من المغرب إلى السعودية: هل تمثل الانتخابات المحلية وسيلة جديدة من أجل التغيير في الشرق الأوسط؟

الأحد 2 أكتوبر 2016 05:10 ص

تعد قدرة الانتخابات المحلية في العالم العربي على التغيير الديمقراطي قوية بالقدر الكافي منذ فترة طويلة. ولكن في الدول العربية التي عقدت، أو تخطط لإجراء انتخابات في الفترة ما بين عام 2015 و 2016 في كل من المغرب، السعودية، لبنان و فلسطين، أصبحت الانتخابات المحلية وسيلة جديدة يستطيع المواطنون التعبير من خلالها عن مخاوفهم بشأن الحكم.

وباعتبارها وسيلة لاسترضاء الجماهير بعد ثورات الربيع العربي عام 2011، وعد الملك «محمد السادس» ملك المملكة المغربية بمتابعة عدد من الإصلاحات الديمقراطية، بما في ذلك في الانتخابات المحلية. وتحققت بعض هذه الإصلاحات في النهاية في 4 سبتمبر/أيلول 2015 عندما سنحت الفرصة للمواطنين للتصويت مباشرة لاختيار القادة المحليين والإقليميين للمرة الأولى.

للمرة الأولى أيضا، كان هذه الانتخابات الاختبار الأكثر متانة ودراماتيكية في التغيير السياسي في مرحلة ما بعد الربيع في البلاد: عندما هزمت الأحزاب المؤيدة للملكية من قبل حزب العدالة والتنمية الإسلامي في الانتخابات التشريعية نوفمبر/تشرين الثاني 2011.

وفي أحدث جولة من الانتخابات المحلية، كان حزب العدالة والتنمية يتنافس مع 11 حزبا، لكنه تمكن من تأمين ربع مجموع الأصوات. وأكد هذا لأول مرة أن رسالة حزب العدالة والتنمية في الحكم الرشيد تؤتي أكلها لدى الناخبين الذين تحولوا من المعارضة إلى تأييد الحزب الحاكم. على الرغم من أن جماعة المعارضة الرئيسية في المغرب، حزب الحداثة الموالي للنظام الملكي، سعت إلى صرف الناخبين عنه من خلال اللعب على وتر التوجهات الإسلامية لحزب العدالة والتنمية، إلا أن الحزب ركز على جهود مكافحة الفساد، وأظهر سياسات مسؤولة من الناحية المالية أثناء ولايته في البرلمان.

على الرغم من أن الحكومة في الواقع أنجزت القليل جدا، إلا أن القدرة المستمرة لحزب العدالة والتنمية المغربي غلى اجتذاب الناخبين لا تدلل فقط على جاذبيته، ولكن أيضا على درجة عالية من التسامح من العائلة المالكة مع المعارضة داخل حكوماتها. وعلى الرغم من عدم إحراز تقدم واضح، تفاجأ المراقبون أن حزب العدالة والتنمية قد فاز بالأغلبية المطلقة في المناطق الحضرية غير الداعمة تقليديا للحزب، كما هو الحال في فاس.

وبالنظر إلى أن النظام الملكي وعد بإجراء إصلاحات لتعزيز «أقلمة» السلطات البلدية في المغرب، وبالتالي الممثلين المحليين المنتخبين ديمقراطيا في البلاد، ينبغي من الناحية النظرية، أن نتوقع مزيدا من الحكم الذاتي عندما يتعلق الأمر بقضايا الحكم المحلي. إلا أنه يبدو أن النظام الملكي مركزي للغاية ويعتبر كل من الانتخابات البرلمانية والمحلية قنوات لإثبات التزامه بأجندة إصلاحية مع ضمان نفس الوقت أن الجماعات السياسية التي لا تدعم النظام الملكي، مثل جماعة العدل والإحسان، باقية خارج العملية السياسية.

وقد وصلت الإصلاحات البلدية أيضا إلى قلب شبه الجزيرة العربية: المملكة العربية السعودية. على الرغم من أنها تحظر الأحزاب السياسية الوطنية، وليس هناك أي انتخابات وطنية، ففي 12 ديسمبر/كانون الثاني 2015 جرت الانتخابات الإقليمية الثالثة من نوعها في البلاد. وأعطت الحكومة السعودية حق التصويت فقط لثلثي المقاعد البلدية وتم تعيين الباقي مباشرة (في السابق كان يتم تعيين النصف). ولكن هذا التصويت كان مميزا سواء من حيث الديمقراطية النسبية أو رفع الحظر عن المشاركة السياسية للمرأة التي كان بإمكانها على حد سواء التصويت والترشح للمقاعد البلدية. وبالنسبة لبعض الناشطين في مجال حقوق المرأة في السعودية، تعد هذه اللحظة، التي شهدت انتخاب 20 امرأة حدثا تاريخيا. وترشحت أكثر من 900 امرأة للمناصب البلدية، وصوتت حوالي واحد من كل عشرة ناخبات من النساء، وهو الرقم الذي يصبح أكثر إثارة للإعجاب بالنظر إلى الصعوبات المؤسسية التي تواجه النساء السعوديات اللواتي يرغبن في السفر خارج البلاد.

