«ستراتفور»: اتفاق «أوبك» على تقليص الإنتاج لن يؤثر كثيرا على الأسعار

الأحد 2 أكتوبر 2016 06:10 ص

تلخيص

(1) تم إبرام اتفاق إنتاج أوبك لضمان ألا تنهار أسعار النفط أكثر من ذلك، وليس بالضرورة دفع الأسعار للارتفاع.

(2) ينبغي لأعضاء أوبك أن ينحوا خلافاتهم جانبًا الآن ويركزوا في كيفية تنفيذ الاتفاق.

(3) حتى وإن نجحت المفاوضات وتمت الموافقة عليها، لن يؤثر الاتفاق بقوة في توجيه أسواق النفط. سيستمر تعافي سعر النفط بشكل بطيء، ولا تستطيع أوبك أن تفعل الكثير لتسريع العملية.

تحليل

وصلت أوبك أخيرًا إلى اتفاق مبدئي لتقليص إنتاج النفط، ولكن هذا لا يعني الكثير حتى الآن. ووضع أعضاء أوبك الخطوط العريضة للصفقة يوم 28 سبتمبر/ أيلول في المنتدى العالمي للطاقة في الجزائر العاصمة. وشملت البنود تقليص الإنتاج من 33.24 مليون برميل يوميًا إلى ما بين 32.5 و33 مليون برميل يوميًا. ويعد التقليص هامشيًا جدًا، لكن إن تم تنفيذه، سيكون الأول بين أعضاء المجموعة منذ الأزمة المالية العالمية في 2008. وسيكون أيضًا أول رد فعل للمنظمة منذ انهيار أسعار النفط في ذروته عند 110 دولارا للبرميل في يونيو/ حزيران 2014 ووصوله إلى ما يقارب 25 دولار للبرميل في يناير/ كانون الثاني 2016.

تجاوزت المفاوضات تحديد كيفية تنفيذ تقليص الإنتاج، وهو ما يترك الفرصة لانهيار الاتفاق من الآن وحتى الاجتماع القادم في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني في فيينا، حيث تأمل المجموعة إنهاء الاتفاق. وهناك عدة أسئلة يجب على أعضاء أوبك الوصول إلى إجابات لها في الاجتماع القادم، وتشمل من سيتحمل العبء الأكبر من التقليص، وكيفية التعامل مع رفع إيران لإنتاجها، وكيفية تجاوز الخلافات السياسية بين منتجي النفط. ولا يمثل الاتفاق بالضرورة جهدًا نحو رفع أسعار النفط، وبدلًا من ذلك، تتعامل المجموعة مع ظروف السوق الحتمية التي تؤكد استمرار تراكم مخزون النفط العالمي على الرغم من بقاء الأسعار أسفل 50 دولارا للبرميل. لذا، من الممكن أن تكون المجموعة قد توصلت إلى اتفاق أخيرًا، ولكنه لا يؤثر كثيرًا في شيء.

وتشهد أسواق النفط تحولات بالغة منذ عدة أشهر والتي تتجاوز الأسعار ومستويات الإنتاج، من داخل أوبك وكذلك من خارجها. وتحاول أوبك بهذا الاتفاق تخفيف حدة تلك التحولات، والتعامل مع التضخم في إمدادات النفط الذي سيؤدي استمراره إلى هبوط الأسعار إلى مستويات تضر بأعضاء المجموعة.

وجاء الاتفاق بين أعضاء أوبك على تقليص حجم الإنتاج بما يتراوح بين 200 ألف إلى 700 ألف برميل يوميًا، في الوقت الذي يوجد فيه فائض في إمدادات السوق من النفط يتجاوز مليون برميل يوميًا. وتقوم أوبك بتشكيل لجنة الآن ستقضي الشهرين القادمين في تقرير أي الأعضاء سيقلص من إنتاجه وكم سيتحمل من نسبة التقليص.

تفسير التحول

هناك دول في أوبك مثل نيجيريا وليبيا والعراق تضخ كميات قليلة من النفط من الممكن أن تضيف مجتمعة 800 ألف برميل يوميًا إلى حجم الإنتاج في شهرين، وهو أقل حتى من النسبة التي تحتاج أوبك تقليصها، ومن المنتظر أن يتم استثناء هذه الدول من تقليص الإنتاج، ومن الممكن أن تطالب العراق بتجميد إنتاجها فقط.

