«ناشيونال إنترست»: الاقتصاد المصري في ورطة كبيرة والنظام يعول على خطة إنقاذ دولية

الخميس 29 سبتمبر 2016 08:09 ص

قبل ثلاث سنوات، نزل المصريون إلى الشوارع بأعداد كبيرة للتنفيس عن إحباطهم من حكومة الرئيس «محمد مرسي» وكان مصدر سخطهم هو الركود الاقتصادي إضافة إلى دوافع أيديولوجية مضادة لحكومة «مرسي» التي يهيمن عليها الإخوان المسلمون. وكانت النتيجة ليست أقل من ثورة مضادة، حيث تم عزل «مرسي» بانقلاب عسكري من قبل وزير الدفاع، الجنرال «عبد الفتاح السيسي».

ولكن الآن، فإن الحكومة ما بعد الإسلامية في مصر تواجه وضعا مماثلا، و تعاني من تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع السخط بين الشباب في البلاد بما يعني أن النظام المصري، الذي يرأسه «السيسي» حاليا، يقف بالتأكيد في مواجهة عواقب وخيمة محتملة لهذا البلد، والمنطقة ككل.

في الواقع، تبدأ مشاكل مصر مع الاقتصاد المتداعي في البلاد. وتظهر إحصاءات جمعتها مؤخرا وكالة «بلومبيرغ» مدى عمق هذه المشاكل.

السياحة، التي تمثل شريان الحياة للاقتصاد المصري، لا تزال باهتة، ولم ترق إلى المستوى الذي كانت عليه في عهد الرئيس السابق «حسني مبارك» (1981-2011)، ولا تزال أقل حتى من مستوياتها في عهد «مرسي».

هناك أسباب عديدة لذلك، من بينها تزايد عدم الاستقرار في شبه جزيرة سيناء وإسقاط طائرة روسية في المجال الجوي المصري من قبل مجموعة إرهابية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ووفقا لصحيفة الأهرام المصرية، فقد انخفضت السياحة بشكل عام بنسبة 15% في عام 2015، آخذة معها أكثر من مليار دولار من الإيرادات الحكومية التي تبقى البلاد في حاجة ماسة إليها.

وفي الوقت نفسه، فإن الحياة بالنسبة للمصريين العاديين أصبحت بشكل مطرد أكثر تكلفة، حيث تضاعف معدل التضخم الوطني تقريبا منذ الخريف الماضي، ويقدر حاليا بنسبة 15.5%. وارتفعت أسعار السلع الأساسية مثل المواد الغذائية والمشروبات بنسبة الثلث أو أكثر خلال تلك الفترة مما أدى إلى القيام بجهد حكومي لدعم بعض السلع الأساسية (مثل السكر والأرز واللحوم).

هذا بدوره أدى إلى تسارع استنزاف احتياطيات العملة المتضائلة أصلا في البلاد. فقد بلغ متوسط الاحتياطيات الرسمية بين منتصف عام 2007 ونهاية عام 2010، ما يقرب من 33 مليار دولار. اليوم، يبلغ هذا الرقم أقل من النصف حيث بلغ 15.6 مليار دولار في يوليو/تموز هذا العام. هذا المسار واضح ببساطة، ويشير أن حكومة مصر تأكل نفسها من أجل البقاء.

 تفاقمت هذه الظروف الاقتصادية القاسية التي يعاني منها المجتمع في جميع الشرائح. ما يقرب من 40% من عدد السكان، الذي يصل تقريبا إلى تسعين مليون شخص في مصر، تبلغ أعمارهم ما بين عشرة إلى عشرين سنة، وشريحة واسعة من هذا الفوج تعيش بشكل غير مريح. كما أن بطالة الشباب الإجمالية في مصر تبلغ نسبتها 30%، أي أكثر من ضعف معدل البطالة الوطني البالغ 12.8%. وعلاوة على ذلك، فإن الأبحاث تظهر أن الشباب المصري الأكثر تعليما يواجه صعوبات أكبر في العثور على العمل. يبلغ معدل البطالة لخريجي الجامعات 34%، مقارنة بـ2.4% فقط بين صفوف أولئك الذين لم يحصلوا على التعليم الابتدائي.

في المنطقة ككل، يمثل الشباب الذكور العاطلين عن العمل قنبلة موقوتة. تلك الأرقام لابد أنها ترعب السلطات المصرية. وهناك بالتأكيد سبب وجيه للقلق. الشباب العاطل عن العمل في مصر، إذا لم يشارك ويعمل، فإنه يمكن أن يتحول إلى قوة مضاعفة ذات قيمة للتمرد الإسلامي ضد الدولة، سواء من جماعة الإخوان المسلمين أو الدولة الإسلامية مع الامتيازات التي تحظى بها في كل من سيناء والجارة ليبيا.

لكن هذا السيناريو الكابوس لم يحفز السلطات في القاهرة لمتابعة الإصلاحات البنيوية الخطيرة. وقد أشار تقييم أخير من قبل المجلس الأطلسي أن جزء كبير من التغييرات التي تعهد بها «السيسي» لدى توليه السلطة في يونيو/حزيران عام 2014، من إصلاح الدعم و تنويع مصادر الطاقة في البلاد، لا تزال بعد قيد التطوير.

بدلا من ذلك، فإن حكومة «السيسي» تضع آمالها بشكل متزايد على خطة إنقاذ دولية من المؤسسات الدولية، ومن دول الخليج الغنية. وقد نجحت هذه السياسة، على الأقل حتى الآن.

في أغسطس/آب، أعلن صندوق النقد الدولي أنه توصل إلى اتفاق مع القاهرة بشأن قرض بقيمة 12 مليار دولار يهدف إلى تحفيز الاقتصاد وزيادة ثقة المستثمرين. ولكن هذا مجرد تدبير مؤقت واحد، وإذا كان في للتاريخ الحديث أي دلالة، فإن يخبرنا أن هذا القرض سوف يتم استغلاله في بهرجة المشاريع الوطنية، وسوف يكون غير مثمر في النهاية.

وتخلص دراسة لـ«بلومبيرغ» أن «مصر يمكن أن تكون مرة أخرى مكانا يستحق الاستثمار فيه، ولكن قبل أن يحدث ذلك، فإنها ستضطر إلى تغيير الكثير». ونحن نؤكد أن هذا التغيير يجب أن يحدث في وقت قريب جدا. وفي أي سيناريو خلاف ذلك، يمكن لحكومة «السيسي» أن تعاني أيضا من نفس مصير سابقتها، وقد تنزلق البلاد مرة أخرى إلى حالة من الفوضى.

المصدر | ناشيونال إنترست

  كلمات مفتاحية

السيسي مرسي الاقتصاد المصري سعر الدولار أزمة اقتصادية