مع ذلك، فإن السعودية مثلها مثل المغرب، لديها دوافع سياسية خاصة بها لتشجيع الإصلاح الانتخابي المحلي، مثل خلق صورة رمزية للإصلاح، لأن المجالس البلدية لديها فقط القليل من القوة. ومن الجدير بالذكر أن الانتخابات المحلية شارك فيها أقل قليلا من نصف الناخبين المسجلين في المملكة، الذين يشكلون ما يزيد قليلا على 5% من مجموع سكان البلاد. (قارن ذلك مع 40% من المواطنين المسجلين للتصويت في المغرب). وفقا للناخبين وغير الناخبين الذين قابلتهم، كان الإقبال الضعيف يرجع إلى مجموعة من العوامل: على رأسها نقص المعلومات، وعدم الاقتناع بمسألة التصويت.

ومع ذلك، فإن الحكومة رأت ضرورة ضبط الانتخابات البلدية. وهذا يوضح أن السعودية ودولا عربية أخرى هي الأكثر تفانيا في خدمة التراث الملكي. ومع الضغط، فإنها تعمل لإعطاء مظهر أنها تسير بالتدرج النسبي.

لبنان وفلسطين

في حين أن المغرب و السعودية تمثلان مثالين على الكيفية التي يمكن أن تعالج بها قضايا الحكم عن طريق تحرير السياسة المحلية، فقد أظهرت الانتخابات البلدية في جميع أنحاء لبنان في مايو/أيار وعدد الناخبين كيف أن السياسة المحلية تعمل كمفتاح للطريق الوطني المسدود. وعلى الرغم من أن لبنان جمهورية برلمانية ديمقراطية تعمل في ظل نظام طائفي، فقد شلت الحكومة الوطنية منذ عامين، وهي غير قادرة على حل النزاعات السياسية وانتخاب رئيس. ولكن في البلديات المتعددة، كان هناك مظاهر حيوية سياسية، مع أحزاب جديدة تتحدى الوضع الراهن الذي أنشأته أكبر كتلتين سياسيتين في لبنان، تحالف 14 آذار وتحالف 8 آذار. وهذا يشير إلى أن الناخبين تتغير وجهات نظرهم حول فاعلية المشاركة. على سبيل المثال، خلال الاحتجاجات ضد أزمة القمامة في بيروت العام الماضي، عندما فشلت الحكومة في تنسيق جمع القمامة، فإن الحركة الإصلاحية في بيروت، أو «بيروت مدينتي»، تحدت الوضع السياسي الراهن عن طريق دفع قضايا الحكم المحلي إلى صدارة الانتخابات. أبرزت «بيروت مدينتي» خلفيات «التكنوقراط» لأعضاء حزبها، مؤكدة دحر الولاءات الطائفية التي اعتمدت عليها الأطراف الأخرى. والتركيز على إيجاد منصة لتوسيع نطاق المشترك، وهي حملة ليس فقط لإدارة النفايات، ولكن أيضا لتوفير مساكن بأسعار معقولة واستخدام أفضل للمساحات العامة والمجتمعية.

على الرغم من أن «بيروت مدينتي» فشلت في الحصول على الأغلبية في الانتخابات البلدية، فقد أثبتت نسبة 40% من الأصوات التي حصلت عليها أن دعواتها للإصلاح البلدي لاقت رواجا كبيرا.

تمكن وزير العدل السابق «أشرف ريفي» من تحقيق مفاجأة في مدينة طرابلس اللبنانية، التي تقع على بعد 50 ميلا إلى الشمال من بيروت. وجاء فوز قائمة «ريفي»، على حزب التحالف التاريخي لتيار المستقبل. وقال وزير العدل السابق إنه يرفض «زيادة هيمنة حزب الله على الحكومة اللبنانية». كما انتقد «ريفي» زعيم تيار المستقبل «سعد الحريري» لدعم «سليمان فرنجية» لرئاسة الجمهورية، المرشح الذي يعتبر أقرب إلى حزب الله.

في جنوب لبنان، والتي هي معقل تقليدي لحزب الله، تم تحدى هيمنة الحزب من قبل أحزاب المعارضة الشيعية في الضاحية وبرج البراجنة. وانعكس هذا القلق المتزايد بشأن وجود حزب الله المستمر في سوريا، حيث أنه يساعد نظام الرئيس «بشار الأسد»، فضلا عن تورط حزب الله المستمر في الحرب الحروب العربية.

