لماذا اتفقت السعودية وروسيا على خفض إنتاج النفط؟

الأربعاء 5 أكتوبر 2016 08:10 ص

تعاونت روسيا و السعودية في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2016 كإجراء مؤقت لشراء بعض الوقت.

أعلن أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) الأسبوع الماضي الموافقة على خفض إنتاج النفط. وسنرى ما إذا كانوا بالفعل قد توصلوا إلى تفاهم في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني. وقد هللت وسائل الإعلام لهذا الحدث باعتباره بمثابة نجاح لأوبك، التي لم يحصل تعديل لحصص إنتاجها منذ عام 2008، عندما كان عليها التكيف مع السوق في ظل الأزمة المالية وتأثيرها على قطاع الطاقة. ومع ذلك، فقد ساعد نفوذ ودعم روسيا الدولة غير العضو في أوبك في بناء زخم لهذا الأمر.

يبدو العالم اليوم مختلفا جدا عن السبعينيات عندما كانت أوبك تمتلك كفاءة السيطرة على معظم سوق الطاقة. وقد استثمرت الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا لزيادة إنتاج النفط. في حين أن النفط لا يزال مهما، فهو يفقد بعضا من حصته من الاستهلاك العالمي للطاقة. تشير البيانات الأخيرة الصادرة عن منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي إلى استمرار انخفاض التجارة الدولية ومعدلات النمو الاقتصادي، وهذه ليست أنباء طيبة بالنسبة لسوق النفط، نظرا لأن استهلاك الطاقة يعتمد على النشاط الاقتصادي.

سببت الأزمة المالية والاقتصادية في عام 2008 انخفاضا في الواردات الأجنبية، لاسيما في الولايات المتحدة وأوروبا. وكانت الصين هي الأكثر تضررا، حيث إن معظم صادراتها ذهبت إلى الأسواق الأمريكية والأوروبية. وأجبر التباطؤ بكين على استيراد السلع الصناعية بشكل أقل، مما أدى بدوره إلى انخفاض في أسعار النفط، إلى جانب زيادة في المعروض.

منذ عام 2010، أدت الآمال في عودة الاقتصاد مدفوعا بالانتعاش الأمريكي إلى ارتفاع أسعار النفط. وقد انتهت هذه الحالة في عام 2014، مع المشاكل الاقتصادية الجارية في الاتحاد الأوروبي والتفكك السياسي الذي تزامن مع الصراع في أوكرانيا وتصاعد الحرب في سوريا. وقد تراجع الاقتصاد الصيني بسبب مشاكله الهيكلية ولاستمرار الانخفاض في الطلب من الولايات المتحدة وأوروبا. كل هذه العوامل ساعدت على هبوط قطاع الطاقة.

فقدت أوبك الكثير من السيطرة التي كانت لديها على سوق النفط حيث تمثل المنظمة الآن 40% فقط من الإنتاج العالمي للنفط، على الرغم من أن أعضاءها لديهم أكثر من 70% من الاحتياطيات العالمية. وتعد الولايات المتحدة وروسيا والصين (لا يوجد أي منها في أوبك) الآن من أكبر منتجي النفط في العالم وهي دول تؤثر على إجراءات أسعار النفط. وهذا هو السبب في أن صيانة وزيادة الحصص الحالية في السوق هو أمر مهم لأعضاء أوبك، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها الحفاظ على بعض النفوذ على أسعار النفط.

وحسب أحدث تقرير لوكالة الطاقة الدولية، فإن زيادة الإنتاج من قبل السعودية وإيران والعراق و منتجي الشرق الأوسط مثلت 35% من الزيادة في إمدادات النفط العالمية، وهو أعلى مستوى منذ عام 1975. ولكن التقرير يؤكد أيضا أن بعض دول الخليج لديها القدرة على زيادة الإنتاج ولم تفعل ذلك. تباطأ نمو إنتاج إيران بشكل كبير بعد النمو الحاد في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام. وقد تباطأ العراق أيضا وقام بخفض وتيرة الإنتاج بعد إنتاج قياسي في يناير/كانون الثاني 2016. وبالنظر في المخاوف الأمنية وتدمير البنية التحتية، فإنه من غير المحتمل أن يتم زيادة إنتاج النفط قريبا. ويبدو أن السعودية فقط هي التي حافظت على زيادة إنتاجها من النفط.

