بعد فشل الاتفاق مع روسيا: هل تلجأ واشنطن لفرض منطقة حظر جوي في سوريا؟

الثلاثاء 4 أكتوبر 2016 07:10 ص

من الممكن أن يكون إنشاء منطقة حظر جوي في سوريا، وإن كان يصعب ترتيبها، نقطة محورية في إنهاء الحرب الأهلية المستمرة.

لن ينتهي الصراع في سوريا قبل أن يتم النجاح في وقف إطلاق النار. في الوقت نفسه، يتحدث مرشحو الرئاسة والسياسيون الآخرون في واشنطن حول خطط لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) دون الاعتراف أن الحرب الأهلية السورية توفر بيئة خصبة آمنة لـ (داعش) للعمل والتخطيط ونشر العنف عبر العالم. وتسببت الحرب الأهلية السورية في أسوأ أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية.

تم إبرام اتفاقية 9 سبتمبر/ أيلول بين الولايات المتحدة وروسيا من أجل توفير مسار لوقف الأعمال العدائية كخطوة نحو إنهاء الصراع. لكن وزير الخارجية «جون كيري» قد اعترف أن المفاوضات تستند إلى اعتقاد إدارة «أوباما» أن روسيا «لديها القدرة للضغط على نظام الأسد لإيقاف الصراع والجلوس إلى طاولة المفاوضات وإحلال السلام». وهو ما يعني أن كل شيء يعتمد على النية الصالح لدى الأطراف المتشاركة، ومع روسيا فلا يوجد أي من هذا. وقد أدركت الإدارة الأمريكية ذلك في نهاية المطاف وقامت بتعليق المحادثات.

وقبل أسابيع من وضع اللمسات النهائية للاتفاقية، جهز بعض صناع القرار بالكابيتول هيل خطة (قانون قيصر لحماية المدنيين)، وهي خة تهدف للضغط على إدارة «أوباما» في أيامه الأخيرة باتجاه إنهاء الصراع، وتشمل الخطة مطلب أن يقدر الرئيس خلال 90 يومًا «الفاعلية المحتملة والمخاطر والمتطلبات العملية لإنشاء منطقة حظر جوي على كل سوريا والحفاظ عليها».

ومع وجود الكثير من المطالبات التي خرجت في الأشهر الأخيرة بوجود منطقة حظر جوي ومناطق إنسانية آمنة عن طريق العديد من السياسيين من بينهم المرشح لمنصب نائب الرئيس «تيم كين» والسيناتور «ديك روبين» وغيرهم، سيكون من غير المقبول من إدارة «أوباما» ألا تكون قد قامت بالفعل بهذا التقييم بنفسها.

تجارب الولايات المتحدة مع مناطق الحظر الجوي

تسعى كل إدارة جديدة أن تأخذ «نظرة خاصة» على أزمات السياسة الخارجية، مع الرجوع للخلف وتقييم الجهود الحالية، ووضع خيارات جديدة للعمل. ويمكن اعتبار إجراء منطقة الحظر الجوي تكتيكًا حديثًا يرجع إلى عهد الرئيس «جورج بوش الأب» وتم صقله خلال وجود الرئيس «بيل كلينتون» في المنصب.

وأول ما نفذت حكومة الولايات المتحدة منطقة حظر جوي كان في شمال العراق عام 1991، بعد أسابيع من إعلان وقف إطلاق النار الذي أنهى عملية عاصفة الصحراء، بعدما ثار الأكراد على «صدام حسين». ورد الطيران العراقي بصورة وحشية مما أدى لهرب الأكراد باتجاه تركيا، وأدى إلى أزمة إنسانية للاجئين الأكراد من العراق. ولحل هذه المشكلة، أعلن الرئيس «بوش» عدم السماح لأي طائرة عراقية بالطيران شمال العراق، وهكذا بدأت منطقة حظر جوي شمال العراق لمدة 12 عامًا.

واستمرت منطقة الحظر الجوي شمال العراق هادئة لسنوات قبل أن يرفض «صدام حسين» دخول لجنة تفتيش الأمم المتحدة لتفتيش مناطق مشكوك باحتوائها على نشاط تسليح نووي، وحدثت اشتباكات بين الدفاع الجوي العراقي وطائرات التحالف التي كانت تحلق في سماء العراق في عام 1998. وبدأت إدارة الرئيس «جوج دبليو بوش» دراسة خياراتها في العراق عام 2001 وتطوير نظام الجزاءات وتحسين فعاليته، ودراسة مخاطر منطقة الحظر الجوي وكلفتها العالية، لكن عدم الصبر، وليس الأداء السيئ، أدى إلى إنهاء الحظر الجوي واستخدام بدائل أكثر عنفًا وتكلفة.