وبدأت ظاهرة مماثلة تتكشف في فلسطين عندما أعلنت السلطة الفلسطينية أنها ستجري الانتخابات المحلية في أكتوبر/تشرين الأول، والتي تم تأجيلها مؤخرا من قبل المحكمة العليا الفلسطينية، حيث أن السياسة في الأراضي الفلسطينية، مثل نظيرتها في لبنان، تعاني من انقسامات عميقة الجذور.

عندما أعلنت حماس في يوليو/تموز أنها ستشارك في الانتخابات البلدية التي تديرها السلطة الفلسطينية في 8 أكتوبر/ تشرين الأول، ناقش محللون ما إذا كان هذا مستوى غير مسبوق من المشاركة السياسية من قبل حماس يمثل إشارة البدء لتحريك السياسة الوطنية الراكدة في الأراضي المحتلة وتوليد الزخم المطلوب للمضي قدما في الانتخابات البرلمانية والرئاسية. وقاطعت حماس كل الانتخابات البلدية منذ نجاحها في الانتخابات العامة عام 2006، وما تلا ذلك من استيلاء لاحق على قطاع غزة في عام 2007. وفي الوقت نفسه، تم تأجيل الانتخابات الرئاسية للسلطة الفلسطينية بقيادة فتح إلى أجل غير مسمى منذ انتخاب الرئيس «محمود عباس» بعد انتهاء مدته الرئاسية في عام 2005. وكما هو الحال في لبنان، بدا الفلسطينيون يأملون أن نجاح الانتخابات البلدية سوف يعمل على التحرك أخيرا في عملية اختيار المرشح الرئاسي.

اعترفت كل من فتح وحماس بضرورة جعل الحكم الرشيد جزءا أساسيا من برامجها. و أصبحت هذه قضية أساسية لاسيما مع التشاؤم مع العملية السياسية في الضفة الغربية الذي ترك الكثير من المضاربة أن حماس يمكن أن تفوز في المنطقة التي تهيمن عليها فتح تقليديا. للاستفادة من هذا السخط، صدر مؤخرا شريط فيديو ترويجي للحركة، «شكرا حماس»، والذي يسعى إلى تسليط الضوء على قدرة الحركة على بناء وصيانة البنية التحتية، وخاصة مع وتيرة إعادة البناء في غزة بعد حرب 2014 مع (إسرائيل).

 تكشف استطلاعات الرأي الأخيرة أن هناك استياء في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة من أداء الحكومتين في هذا الصدد. ويقتنع عدد وافر من الفلسطينيين أيضا أن البطالة هي أكبر تهديد يواجه البلاد. فمن الواضح أن الحكم الجيد سيكون عاملا رئيسيا في الانتخابات المقبلة حال إجرائها.

البحث عن المزيد

وعلى الرغم من تبلد الحكومات الوطنية، لا يزال هناك مجال للتطور السياسي من الأعلى إلى الأسفل والتطور السياسي من الأسفل إلى الأعلى على المستوى المحلي في العديد من الدول العربية. في حين تستخدم المغرب و السعودية الانتخابات المحلية للتخفيف من الانتقادات ضد الهيكل الحكومي الملكي، ففي لبنان والأراضي الفلسطينية، وتوفر الانتخابات البلدية وسيلة للمطالبة بالتغيير من القادة.

ومع ذلك، يبدو من السابق لأوانه القول بأن الانتخابات البلدية سوف تؤدي إلى التغيير الوطني. المغرب و السعودية لديهما دوافع جزئية لإصلاح العملية الانتخابية من أجل منع جماعات المعارضة من الحصول على إنجاز خارج العملية السياسية التي تخضع لرقابة مشددة من الحكومات. لبنان لديها انتخابات وطنية لم تجر بعد، وتمخض القرار القضائي الفلسطيني في الآونة الأخيرة عن تأجيل الانتخابات إلا أن الانتخابات قد لا يتم إجراؤها أبدا. وتشير هذه التوترات إلى أن الحكومات العربية ترى الانتخابات البلدية كبديل، بدلا من أن تكون نقطة انطلاق للإصلاح الوطني، حتى لو كانت المعارضة تعتقد خلاف ذلك. قد تكون هذه علامة أنه على الرغم من النشطاء والحكام على استعداد للتجربة على المستوى المحلي، فليس هناك ما يكفي من الاهتمام من القيادة في تغيير الوضع الراهن، لاسيما في مواجهة إرث الربيع العربي الذي يلوح بالحرب الأهلية. ومع ذلك، هذه الإصلاحات والمفاجآت تشير إلى أن الانتخابات البلدية والمحلية في الدول العربية تستحق المزيد من الاهتمام عند دراسة الاتجاهات السياسية المستقبلية في الدول العربية.

المصدر | فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

السعودية المغرب لبنان فلسطين الانتخابات المحلية