استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

ارفعوا أيديكم عن «عبدالناصر»

الثلاثاء 4 أكتوبر 2016 03:10 ص

يهمنا لا ريب استحضار عبدالناصر بعد مرور 46 عاما على رحيله، وتحيرنا الرسالة الكامنة وراء ذلك.

(1)

بعدما فارقنا، وحين حلت ذكرى وفاته في 28 سبتمبر/أيلول جرى اكتشافه فجأة في الفضاء المصري، فتعددت المقالات التي أشادت بمناقبه وذرفت دمعا غزيرا على «حبيب الملايين»، ووجدنا اسمه في العنوان الرئيسي للصفحة الأولى في صحيفة الأهرام يوم 29 سبتمبر/أيلول، حيث أبرزت الصحيفة خبر افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي لمتحف جمال عبدالناصر، وهو البيت الذي عاش ومات فيه، وكان المشروع نائما ومحل مماطلة وتراخ من جانب وزارة الثقافة طوال السنوات التي خلت، لكنه تحرك أخيرا بقرار سياسي. 

صحيح أن الخبر اكتسب أهميته من قيام الرئيس السيسي بالافتتاح وليس من إقامة المتحف، إلا أن الأهرام خصصت صفحتين كاملتين في الداخل لجمال عبدالناصر وزمانه، وقبل ذلك زفت إلينا صحف الصباح خبر إطلاق اسم الزعيم الراحل على حاملة للطائرات من طراز ميسترال تم شراؤها من فرنسا، كما أطلق اسم أنور السادات على حاملة أخرى من الطراز ذاته. 

كان مثيرا للانتباه أن جريدة الأهرام كانت قد أبرزت على صفحتها الأولى في وقت سابق تقريرا أمنيا عن حصار مصر والتآمر عليها أشار في ختامه إلى أن القوى الخارجية لجأت إلى حصار مصر والتآمر عليها لأنها «تخشى من عودة نموذج الحالة الناصرية إلى الساحة العربية» ممثلة في القيادة المصرية الراهنة (الأهرام ــ 18 سبتمبر/أيلول 2016).

للدقة فإن تلك لم تكن المرة الأولى التي يتم فيها استحضار عبدالناصر في الفضاء المصري بعد ثورة يناير، ذلك أن البعض فعلها في أعقاب التحول الذي تم في الثالث من يوليو عام 2013، إذ سمعنا أصداء وقرأنا كتابات وإشارات أعطت انطباعا بأن ما جرى كان استلهاما لزمن عبدالناصر في تجربته وشخوصه، إلا أن تلك الأصوات خفتت بمضي الوقت، إلى أن تجدد الاستحضار أخيرا على النحو الذي ذكرت.

(2)

شاءت المقادير أن يتزامن استحضار عبدالناصر وتمجيد مسيرته مع واقعتين أخريين لهما رمزيتهما: 

◄الأولى تمثلت في صدور قرار إسرائيل في نفس الأسبوع بتغيير اسم معبر طابا الموصل إلى شبه جزيرة سيناء، بحيث يحمل اسم مناحيم بيجين اعتزازا بدوره في توقيع معاهدة السلام مع مصر.

◄الثانية تمثلت في حضور وزير الخارجية المصري جنازة القيادي الإسرائيلي شمعون بيريز صاحب التاريخ الطويل في ارتكاب أبرز الجرائم في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وأحد المحرضين على العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.

صحيح أنه لا توجد علاقة مباشرة بين حملة استدعاء جمال عبدالناصر وبين الواقعتين السابقتين، إلا أن التزامن يوفر لنا فرصة المقابلة والمقارنة بين مرحلتين في تاريخ مصر المعاصر يحاول البعض أن يربط بينهما ويسقط إحداهما على الأخرى، في حين أن كل الشواهد تدل على نقيض ذلك تماما، إذ تقنعنا شواهد الواقع بأن كل زمان له رؤيته واجتهاداته مقطوعة الصلة بالآخر، وإن محاولة الربط بينهما تعد من قبيل الافتعال والتدليس السياسي.

استطرادا فإن الباحث حين يدقق في المسار الذي انتهجته مصر خلال السبعين سنة الأخيرة (منذ ثورة عام 1952 حتى الآن) يجد أن الوضع الراهن أقرب إلى عصر السادات وخليفته حسنى مبارك منه إلى عصر عبدالناصر، من ثم فلسنا نبالغ إذا قلنا إن الإشادة بعبدالناصر ومواصلة مسيرة السادات تذكرنا بنموذج قائد السيارة الذي يضرب به المثل حين يعطي إشارة الانعطاف إلى اليمين، ثم ينحرف متجها إلى اليسار.

(3)

لست في وارد المقابلة بين تجربة عبدالناصر والوضع الراهن في مصر، إذ رغم أن غيري ربما يكون أقدر على ذلك، إلا أن المقارنة قد لا تكون متكافئة، فتجربة عبدالناصر اكتملت وجاز لنا أن نضع أيدينا على معالم الرؤية فيها، في حين أن رؤية نظام الرئيس السيسي لم تكتمل وهي لم تتبلور تماما، وغاية ما يمكن أن يقال إنها رؤية لا تزال تحت التشكيل، رغم أن بعض معالمها لاحت فيما يعلن من سياسات وما يرتجله الرئيس في بعض خطاباته من أفكار وآراء.

