خيارات السعودية في مواجهة «جاستا» تهدد علاقاتها المتوترة مع واشنطن

الخميس 29 سبتمبر 2016 04:09 ص

طريق مسدود تواجهه العلاقات السعودية الأمريكية بعد إقرار الكونغرس الأمريكي لقانون يتيح لأقارب ضحايا اعتداءات 11 سبتمبر/آيلول مقاضاة المملكة، وهو ما تراه الرياض بمثابة «طعنة في الظهر»، وهو ما جعل خيارات محتملة تلوح أمام الرياض لمواجهة هذا الإجراء الذي من شأنه التأثير على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، كما من الممكن أن يدفعها لتقليص تعاونها مع الولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب.

قانون «العدالة ضد رعاة الأعمال الإرهابية» (جاستا)، والذي أقره الكونغرس عطل «فيتو» الرئيس «باراك أوباما» الذي سبق له رفض القانون على خلفية انه قد يشكل خطرا على الأمن القومي الأمريكي.

وعلى رغم أن علاقات البلدين شابها فتور متزايد منذ وصول «أوباما» إلى الحكم مطلع 2009، إلا أن التعاون في مجال مكافحة الإرهاب لم يتأثر بحرارة العلاقة السياسية. وتشارك السعودية منذ صيف 2014، في التحالف الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».

انعكاسات استراتيجية سلبية

بدوره قال رئيس لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية الأمريكية «سلمان الأنصاري» لوكالة «فرانس برس» إن «الشراكة ساهمت في تزويد السلطات الأمريكية بمعلومات استخبارية دقيقة»، مبديا خشيته من أن تكون للقانون الجديد «انعكاسات استراتيجية سلبية».

ويتيح القانون للناجين من أحداث نيويورك وواشنطن 2001 وأقارب الذين قضوا فيها، التقدم بدعاوى قضائية في المحاكم الأمريكية ضد حكومات أجنبية للمطالبة بتعويضات، في حال ثبوت تورط هذه الحكومات في الاعتداءات التي راح ضحيتها زهاء ثلاثة آلاف شخص.

ونفت الرياض أي دور لها في الهجمات. كما لم تثبت التحقيقات الأمريكية التي وجهت الاتهام لتنظيم القاعدة، أي ضلوع رسمي سعودي. إلا أن 15 شخصا من أصل 19 خطفوا الطائرات التي نفذت بها الهجمات في نيويورك وواشنطن، كانوا سعوديين.

تقليص الاستثمارات المالية

من جهته، قال المستشار الأول مدير برنامج الامن والدفاع ودراسات مكافحة الإرهاب في مركز الخليج للأبحاث «مصطفى العاني»، فإن على السعودية «تقليص الاستثمارات المالية في الولايات المتحدة، وتقليص التعاون السياسي والأمني» مع واشنطن.

وكانت تقارير صحفية أشارت سابقا إلى أن السعودية لوحت بسحب مليارات الدولارات من الاستثمارات في الولايات المتحدة في حال إقرار القانون، على رغم أن مسؤولين سعوديين قللوا من أهمية هذه التقارير.

التروي في اتخاذ القرار

أما الصحفي والمحلل السعودي «جمال خاشقجي» فقال إنه «سيكون صعبا جدا على المملكة العربية السعودية ان تواصل التعاون الاستخباري» مع الولايات المتحدة بعد أن اتخذت الأخيرة، موقفا عدائيا كهذا».

وأضاف أن المسؤولين السعوديين قد يكونون في خضم إجراء مناقشات حول رد فعلهم «أو سينتظرون إلى أن يتم تقديم الدعوى الأولى».

إلا أن المعلق السعودي يشدد على وجوب التروي في أي خطوة. ويقول «من المهم أن يكون الأمريكيون إلى جانبنا» لمواجهة أزمات المنطقة، خصوصا في سوريا واليمن، والخصم الأقليمي الأبرز إيران.

ويأتي القانون الأمريكي في وقت تواجه السعودية انتقادات متزايدة، بعضها من واشنطن، على خلفية ارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين للنزاع في اليمن، حيث تقود منذ آذار/مارس 2015 تحالفا عسكريا داعما للحكومة في مواجهة المتمردين.

