استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الساسة يشعلون الحروب والشعوب تدفع الثمن

الاثنين 10 أكتوبر 2016 01:10 ص

يؤكد التاريخ البشري ان الصراعات المسلحة في الاعم الاغلب يقررها «الكبار» ويدفع «الصغار» ثمنها. والاثمان هنا مرتفعة جدا، فهي ليست مادية فحسب، بل بشرية وانسانية واخلاقية. يصدق هذا الادعاء على الحروب التي حدثت ماضيا وتلك التي شهدها العالم في العصر الحاضر.

ونادرا ما تستفتى الجماهير لابداء رأيها حول اشعال النزاعات المسلحة، فهو قرار تتخذه النخب الحاكمة، سواء كانت ديمقراطية ام استبدادية. صحيح ان ديفيد كاميرون عرض اقتراح المشاركة في الحرب السورية على البرلمان في العام 2013، بناء على اجراءات اقترحها سلفه، غوردون براون، ولكن هذا الامر لن يتكرر كثيرا، كما انه حدث في ظروف ساد اللغط فيها عالم السياسة البريطاني بعد ان ورط توني بلير بلاده في حرب العراق، بالاضافة لخشية كاميرون نفسه من تبعات التدخل في منطقة خارج نطاق النفوذ البريطاني. 

والحرب في سوريا التي تدور رحاها منذ خمسة اعوام، هي الاخرى، لا يمكن ان تخدم مصالح شعبها، خصوصا بعد ان اصبحت حربا بالوكالة تشارك فيها اطراف كثيرة. ولا يمكن فصل ما يجري في الشام عن صراع النفوذ والمصالح بين الدول الكبرى والاقليمية. وما كان لهذه الحرب ان تتوسع لو امتنعت الاطراف الخارجية عن التدخل، سواء الدول ام المجموعات ام الافراد.

واهداف هذه الحرب لم تعد محصورة بتطوير النظام السياسي فيها، بل انها تتعدد بتعدد الاطراف المشاركة. ولا يعتقد انها تهدف لتحقيق اصلاح سياسي للنظام السوري، إلا المغفلون الذين يعتبرون توسعها امتدادا للاحتجاجات التي انطلقت في ذروة الربيع العربي قبل اكثر من خمسة اعوام. فلكل من الاطراف والمجموعات هدفه المتميز.

البعض يضفي عليها طابعا مذهبيا، والآخر يعتقد انها صراع نفوذ بين القوى الاقليمية، والثالث يرى انها تحولت إلى محاولة لاعادة بناء التوازن الاستراتيجي في المنطقة، والرابع يربطها بالسعي الغربي لحماية الكيان الاسرائيلي بتدمير آخر محاور المقاومة. كما لا يمكن فصلها عن سعي روسيا للحفاظ على ما بقي لها من نفوذ في الشرق الاوسط. والخامس يروج حسن النوايا الأمريكية والبريطانية والحرص على الدفاع عن الشعب السوري وضمان حقوقه.

الأمر المؤكد ان مصالح الشعب السوري هي آخر ما يسعى الفرقاء لتحقيقه. فالمنطق السوي يرى ان الكارثة الإنسانية التي تعرض لها هذا الشعب تفوق كثيرا الثمن المعقول لما قد يتمخض عنها من منافع. فقد قتل اكثر من 300 الف من السوريين، واضطر اكثر من سبعة ملايين للنزوح، وهاجر اكثر من مليون إلى خارج الحدود. كما اكتظت المخيمات باللاجيئن السوريين في العراق والاردن ولبنان وتركيا. الحرب السورية اصبحت كارثة على الشعب السوري اولا وعلى الامتين العربية والإسلامية ثانيا، وعلى الإنسانية ثالثا.