وقد زادت السعودية إنتاجها لكن في الوقت نفسه تضرر اقتصادها من انخفاض أسعار النفط. حيث تشكل عائدات النفط 90% من ميزانية الحكومة و 40% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وقد شهدت السعودية عجزا قدره 21.6 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015 وما يصل من 3 % في عام 2014، وتأمل الرياض أن يبقى العجز عند 1% في عام 2016. وفي أغسطس/آب، أفيد بأن البنك المركزي السعودي عرض على عدد غير محدد من البنوك في المملكة توفير مع 4 مليار دولار كقروض لمدة سنة واحدة من أجل زيادة السيولة في السوق. لكن 4 مليار دولار هو مبلغ صغير بالنظر إلى حجم اقتصاد البلاد. وتشير القروض أن السعودية قد تصل إلى نقطة حاسمة بسبب انخفاض أسعار النفط في حين أن استراتيجية أوبك التي تركز على الحصص في السوق بشكل واضح لا تؤدي الإسراع في تصحيح سوق النفط.

  روسيا أيضا في موقف مماثل. حيث تشكل صادرات روسيا من النفط أكثر من 50٪ من إيرادات الموازنة، وتدعم النمو الاقتصادي في روسيا. وقد أدى انخفاض أسعار النفط إلى الركود الاقتصادي الثاني لروسيا في أقل من 10 أعوام، في حين لم يتعاف الاقتصاد بعد تماما من تأثير الأزمة المالية في عام 2008. وقد أدى الوضع الاقتصادي المتردي إلى عدد من المشاكل الاجتماعية، مما اضطر الكرملين إلى البحث عن حلول.

وبسبب هذا الوضع، دعمت روسيا فكرة خفض إنتاج أوبك منذ بداية هذا العام وسعت حتى إلى تفاهم مع المملكة العربية السعودية. وعلى هامش قمة مجموعة الـ20 في مدينة هانغتشو، وافقت السعودية وروسيا على إنشاء فريق للتعاون في محاولة لتحقيق الاستقرار في سوق الطاقة المتعثرة.

إن الاتفاق بين موسكو والرياض لا يتماشى مع السياسات الخارجية للبلدين، رغم أنه سوف يمتد إلى مناطق أخرى، بما في ذلك تسهيل التفاهم بين الإيرانيين والسعوديين داخل أوبك. وهناك ما يدل على أن روسيا لن تغير موقفها في الشرق الأوسط. في سوريا، مثلا تواصل موسكو دعم «بشار الأسد» ويواصل السعودييون محاولة الإطاحة به.

وقد أدرك الإيرانيون أنه حتى مع رفع العقوبات، فإن مبيعات النفط لن تكون قادرة على حل جميع المشاكل الاقتصادية. لكن صناعة النفط لا تزال قطاعا رئيسيا لتحقيق منافع فورية، مهما كانت محدودة. ولذلك، فإن الاتفاق بين روسيا والسعودية، وكذلك اجتماع أوبك الأسبوع الماضي يؤديان إلى تفاهم محتمل بين إيران و السعودية، مما يعني أن جميع الدول الثلاث قد وصلت إلى نقطة اتفاق هي أن ارتفاع سعر النفط هو القضية الحقيقية. وهي تصب في جوهر الاستقرار في بلدانهم.

في كل مرة يأتي فيها إعلان إيجابي من أوبك ، يتفاعل السوق عبر ارتفاع أسعار النفط. والمشكلة هي أن مثل هذا الارتفاع قصير الأمد، وليس هناك سبب للاعتقاد بأن هذه المرة ستكون مختلفة. فالسوق لن تسمح بالنمو المستدام. وحتى لو تم تأكيد اتفاق أوبك، فإن تجميد الإنتاج واحتمال ارتفاع أسعار النفط سيكون حافزا قويا لمنصات الحفر في كندا والولايات المتحدة لضخ النفط الأكثر تكلفة من تكلفة منتجي الشرق الأوسط. وسوف يؤدي هذا لزيادة العرض ثم انخفاض الأسعار. ولكن ذلك سوف يستغرق بعض الوقت. لذلك، فإن العمل بين روسيا والسعودية نحو تفاهم أوبك هو في الواقع عملية شراء لما يحتاجونه أكثر وهو الوقت.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

السعودية روسيا أسعار النفط أوبك