ما قيل عن أن تجربة عبدالناصر كانت عظيمة في إنجازاتها وجسيمة في أخطائها تقييم ينصف الرجل وتجربته، يعبر عن ذلك المستشار طارق البشري، الفقيه والمؤرخ (صاحب كتاب: الحركة السياسية في مصر والديمقراطية ونظام 23 يوليو/تموز) بقوله:

«إن تجربة عبدالناصر 1970/1954 تمثل الفترة الأكبر التي استقلت فيها مصر في سياستها الداخلية والخارجية خلال القرن العشرين، ذلك أنها المرحلة التي مارست فيها مصر سياسة مستقلة رعت فيها الصالح الوطني في تعامله مع الدول الكبرى في زمانه، وذلك إنجاز يجب التأكيد عليه، إلا أن عبدالناصر حقق ذلك الإنجاز الوطني في ظل نظام غير ديمقراطي، وكان غياب الديمقراطية أحد العوامل الأساسية التي أسهمت في إجهاض تجربته، وإفشال مشروعه على أيدي من جاءوا بعده».

إذا كان عبدالناصر قد دخل التاريخ من أوسع أبوابه رغم كل ما يؤخذ عليه، فإنه يحسب له أن عصره اتسم بثوابت لم يتخل عنها تمثلت فيما يلي: الاستقلال الوطني ــ الحياد الإيجابي وعدم الانحياز ــ مقارعة الاستعمار والانحياز إلى حركات التحرر في العالم ــ الانحياز للقضية الفلسطينية ورفض الصلح مع إسرائيل ــ الاعتزاز بعروبة مصر ورفع لواء القومية العربية ــ العدل الاجتماعي والتنمية الشاملة في الداخل.

هذا المعمار الذي أقامه عبدالناصر في زمانه وظل يشكل ركيزة سياسية حتى رحيله في عام 1970، جرى تفكيكه واحدا تلو الآخر بمضي الوقت، حتى بتنا نبذل جهدا كبيرا لرصد آثاره وتحري ما بقي منها، إن شئنا الدقة فقد نقول إن إيجابياته تراجعت كثيرا وأغلبها تعرض للاندثار، لكن سلبياته التي بقيت وازدهرت بمضي الوقت، وكان تغييب الديمقراطية وتزييفها هو المظهر الأكثر وضوحا في ذلك.

(4)

ليس مطلوبا من السيسي أن يصبح نسخة من عبدالناصر، وليس معقولا أن تستنسخ تجربة منتصف القرن الماضي لكي تطبق في بدايات القرن الجديد، لكن ثمة فرقا كبيرا بين احترام التاريخ واستنساخه، وتجربة الصين خير دليل على ذلك، فالقيادة الصينية تحمل للرئيس ماوتسي تونج كل تقدير واعتزاز، لكن تجربة الصين الراهنة لا علاقة لها بصين الرئيس ماو، فهم لم يستنسخوا تجربته لكنهم استلهموا ثوابتها، وعمدوا إلى تطويرها على النحو الذي يلمس الجميع آثاره، وأيا كان رأينا في تلك الثوابت، خصوصا ما تعلق منها بالموقف من الديمقراطية، فإن فكرة الالتزام بها هي أكثر ما يعنينا.

إذا قمنا بتنزيل الفكرة على الواقع الراهن في مصر فسنلاحظ أمرين: 

◄الأول أن ثوابت عصر عبدالناصر اختلفت على نحو تستغرب معه الإشارة إلى خشية القوى الخارجية من احتمال عودة نموذج الحالة الناصرية إلى الساحة العربية، والعلاقة مع إسرائيل أوضح وأفدح دليل على ذلك.

◄الثاني أن قطاعا عريضا من الناصريين تخلوا عن إيجابيات عبدالناصر، ولم يفتر حماسهم لسلبياته، وحين تعددت المسالك والخيارات فإنهم اصطفوا وراء سلبياته، وعلى رأسها الموقف من الحريات العامة، وتجاهلوا إيجابياته أو قللوا من شأنها.

هذه الخلفية تسوغ لنا أن نطرح السؤال التالي: 

بماذا يفسر استحضار اسم عبدالناصر وتجربته في الوقت الراهن، رغم بعد الشقة بين نموذج القائد والتجربة في الحالتين؟ 

لست من المطلعين على ما يجري وراء الكواليس، لكنني من الخارج أستطيع أن أدعي أن الأمر ليس مصادفة، وأن الاستدعاء ليس بريئا كما يبدو في ظاهره، أعني أن الحفاوة السياسية والإعلامية ليست اعتزازا بالزعيم الراحل ولا هي لوجه الله، لكنها من قبيل الدفاع عن الذات في ظروف الأزمة الراهنة من خلال شحذ الذاكرة والتقليب في الأوراق القديمة، إذ في غمار التهويل من خطر المؤامرات الخارجية التي تدبر، والتنديد بحصار مصر وممارسة الضغط عليها، فلا بأس من التلويح باستدعاء الحالة الناصرية، باعتبارها ذريعة تدفع القوى الخارجية إلى تحدي النظام المصري والسعي لإسقاطه.

لا ينتبه الذين يديرون هذه اللعبة أنهم يسحبون من رصيد عبدالناصر بما يفعلون، إذ يشوهون إيجابياته في أذهان الأجيال الجديدة التي قد تحمله بما يحدث في مصر الآن، بما في ذلك العلاقة مع إسرائيل التي أصبحت صورتها مشوشة في أذهان تلك الأجيال، حيث لم تعد تعرف من عدو مصر ومن صديقها.

ليس لي أن أقترح على أولي الأمر ما الذي ينبغي أن يفعلوه لمواجهة ضغوط المرحلة وتحدياتها، لكن غاية ما أرجوه في الوقت الراهن أن يرفعوا أيديهم عن عبدالناصر بحيث لا يقحموه فيما يجري لأن استحضاره يسيء إليه فضلا عن أنه لن يفيد النظام القائم في شيء.

المصدر | الشروق المصرية

  كلمات مفتاحية

مصر عبدالناصر عبدالفتاح السيسي