كما ان حضارة الشام وتاريخه تعرض لدمار واسع، بالاضافة لتدمير الهوية التاريخية لهذا البلاد الموغل في التاريخ البشري. لكن ماذا عما يجري في العراق؟

فما حدث في ارض الرافدين لا يقل عما يجري في بلاد الشام، من قتل وتمزق وحرب على الهوية واستهداف للسيادة. يجري ذلك بمرأى العالم ومسمعه. وما يزال العراق بانتظار المزيد من الصراعات الدموية، والتهديد المتواصل بالتمزيق والتفتيت. ولا يستطيع من ينظر بعين باصرة التغاضي عن المحاولات المتواصلة لتفتيت هذا البلد الكبير الذي تعايش اهله قرونا واحتضنوا الاختلافات العرقية والدينية والمذهبية بدون ان تؤثر على الكيان الجامع لها جميعا. واذا كان بالامكان طرح الانتماء المذهبي كواحد من عوامل الصراع في العراق والشام، فماذا عن ليبيا المهددة، هي الاخرى، بالتفتيت؟ 

وماذا عن السودان الذي كان اولى تجارب التقسيم والمهدد بتقسيم آخر بسبب الصراع المحتدم في دارفور. وهل يمكن اعتبار اليمن خارج هذا المسلسل؟ فهذا البلد يعاني، هو الآخر من حرب مدمرة امتدت قرابة العشرين شهرا ارتكبت خلالها جرائم حرب شنيعة (وآخرها ما حدث يوم السبت الماضي عندما قصفت قوات التحالف بقيادة السعودية مجلس عزاء وسط العاصمة، صنعاء، وقتل حوالي مائة شخص وجرح اكثر من 500).

وأصبحت قطاعات واسعة من شعبها مهددة بالمجاعة. اليمن، هو الآخر، مكون اساسي لأمتي العرب والمسلمين، بتاريخه وثقافته وموقعه الاستراتيجي. مع ذلك تتواصل الحرب فيه بدون توقف، وتتواصل معاناة شعبه على كافة الصعدان: الإنسانية والسياسية والاقتصادية.

من يصنع الحروب؟ ولماذا تم تغييب الشعوب جملة وتفصيلا عن القرارات التي تؤثر على مصائرها؟ وهل يمكن ربط ما يحدث في بلدان العرب عما حاولت شعوبها تحقيقه حين انتفضت من اجل الحرية؟ أليس ما تعانيه ثمنا باهظا لمحاولة لم يكتب لها النجاح؟ 

أربعة عناوين عريضة تطرح لتفسير ما يجري في المنطقة اليوم. الصراع الأمريكي ـ الروسي، الخلافات المذهبية، الحرب على الإرهاب، السباق من اجل النفوذ الاقليمي بين إيران والسعودية. ويمكن دعم كل من هذه الاطروحات بوقائع يومية من شوارع بغداد ودمشق وحلب وسرت ودارفور وتعز لتأكيد واحد او اكثر من العناوين المذكورة.

وفي الوقت نفسه يمكن تفنيد هذه الدعاوى او تأكيدها. الامر الذي يقره الكثيرون ان شعوب الامة هي التي تدفع الثمن، بينما تتمتع حكوماتها بحالة استقرار كادت تفقدها في ذروة الربيع العربي. وفي الوقت نفسه يمكن دحض اغلب المقولات التي تنسب احتدام الصراع لابناء الامة، بدعاوى الاختلافات الدينية او المذهبية. فلم يكن هناك صراع ديني حاد بين المسلمين او المسيحيين قبل الربيع العربي وخلاله، ولا تتضمن ذاكرة الجيل الحاضر مصاديق لصراع مذهبي في التاريخ المعاصر، بلغ هذه الحدة الدموية. كما ان التوازن الاستراتيجي بين القوى الكبرى ليس محصورا بتواجدها في بعض مواقع الصراع خصوصا سوريا والعراق.