وواحدة من الدول الثلاثة، وهي نيجيريا، تعرضت لخفض مستوى الإنتاج من 1.8 مليون برميل يوميًا في الربع الأخير من 2015 ليصل إلى 1.27 مليون في يوليو/ تموز، بفعل عدة هجمات مسلحة على خطوط أنابيب إنتاج رئيسية من المفترض أن تعود للعمل في أكتوبر/ تشرين الأول.

أما في ليبيا فقد سمحت هزيمة «إبراهيم الجضران» وقواته في فك الحصار عن مجموعة من أهم مناطق التصدير النفطية والتي سمحت بالإنتاج الليبي ليرتفع من 200 ألف برميل يوميًا فقط في أغسطس/ آب، ليصل الآن إلى ما يقارب 485 ألف برميل يوميًا. ويستمر في الارتفاع يوميًا، ومن المتوقع أن يصل إلى الهدف الذي وضعته الشركة الوطنية للنفط ليبلغ 950 ألف برميل يوميًا بنهاية العام.

وفي العراق، فإنّ الصفقة بين زعماء الأكراد في أربيل وحكومة بغداد لتصدير إنتاج مشترك يصل إلى 150 ألف برميل يوميًا، قد عزّزَت من صادرات شمال العراق.

ورغم محاولات الدول الثلاثة لزيادة الإنتاج قبل قرار الأوبك، إلى أنهم يواجهون تهديدات وعقبات أمام تلك الخطوة، فموانئ ليبيا الآن تحت سيطرة «خليفة حفتر» وهو ليس على وفاق مع الحكومة الليبية، ومن الممكن أن يقلب الطاولة في أي وقت. وفي نيجيريا فإن التهديدات والهجمات المسلحة من الممكن أن تتكرر وتعيق عملية ترميم خطوط الأنابيب.

وبعيدًا عن أوبك، بدأ إنتاج كازاخستان من حقل كاشاجان الضخم بالدخول للسوق في أكتوبر/ تشرين الأول الحالي. وفي الوقت نفسه، تظهر مستويات الإنتاج بالولايات المتحدة علامات على الحياة. وكان مستوى إنتاجها قد انخفض من 9.6 مليون برميل يوميًا في يونيو/ حزيران 2015 إلى 8.45 مليون في يوليو/ تموز 2016، متأثرًا بانخفاض أسعار النفط التي أثرت على اثنين من أكبر أحواض النفط الصخري إنتاجية. ومنذ ذلك الوقت حدث استقرار في مستويات الإنتاج وتظهر الآن إشارات على تزايد بطيء في مستويات الإنتاج في الولايات المتحدة. وتتوقع جولدمان ساكس أن ترتفع مستويات إنتاج الولايات المتحدة ما بين 600 ألف و700 ألف برميل يوميًا بنهاية عام 2017.

وبالطبع يعتمد ارتفاع مستويات الإنتاج الأمريكي على أسعار النفط، وإذا قامت أوبك بعمل تقليص كبير في حجم الإنتاج يرفع السعر مثلًا لـ 60 دولار للبرميل، سيسرع ذلك من عملية زيادة الولايات المتحدة لإنتاجها. لذا ربما تفكر دول أوبك في ذلك، وتقلص الإنتاج بحجم يدعم الأسعار قليلًا، لكن لا يكفي لدعم زيادة أمريكا لإنتاج وقودها الصخري.

تعامل السعودية وأوبك مع الواقع

لا يعني تقليص أوبك للإنتاج أن كل أعضائها ستتحمل ذلك بالتساوي. فأعضاء مثل السعودية التي تزيد من إنتاجها منذ الصيف لتلبية حاجتها من الطاقة لتوليد الكهرباء، ربما تتحمل الجزء الأكبر من العملية. وعلى سبيل المثال فقد زاد استخدام السعودية المباشر للنفط الخام من 300 ألف برميل يوميًا في فبراير/ شباط ليصل إلى 700 ألف برميل يوميًا في يونيو/ حزيران. ومع قدوم الشتاء والحاجة تنخفض للكهرباء، تتوفر أمام السعودية عدة خيارات.