ويرى «خاشقجي» أن على الرياض إجراء إعادة تقييم «في الداخل» لإزالة الاسباب التي قد تكون ادت لنيل القانون تأييدا واسعا في الكونغرس.

وتعتبر الإدارة الأمريكية أن القانون من شأنه أن يقوض مبدأ الحصانة التي تحمي الدول (ودبلوماسييها) من الملاحقات القانونية، وقد يعرض الولايات المتحدة لدعاوى قضائية أمام المحاكم في كل أنحاء العالم.

من جهته، اعتبر أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الإمام الباحث في الشؤون الاستراتيجية، «خالد الفرم»، لـ«سكاي نيوز عربية» إن تبني الجمهوريين والديمقراطيين بأغلبية كبيرة للقانون «يعد تغيرا ملحوظا في السياسة الأمريكية خاصة»، مع صعود دور المملكة في منطقة الشرق الأوسط وتأثيرها في ملفات عدة باليمن وسوريا والعراق، إضافة إلى دورها البارز في مكافحة الإرهاب.

إلى ذلك، اعتبر «الفرم» أن واشنطن «تريد انتزاع مصالح سياسية واقتصادية من السعودية عبر الضغط بمثل هذا القانون».

وقال «الفرم» إن القانون الأمريكي سينعكس سلبا ليس فقط على العلاقات السعودية الأمريكية، وإنما أيضا على علاقة واشنطن بالخليج عموما وبالعالم الإسلامي.

خيار اقتصادي

وقال «الفرم» إن السعودية تستطيع اللجوء لمبدأ المعاملة بالمثل الذي يحكم العلاقات الدبلوماسية، من أجل الرد على هذا الإجراء.

وأشار إلى أن مواطنين وطلابا سعوديين تعرضوا لإجراءات ظالمة في الولايات المتحدة، وبإمكانهم رفع دعاوى تعويض ضد الحكومة الأمريكية.

وكان «أوباما» وكبار قادة الجيش والاستخبارات قد حذروا مرارا من أن هذا القانون لا يخدم مصالح الولايات المتحدة، ويعرض الحكومة الأمريكية لقوانين مشابهة.

وبما أن القانون الأمريكي الجديد يسمح لضحايا اعتداءات سبتمبر طلب تعويضات مالية، فقد سبق وحذر وزير الخارجية السعودي، «عادل الجبير»، صراحة بأن المملكة قد تتخذ إجراءات لحماية أرصدتها الضخمة في الولايات المتحدة، ملوحا بسحب تلك الأرصدة التي تصل إلى 750 مليار دولار.

وقال «الفرم» إنه لا يوجد ما يمنع السعودية من سحب هذه الأموال «إذا ما شعر القائمين على هذه الاستثمارات أنها في خطر».

بدوره، قال الخبير في العلاقات الدولية «سالم اليامي» لـ«سكاي نيوز عربية» إن المملكة تمتلك قاعدة ضخمة من المعلومات الاستخباراتية في مجال مكافحة الإرهاب، التي تستفيد منها واشنطن بشكل كبير. 

ولفت إلى أنه إذا قررت الرياض عدم مشاركة هذه المعلومات، فستضرر الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب، مما يضعها أمام تهديدات أمنية بسبب نقص المعلومات.

ويؤكد ذلك تصريحات مدير المخابرات المركزية الأمريكية، «جون برينان»، الذي قال «إن للقانون تداعيات خطيرة على الأمن القومي الأمريكي».

وقال «برينان محاولا إثناء الكونغرس عن تمرير القانون: النتيجة الأشد ضررا ستقع على عاتق مسؤولي الحكومة الأمريكية، الذين يؤدون واجبهم في الخارج نيابة عن بلدنا، مبدأ الحصانة السياسية يحمى المسؤولين الأميركيين كل يوم وهو متأصل في المعاملة بالمثل».

وأضاف قائلا «إذا لم نلتزم بهذا المعيار مع دول أخرى فإننا نضع مسؤولي بلدنا في خطر».

المصدر | وكالات + الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

جاستا السعودية مكافحة الإرهاب قانون العدالة ضد رعاة الأعمال الإرهابية