استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

في شعبوية السياسة الأمريكية الراهنة.. قانون "جاستا" مثالا

الأحد 25 سبتمبر 2016 04:09 ص

لا تمثل مصادقة الكونغرس الأمريكي مؤخرًا على تشريع "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب"، المعروف اختصارًا باسم "جاستا"، صحوة ضميرٍ لدى المشرعين الأمريكان، بقدر كونها مؤشرًا على طبيعة السياسة في أمريكا المعاصرة، وطُغيان الروح "الشعبوية" عليها، تحديدًا.

قد لا يعرف الكثيرون أن موضوع القانون مطروحٌ في ساحتي القضاء والسياسة في أمريكا منذ عام 2002. ففي تلك السنة، رفع محامو بعض عائلات ضحايا أحداث سبتمبر دعوى على بعض دول الخليج، مع جملةٍ من المؤسسات والشخصيات، تطالب بتعويضات تقارب 100 تريليون دولار!

كانت هذه القضية تتموضعُ دائمًا في موقعٍ ما بين الهزل والجهل، كما هو الحال في تعاملِ أمريكا مع كثيرٍ من القضايا، خاصةً حين يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين.

ففي تلك الأيام، لم يكن مَن رفع الدعوى يعرف، مثلًا، أن إجمالي حجم الناتج القومي العربي السنوي كان يتجاوز بالكاد نصف تريليون دولار، الأمر الذي يعني أن قبول الدعوى يتطلب رهن الدخل القومي للعرب بأكمله لأكثر من قرنين. وهذا جنونٌ لا يقبل التفكير به عاقل، وواضحٌ أنه مبنيٌ على أوهام يتخيل أصحابها أن العرب، أشخاصًا وحكومات، يمتلكون عشرات وربما مئات التريليونات من الدولارات.

من هنا، كان القضاء الأمريكي يردُّ الدعوى مرةً إثر أخرى خلال السنوات السابقة، وكان آخرُها في مثل هذه الأيام من العام الماضي حين ردَّها القاضي جورج دانييلز في مانهاتن بمدينة نيويورك. وهو الذي سبقَ له أن ردّها مرتين، إضافةً لغيره من القضاة.

المفارقة أن الساسة الأمريكان أيضًا، حتى في أيام الرئيس السابق جورج بوش الابن وإدارته اليمينية المُتطرفة، كانوا يُعرِضون عن التفاعل مع القضية في فرعي الحكومة، التنفيذي والتشريعي، بناءً على حدٍ أدنى من المنطق، وعلى معرفةٍ بقوانين أمريكية تتعلق بهذا الموضوع.

ما الذي استجدَّ إذًا حتى يُقرَّ الكونغرس الأمريكي الآن مشروعًا كان أكثرُ ساسة أمريكا يمينيةً وتطرفًا يرفضون مجرد النظر فيه؟ يمكن اختصار الإجابة على السؤال بالإحالة إلى كون شخصٍ مثل دونالد ترامب مرشحَ الحزب الجمهوري لمنصب رئاسة أقوى بلدٍ في العالم. وقد نتفهمُ الآن بشكلٍ أكبر سبب مقاطعة الرئيسين بوش، الأب والابن، إضافةً إلى كبار رموز الحزب الجمهوري المحافظين، المؤتمر العام للحزب منذ بضعة أسابيع، والذي رشّحَ رسميًا ترامب لمقعد الرئاسة.

فالرجلُ يُعبّرُ عن أقصى درجةٍ من الشعبوية والاهتراء والهزل السياسي وصلت إليها أمريكا في تاريخها المعاصر. وباعتبار حقيقة أن ثمة ملايين الأمريكان أوصلوا الرجل إلى هذا الموقع بالانتخاب، فإن الغالبية العظمى من الساسة، الجمهوريين والديمقراطيين على حدٍ سواء، ينتظرون الفرصة للمزاودة عليه في ممارسة الشعبوية السياسية. وليس أسهلَ من تحقيق هذا الهدف حين يكون الأمر متعلقًا بالعرب والمسلمين.

بهذه الرؤية، لا يعود ممكنًا النظر إلى صدور التشريع على أنه استهدافٌ مُحددٌ للسعودية أو غيرها من دول الخليج، بقدرِ كونه تعبيرًا صارخًا عن ابتذال الساحة السياسية الأمريكية راهنًا، وعن تجليات ذلك الابتذال، التي سيراها، ويُعاني منها، العالم بأسره.

ورغم احتمال فوز المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، بالرئاسة، بما قد يجعل السياسة الخارجية الأمريكية أكثر واقعيةً وعقلانية، إلا أن موجة "الشعبوية" المتصاعدة في أمريكا، وأوروبا أيضًا، ستبقى مصدر تهديدٍ كبير للسلام والاستقرار الدوليين. وسيبقى هذا تحديًا كبيرًا يواجه دولًا كثيرة في العالم خلال الفترة القادمة، لكنه سيكون تحديًا من نوعٍ خاص لدول الخليج تحديدًا.

الأرجح أن الرئيس أوباما سيمنع تنفيذ القرار عبر فيتو رئاسي يحق له وفق الدستور الأمريكي. لكن الأمر لن ينتهي في حال فوز ترامب، لأن روح الشعبوية ستتصاعد، وسيُمكن وقتها جمعُ أصوات أكثر من ثلثي أعضاء الكونجرس لكسر الفيتو الرئاسي. وفي حال حصول ذلك، فإن ملف العلاقات الدولية يجب أن يُفتح على مصراعيه، من قِبل دول الخليج تحديدًا، وبحيث تكون جميع الخيارات موضوعةً على طاولة القرار.

وللتوضيح، قد تصبح هذه القضية مفصلًا بارزًا من مفاصل العلاقات الدولية في التاريخ المعاصر، إلى درجةٍ تفرض على أصحاب الشأن أخذها بمنتهى الجدية، ليس من باب الغرق في دوائر الخوف والقلق، وإنما من باب بذل الجهد المطلوب للتعامل معها بكل ما في الوسع من طاقةٍ وإمكانات.

إن مصلحة أمريكا كدولة وكحضارة، ومصلحة العرب والمسلمين، ومصلحة البشرية جمعاء، تلتقي عند نقطة محاصرة مثل هذه الممارسات التي تنتج عن السياسات الشعبوية. وهذا أمرٌ من الممكن جدًا تحقيقه، وبشكلٍ يؤدي إلى صياغة رأي عام وبلورة قرار سياسي يمكن أن يُعَقلنَ الموضوع بشكل هادىء وفعال، ومن خلال آليات وميكانيزمات باتت قنواتها ومداخلها معروفة لأصحاب الشأن.

إن مثل هذه الممارسات تنبني على كثيرٍ من الجهل بالحقائق والجهل بالتبعات. وقد يتمثل الهدف الأكثر واقعيةً من القضية في ممارسة الضغط النفسي والعملي على المُدّعى عليهم، لكن الخطورة في الأمر أن من مرر القانون لا يُدرك، فيما يبدو، وقعه الحسّاس على مئات الملايين من العرب والمسلمين، ولا يفهم إطلاقًا طبيعة الرسائل الثقافية والسياسية الخطيرة التي تحملها تلك الدعوى لتلك الملايين، والتي يمكن أن تؤدي إلى ردود فعلٍ كارثية لا يمكن ضبطها على الإطلاق.

* د. وائل مرزا كاتب وأكاديمي سوري.

  كلمات مفتاحية

السعودية أمريكا الكونغرس الأمريكي جاستا 11 سبتمبر دول الخليج العلاقات السعودية الأمريكية