ونظرًا لتقليص الإنتاج المتوقع بكميات قليلة، يمكن للسعودية أن تخفض الإنتاج لكن مع الحفاظ على حصتها من سوق الصادرات النفطية التي تتراوح ما بين 7 مليون إلى 7.5 مليون برميل يوميًا منذ بداية عام 2015. وفي حال انهار الاتفاق، ستستمر السعودية في مسلكها بزيادة الإنتاج وتنمية حجم الصادرات.

ويواجه الاتفاق عددًا من العقبات المحتملة. ففي الوقت الذي أصر فيه وزير الطاقة السعودي على أن إيران ينبغي لها أن تكون قادرة على «الإنتاج المستويات القصوى المناسبة»، لازالت الرياض وطهران على غير اتفاق حول ما هي هذه المستويات. وتتعرض طهران لضغط داخلي يمنعها من تقليص أو تجميد مستويات الإنتاج، وإذا أقدم الرئيس «حسن روحاني» على ذلك، سيتعرض لهجوم كبير من الداخل المحافظ الأكثر تشددًا، وسيكون ذبك بمثابة ضربة كبيرة لفرصه في الانتخابات القادمة في 2017.

وتعد معايير تنفيذ أي اتفاق في أوبك مصدرًا رئيسيًا آخر للقلق. فنظام توزيع الحصص بين بلدان المجموعة والذي تغير في عام 2011 قد ألغي بعد ذلك بـ 4 سنوات، ومنذ ذلك الوقت لم يصل أعضاء المجموعة إلى صيغة لهذه المعايير.. كما أثار وزير النفط العراقي «عبد الجبار اللعيبي» مشكلة أخرى حين شكا من تضارب المعلومات التي تأتي من مصادر ثانوية والتي استخدمت لحساب إنتاج المجموعة بواقع 33.24 مليون برميل يوميًا، والتي يرى الوزير العراقي أنها أرقام غير دقيقة، وبذلك فإن طلب من العراق أن تخفض أو تجمد إنتاجها سينبني ذلك على معلومات غير دقيقة ودون المستويات الحقيقية. وكانت المجموعة قد أقرت بإجمالي إنتاج 34.3 مليون برميل يوميًا وفق أرقام أغسطس/ آب، بينما تم الاعتماد على الأرقام من المصادر الثانوية التي صدر عنها رقم إجمالي للمجموعة بواقع 33.24 مليون برميل يوميًا. وجاءت أكبر الفجوات كالتالي: العراق (285 ألف برميل إضافية)، والكويت (200 ألف برميل) والإمارات (200 ألف برميل) وفنزويلا (225 ألف برميل).

توصل المنتجون الرئيسيون في أوبك إلى اتفاق في الوقت الحالي، لكن الاتفاق يبدو أنه سيؤثر تأثيرًا هامشيًا على أقصى تقدير. ويمكن للأسعار أن تزداد بشكل طفيف لوقت قصير من الوقت، لكن زيادة الولايات المتحدة من إنتاج وقودها الصخري سيعمل ضد ذلك وسيعيد الأسعار إلى ما كانت عليه. وبالنسبة لأوبك، يمثل الاتفاق أكثر من مجرد تخفيف الألم عن أعضائها، حيث يستعيد السوق عافيته ببطء. وهم يعلمون أنهم لا يمكنهم تسريع هذا التعافي، لكنهم يمكنهم ضمان ألا تنهار الأسعار على المدى القصير. ويمكن لزيادة العراق وليبيا ونيجيريا من إنتاجهم ومع الزيادة المتوقعة لإنتاج الولايات المتحدة وكازاخستان، بالإضافة إلى زيادة الصادرات النفطية للسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي بعد انحسار طلبات الصيف، أن تؤدي إلى انهيار الأسعار في فترة قريبة، وهو ما تريد أوبك أن تتجنبه. وتريد أوبك أن تظهر أيضًا، بالرغم من أنها في وضع متراجع، إلا أنّها لازالت قوة يمكنها التأثير على السوق.

وبغض النظر عن نتيجة مفاوضات أوبك، أصبح من الواضح أن إجراءات المنظمة أصبحت تتعامل فقط مع الأداء السلبي وتبعاته، لكنها لا يمكنها التأثير في إدارة الاتجاه الصاعد، كما يبدو أن السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي وكبار منتجي النفط يعلمون ذلك بوضوح.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

السعودية أوبك أسعار النفط خفض الإنتاج النفط الصخري