بينما تقتصر خبرة إدارة «أوباما» بالحظر الجوي على ما تم في ليبيا عام 2011، في عملية حظر جوي بقرار مجلس الأمن بالأمم المتحدة رقم 1973، ولكن من الأصح تصنيف العملية كحملة جوية. حيث استمرت طيارات التحالف بالتحليق لـ 7 أشهر فوق ليبيا، لا لتمنع طيران «القذافي» من التحليق، ولكن لقصف مناطق بهدف «حماية المدنيين» للمساعدة في سقوط «القذافي».

وتوفر النماذج السابقة قوالب مختلفة لمتطلبات تنفيذ منطقة حظر جوي، وكذلك الاحتياجات القانونية لمنع الطيران فوق دولة أجنبية، مثل سوريا. كما تعلمنا الدروس السابقة الحاجة إلى جهود دبلوماسية لإيجاد تحالف لفرض مناطق الحظر، والأهم من ذلك استمرار الجهود الدبلوماسية لإيجاد حل للأزمة.

المسوغ والقوة وبناء التحالف

في كثير من الأحيان يكون الحصول على مسوغ وتفويض لإنشاء منطقة حظر جوي هي العقبة الأصعب للتغلب عليها. وتكون مناطق حظر الطيران ممكنة عندما يكون هناك شبه إجماع بين القوى العالمية والجهات الإقليمية الفاعلة. وفي العراق، رغم أن قرار مجلس الأمن رقم 688 في 5 أبريل/ نيسان عام 1991 نص على إنهاء فوري للقمع والجلوس على طاولة المحادثات لضمان احترام الحقوق السياسية والإنسانية لكل مواطني العراق، ولم ينص صراحةً على منطقة حظر جوي، إلا أنّه تم استخدام القرار كمسوغ لذلك.

وفي ليبيا، كان هناك إجماع دولي غير مسبوق، بما في ذلك جامعة الدول العربية وروسيا والصين. وقبل العملية بأسبوع، قدم 9 من أصل 22 عضوًا بجامعة الدول العربية طلبًا بإنشاء منطقة حظر جوي. وبعد 5 أيام، صدر قرار مجلس الأمن رقم 1973، والذي خوّل الدول الأعضاء لعمل ما يلزم لحماية المدنيين والمناطق المأهولة بالمدنيين المعرضة للهجوم في ليبيا، ومن بينها بنغازي، مع استبعاد تدخل أي قوة احتلال بأي شكل من الأشكال.

ومع هذه السوابق التاريخية، يتضح أن الخطوة الأولى والأهم، والتحدي الأصعب، هي خطوة إنشاء التحالف. ويمكن تخيل مبعوث خاص، مثل مبعوث هزيمة تنظيم الدولة، «بريت ماكجورك»، يحاول أن يجمع تركيا والأردن والسعودية وقطر والكويت والإمارات ومصر وفرنسا وبريطانيا وحلفاء غربيين آخرين، للانضمام معًا إلى تحالف لخلق مناطق آمنة، وفرض منطقة حظر جوي، ومناقشة إطار عمل لعملية عسكرية. بالطبع ستكون بعثة معقدة، لكنها الحل الوحيد الناجع على الأرض. ولن يكون الأمر ببساطة قرار من مجلس الأمن، لأن الصين وروسيا بالطبع سترفضان التعاون.

تحديد وتنفيذ المهمة

يجب تحديد الوضع النهائي كخطوة أولى لأي عملية عسكرية مخطط لها جيدًا. ونظرًا للظروف الجغرافية المعقدة التي تحيط بالصراع في سوريا، والدروس المستفادة من الصراعات التي طالت في الشرق الأوسط، والتي تخيم نتائجها على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، فسوف يكون تحديد الوضع النهائي بشكل واضح أمرا في غاية الأهمية.