اما الحرب على الإرهاب التي اعلنتها الولايات المتحدة قبل خمسة عشر عاما، فلا توجد مصاديق في الصراعات المحتدمة لتأكيد جدية الفرقاء في التصدي لها. بل ربما العكس هو الصحيح. فقد توسعت دائرة الإرهاب والعنف كثيرا وتجاوزت ما كان يحدث قبل 11 سبتمبر. والاهم من ذلك، انه إذا كانت الحرب على الإرهاب قد انطلقت بهدف تدمير تنظيم «القاعدة» فان الوسائل التي انتهجت في السنوات الخمس الاخيرة بدأت تؤتي ثمارا عكسية.

فقد اعتبر الكثيرون ان ظاهرة «داعش» مفتعلة بهدف جر البساط من تحت تنظيم «القاعدة» الذي صاغ ايديولوجيته على اساس استهداف الغرب بشكل مباشر، وجسدت عمليات 11 سبتمبر ذلك التوجه بشكل لا يقبل التأويل. وطرحت نظرية مهمة لم يلتفت لها الكثيرون مفادها ان الهدف من تشكيل ذلك تنظيم «داعش» في اساسه القضاء على القاعدة التي اسسها اسامة بن لادن، وذلك باعادة توجيه بوصلة الإرهاب باتجاه الداخل العربي والإسلامي، وابعادها عن استهداف الغرب. وثمة مؤشرات ظهرت مجددا بان القاعدة بدأت تجدد نفسها وتستعيد اهدافها الاساسية باستهداف الغرب.

فقد ظهرت نداءات متكررة من زعيمها الجديد، حمزة بن اسامة بن لادن، تؤكد ذلك المنحى. وقد فهم الغربيون ذلك، فاصبحوا اقل حماسا لاستهداف المجموعات المسلحة التي تتبنى ايديولوجية «داعش». وهذا واضح في السياسات الغربية في كل من العراق وسوريا. وما استهداف تركيا بالمحاولة الانقلابية الفاشلة إلا احد جوانب استراتيجية مضطربة ابتدأت باعلان الحرب على الإرهاب، ثم دعمت مجموعات التطرف التي تستهدف وحدة الامة بسياساتها العنيف، ثم اصبحت تستهدف تلك المجموعات حين بدأت تستهدف الدول الغربية (بلجيكا وفرنسا وبريطانيا). 

ويبدو ان تلك المجموعات جمدت توجهاتها ضد الغرب وعادت للتوجه نحو الداخل العربي والإسلامي. ولذلك يمكن اعتبار عودة الحياة لتنظيم القاعدة بداية مقلقة جدا للاستراتيجية الغربية.

ماذا يعني ذلك؟ ان السياسات التي انتهجت في السنوات الخمس الاخيرة ربما وصلت نهايتها بعد ان احدثت اضرارا واسعة بالامتين العربية والإسلامية. لكن آثارها لم تنحصر هنا، بل ان الغرب بدأ يشعر ان تلك السياسات ربما أدت لنتائج عكسية، وان صياغة السياسات وفقا لمصالح آنية بعيدا عن المباديء والقيم لا تمثل حنكة، بل يمكن اعتبارها خيانة للقيم وغدرا بالمبادئ.

وثمة مسألة جوهرية يفترض ان تتبوأ موقعا متقدما في الاستراتيجيات الغربية، وهي ان إضعاف كيانات المسلمين سواء بالعنف والإرهاب ام تغييب ارادات الشعوب ومنع الحرية والديمقراطية، والتنكر لقيم حقوق الانسان، وعدم التصدي للعدوان والاحتلال او عدم الدعوة لوقف الحروب، انما يوفر بيئات مناسبة لتنامي التطرف والعنف، ويعمق الشكوك حول الغرب وسياساته.

فمن اسباب الظواهر السلبية في العالم العربي غياب القيادات السياسية والدينية القادرة على توجيه الطاقات نحو البناء والتطور واقامة منظومات سياسية وانسانية تبث الأمن والاستقرار في النفوس، وتوجه طاقات الشباب نحو الخير والبناء.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب وأكاديمي بحريني.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

سوريا العراق احتلال العراق العالم الإسلامي 11 سبتمبر الدولة الإسلامية الاستبدادن الاحتلال