالمية «وورلد فيجن» تحقق بالفعل مع «الحلبي» في عام 2015، بعد أن اتهمه أحد المحاسبين بسرقة المال والعمل مع حماس. وقامت الجمعية الخيرية بجلب محقق خارجي لمراجعة دفاتره. ولم يصل التدقيق إلى أي شيء مشبوه.

ولكن حتى قبل اتهام «الحلبي»، قالت منظمات غير حكومية أخرى إنهم يشعرون بضغط كبير من السلطات الإسرائيلية. تحدثت «فورين بوليسي» مع عشرات من كبار الموظفين من المنظمات غير الحكومية وهيئات الأمم المتحدة ، ومعظمهم كانوا مترددين في التحدث خشية أن يسبب الحديث المزيد من المشاكل. وقال ثلاثة أرباعهم أن العمل في قطاع غزة. أصبح في الآونة الأخيرة أكثر صعوبة.

وقال مدير جمعية خيرية أن 30 إلى 40 % من موظفيها الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية، والقدس الشرقية يجري رفض تصاريح سفرهم. «هؤلاء حصلوا على تصاريح بانتظام، في الآونة الأخيرة من العام الماضي».

الأمم المتحدة، هي واحدة من المنظمات الدولية التي تعمل في قطاع غزة. ومع ذلك، فإنها تواجه تحديات متزايدة بسبب القيود الإسرائيلية. في عام 2015 وأوائل عام 2016، حرم حوالي 3% من موظفي الأمم المتحدة من التصاريح. وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، ارتفع هذا العدد إلى ما يقرب من 30%، أي بزيادة عشرة أضعاف. ورفضت تصاريح ما لا يقل عن ثمانية من العاملين من الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الأجنبية على الحدود «لأسباب أمنية» غير واضحة هذا العام، وهو الأمر الذي حدث مرتين فقط في كل من عام 2015، وفقا لإحصاءات الأمم المتحدة.

الفلسطينيون العاديون، وخاصة التجار الذين هم بمثابة شريان الحياة لقطاع غزة، أيضا تأثروا من هذا التحول. فبعد حرب عام 2014، قرر الجيش الإسرائيلي فرض زيادة حادة في عدد تصاريح السفر التي تصرف لرجال الأعمال، على أمل أن يعطي دفعة للاقتصاد المحلي. في صيف عام 2015، سافر أكثر من 10 آلاف من التجار عبر معبر إيريز إلى (إسرائيل) كل شهر، أي بزيادة قدرها خمسة أضعاف مقارنة بالمعدل قبل الحرب.

في يونيو/حزيران، وعلى الرغم من ذلك، أخذت الأرقام في الانخفاض بشكل مفاجئ. وكانت الأرقام في يونيو/حزيران ويوليو/تموز منخفضة بنسب 33% و45% على التوالي مقارنة بنفس الفترة خلال العام الماضي.

بعض رجال الأعمال قد تمت الموافقة بالفعل على سفرهم قبل إلغاء ذلك. عاد العشرات من التجار من إيريز في الأشهر الأخيرة، بعد أن تم التعليق فجأة على أسمائهم في الكشوف الأمنية.

مخاوف من حرب جديدة

يقدم أحدث تقرير للبنك الدولي عن الاقتصاد الفلسطيني نافذة على الوضع الاقتصادي المتردي في غزة. حيث يعيش نحو 40% من السكان تحت خط الفقر، وتقريبا نفس النسبة المئوية من سكان غزة عاطلون عن العمل. ومعدل البطالة بين الشباب، يبلغ 58%.

وقد وعد المانحون من دول الخليج بمبالغ كبيرة لإعادة بناء القطاع ولكن لم يتم التنفيذ.

تعهدت قطر بحوالي مليار دولار ولكن لم يصل منها سوى 19% فقط. وعرضت ثلاث دول خليجية أخرى مجتمعة 900 مليون دولار، ولكن وصل منها 171 مليون دولار فقط. وقد ساهمت النرويج بالمزيد من المال في هذه المرحلة أكثر من السعودية. الولايات المتحدة، على النقيض من ذلك، قد أوفت بتعهدها وهو 277 مليون دولار.

وقال اللواء «هرتزل هاليفي»، رئيس الاستخبارات الجيش الإسرائيلي، للكنيست في فبراير/شباط أن التنمية الاقتصادية في قطاع غزة من شأنها أن تكون «أهم عامل كبح» يمنع الحرب الرابعة. وقد ترددت تصريحاته عبر الطيف السياسي ليس فقط من اليسار ولكن أيضا من الأصوات اليمينية المتشددة. وقال وزير التعليم «نفتالي بينيت»، رئيس حزب البيت اليهودي المدعوم من المستوطنين في العام الماضي أنه «حان الوقت لتغيير السياسة» في غزة قبل التوصل إلى اتفاق مع حماس لإعادة بناء قطاع غزة. وقد حاول وزير النقل «يسرائيل كاتس» دفع خطط إنشاء ميناء غزة البحري.

هناك استثناء واحد جدير بالذكر حول هذا الإجماع هو «أفيغدور ليبرمان»، عضو مجلس الأمن القومي الذي أصبح وزيرا للدفاع في مايو/أيار الماضي. «ليبرمان»، الذي شغل منصب وزير الخارجية في حكومة «نتنياهو» السابقة، كان واحدا من الأصوات الأكثر عدائية أثناء الحرب السابقة، داعيا مرارا للهجوم البري لإسقاط حكومة حماس.

وفي حدث ثقافي في شهر مايو، أطلق «ليبرمان» وعيدا شديد اللهجة أنه إذا عين وزيرا للدفاع، فإنه «يعطي حماس 48 ساعة لإعادة جثث جنديين إسرائيليين خطفوا أثناء الحرب، أو سيقوم باغتيال رئيس المكتب السياسي في غزة، إسماعيل هنية». وكان من أول أفعاله عند دخول وزارة الدفاع أن طلب من جنرالاته وضع خطة لهزيمة حماس.

وفي 22 أغسطس/آب، بعد أن أطلقت مجموعة مسلحة صغيرة في غزة صاروخا على (إسرائيل)، قامت القوات الجوية بشن 50 غارة جوية على غزة، هي الأثقل منذ نهاية حرب 2014. وقال «ليبرمان» في مؤتمر صحفي في اليوم التالي، أنه يجب على (إسرائيل) السماح فقط بإعادة الإعمار إذا تخلت الحركة الإسلامية عن سلاحها.

ويخشى الكثيرون من عمال الإغاثة من هذه الصيغة التي تعني أن حربا أخرى تلوح في الأفق.

المصدر | فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

قطاع غزة إعادة الإعمار (إسرائيل) منظمات غير حكومية