الوضع النهائي المأمول في سوريا ينبغي أن يصل إلى قبول «نظام الأسد» والمعارضة الجلوس إلى طاولة المفاوضات السياسية لإنهاء الصراع، والبدء في «حكومة انتقالية» مثلما نص بيان جنيف لعام 2012. وكانت روسيا والولايات المتحدة قد حاولتا التوصل إلى تسوية سياسية كغرض مشترك لوقف الأعمال العدائية في فبراير/ شباط 2016، كما أكدا مضاعفة الجهود للتوصل إلى التسوية السياسية في مايو/ أيار 2016. وعلى الرغم من هذه البيانات، شهد هذا الصيف ذروة العنف، وشمل أغلب العمليات العسكرية حول حلب. ورغم الانهيار السريع لاتفاق 9 سبتمبر/ أيلول بين الولايات المتحدة وروسيا بوقف الأعمال العدائية، إلا أنه من الواضح أن البلدين لديهما مصلحة مشتركة في انتهاء الصراع عن طريق المفاوضات، حتى وإن كانت وجهات النظر مختلفة حول مصير «الأسد». ولكن مع قصف روسيا لقافلة مساعدات وتجدد قصفها لحلب، فإن الأمر يؤكد أن الولايات المتحدة تجد صعوبة كبيرة في التوصل لاتفاق مع لاعب قوي لديه مجموعة مختلفة من الأولويات.

وخرجت اللجنة العليا للمفاوضات التي شكلتها المعارضة السورية بإطار عمل لحل سياسي، وذلك في 7 سبتمبر/ أيلول من هذا العام، لكن المجموعة الدولية لدعم سوريا فشلت في إقناع «نظام الأسد» بالجلوس إلى طاولة المفاوضات. ولا ترغب الولايات المتحدة ولا المجتمع الدولي حتى الآن التهديد باستخدام القوة ضد «نظام الأسد»، على الأقل منذ التهديد بضربة جوية في أغسطس/ آب عام 2013.

ولكن في حال تغيرت القناعات، سوف تكون هناك حاجة إلى منطقة حظر جوي لإجبار «نظام الأسد» بالجلوس على طاولة المفاوضات، بسحب أداة قوة مهمة من النظام. ويستخدم الأسدالهجمات العشوائية على المدنيين والأسواق والمستشفيات والمدارس ضمن أهدافه لجعل الأوضاع في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة غير صالحة للعيش. وفي تقرير للأمم المتحدة في الأسابيع الأخيرة، أعلنت عن وجود «دليل دامغ» على استخدام «نظام الأسد» للأسلحة الكيميائية، بالرغم من إعلان النظام عن تدميره لترسانته الكيميائية من قبل في 2013، ورغم بيان «إدارة أوباما» في 2014، أن إمدادات الأسلحة الكيميائية لدى «نظام الأسد» قد تم تحييدها.

تنهار آمال تنفيذ منطقة حظر جوي بسبب الاعتراضات الروسية. فهناك خطورة لحدوث مواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا إذا قررت أمريكا فرض منطقة حظر جوي. ولكن في الواقع، تملك الولايات المتحدة القوة الجوية الأقوى، وإذا أعلنت عن منطقة حظر جوي، فستلتزم روسيا بها، حيث أنّ المواجهة لن تكون في صالحها. وتتعارض عمليات الولايات المتحدة وروسيا طوال الصراع، مع دعم جهات متعارضة، ويمكن لفرض منطقة حظر جوي أن تتسبب في نشوب نزاعات بين الطرفين، وهو ما يتطلب تبادل بعض المعلومات حول القوى المدعومة لكل طرف، وهذا ما يمثل الجزء الفاشل في اتفاق 9 سبتمبر/ أيلول.

تدل تجارب الولايات المتحدة التاريخية أنّ لديها القدرة على فرض منطقة حظر جوي. ويشير التاريخ أيضًا أن فرض منطقة حظر جوي، نسبيًا، عملية قليلة التكلفة، ولا تقود لعملية برية، حتى وإن تم استخدام القوة لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين، أكثر من إجبار ديكتاتور عدائي لتقديم تنازلات سياسية، كما كان الحال في العراق. ولن يكون تطبيق منطقة حظر جوي بدون مخاطرة، بما يشمل اعتراضات روسيا أو أنظمة الدفاع الجوي الخاصة بالنظام. ولكن مع هذه المخاطر، تشير تجربة الولايات المتحدة التاريخية أن التحدي الأكبر هو بناء تحالف. ولكن بناء التحالف المطلوب لفرض منطقة حظر جوي في سوريا سيكون حملًا ثقيلًا، دبلوماسيًا وسياسيًا، وهو ما يتطلب قرارًا من الإدارة الأمريكية. وبعد 5 سنوات ونصف من القتال في سوريا، فإنّ فرض منطقة حظر جوي ستكون واحدة من مجموعة أدوات لازمة لإنهاء الصراع، لكنها ستكون أداة محورية.

المصدر | أمبركان إنترست

  كلمات مفتاحية

سوريا روسيا بوتين واشنطن حظر جوي بشار الأسد