قبل نحو شهر من الآن خرج علينا نائب رئيس الوزراء الأردني للشؤون الاقتصادية، جواد العناني، بتصريح لافت قال فيه إن الأردن يُفضل غاز إسرائيل.

ساعتها استغرب الجميع هذا التصريح المثير خاصة مع إصدار البرلمان الأردني قراراً برفض صفقة استيراد غاز دولة الاحتلال، البالغة قيمتها 10 مليارات دولار، واتساع رقعة المعارضة الشعبية والسياسية للصفقة، ورفض أي تطبيع اقتصادي مع الكيان الصهيوني.

لكنّ آخرين قالوا وقتها إن السعر المنخفض ربما يكون هو الذي دفع المملكة لشراء الغاز الإسرائيلي، خاصة وأن العناني أكد أنه أقل كلفة علينا، وأن بلاده تنظر إليه كأحد خيارات الطاقة قليلة الكلفة على بلاده، لقربه جغرافياً.

لكن الكارثة كشفتها الصحف العبرية مؤخراً، حينما نقلت عن مصادر في تل أبيب قولها إن السعر، الذي وافق الأردن على دفعه مقابل الغاز الإسرائيلي، أعلى من سعر الغاز الذي كان يمكن أن يحصل عليه من دول أخرى.

ومن بين هؤلاء الخبير الاقتصادي، دورون بيسكو، الذي قال إن الأردن وافق على شراء غاز إسرائيل بسعر مرتفع مقارنة مع الأسعار السائدة في أسواق العالم، بل إن وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شطاينتس، وصف الصفقة بأنها "إنجاز قومي من الطراز الأول بسبب العوائد الاقتصادية المباشرة، وتعزيز مكانة إسرائيل الجيواستراتيجية، وتحويل البلاد لأول مرة إلى منتجة للغاز".

صفقة الأردن ذكرتني بصفقة تصدير الغاز المصري لإسرائيل، التي أبرمها نظام مبارك مع الكيان الصهيوني في 2005 ولمدة 20 عاماً، بسعر يتراوح بين 70 سنتا و1.5 دولار للمليون وحدة حرارية.

وعقب قيام ثورة 25 يناير اكتشف المصريون أن نظام مبارك كان يبيع الغاز لإسرائيل بأقل من سعر التكلفة، البالغة حينئذ 2.65 دولارين، وأن شركة الغاز الإسرائيلية حصلت على إعفاء ضريبي من هذا النظام لمدة 3 سنوات، وأنه تم تمرير الصفقة رغم اعتراضات نواب مجلس الشعب.

ساعتها ضرب المصريون كفاً بكف، وتساءلوا: كيف يبيع نظام مبارك الغاز بأقل من التكلفة؟ بل وكيف يبيع مبارك الغاز أصلا في الوقت الذي تعاني فيه السوق المصرية من اختناق مستمر بسببه؟ سواء لأغراض الطهو بالمنازل أو الإنتاج بالمصانع.

واكتشف الجميع بعد ذلك المكاسب التي حصدها رموز نظام مبارك من صفقة تصدير الغاز، والتي قدرت بمليارات الدولارات وضاعت على خزينة الدولة.

الشعوب العربية تقاوم عمليات التطبيع السياسي والاقتصادي مع دولة الاحتلال، والحكام يصرون على التقارب مع هذا الكيان. 

ولا أعرف سر تفضيل هؤلاء الحكام إسرائيل، في موضوع الغاز تحديداً، فمرة يفضلون بيع الغاز بأقل من التكلفة، وأخرى بشراء الغاز بأعلى من الأسعار العالمية.

* مصطففى عبد السلام كاتب صحفي ومحرر اقتصادي مصري