«فورين أفيرز»: خطيئة الكونغرس.. كيف سيضر «جاستا» بالعلاقات الخارجية الأمريكية؟

الأربعاء 12 أكتوبر 2016 06:10 ص

في استعراض نادر للغاية من الحزبين، أصدر الكونغرس في 28 سبتمبر/أيلول الماضي قانون العدالة من أجل رعاة الإرهاب (جاستا). ويشار إلى هذا المشروع شعبيا باسم مشروع قانون 11 سبتمبر نظرا لأنه يسمح لعائلات ضحايا سبتمبر/ أيلول بمقاضاة المملكة العربية السعودية للحصول على تعويضات مالية. ولكن من الناحية العملية فإن «جاستا» لا يقتصر على ضحايا 11 سبتمبر/أيلول، كما أنه لا ينحصر في دولة أجنبية معينة. يسمح القانون لأي مواطن أمريكي بمقاضاة أي دولة أجنبية عن أي من الأعمال الإرهابية التي تقع على الأراضي الأمريكية.

أقر الكونغرس «جاستا» رغم الاحتجاج القوي من البيت الأبيض والحكومات الأجنبية، وكبار رجال الأعمال، ومؤسسة الأمن القومي الأمريكي. حذر الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» من أن «جاستا» يعرض أفراد الجيش والمخابرات الأمريكية لدعاوى قضائية في المحاكم الأجنبية، كما أنه يضعف علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها الرئيسيين. ووصفت الإدارة القانون بأنه الشيء الأكثر حرجا الذي يقوم به الكونغرس منذ عقود. وسارع «أوباما» إلى استخدام حق النقض، الفيتو، ضد مشروع القانون. وكانت هذه هي المرة الأولى في إدارته التي يتجاوز فيها الكونغرس حق النقض.

وقد أعرب بعض أعضاء الكونغرس بالفعل مبكرا عن ندمهم على «جاستا»، خاصة بعد تجاوز فيتو «أوباما» الذي أثار عددا كبيرا من التحليلات حول مدى تأثير المشروع على الأمن القومي الأمريكي. بعد تجاوز الفيتو مباشرة، نشر 28 عضوا من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين خطابا إلى رعاة مشروع القانون ينص على رغبتهم في تخفيف العواقب المحتملة للمشروع على الأمن القومي الأمريكي والسياسة الخارجية الأمريكية. وقال اثنان من كبار الجمهوريين في الكونغرس، هما زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ «ميتش ماكونيل» ورئيس مجلس النواب «بول ريان»، بشكل منفصل أنهما منفتحان على تغيير التشريع. وقال «ريان» أنه يرغب في «حماية جنودنا في الخارج من أي انتقام محتمل». وقال «ماكنويل» أن الساسة ركزوا بشكل زائد على احتياجات أسر 11 سبتمبر/أيلول ولم يبذلوا ما يكفي من الوقت للتفكير في التأثير السلبي للقانون على العلاقات الدولية. وبسبب الإحباط، بدا أن كلا من الكونغرس والبيت الأبيض في تبادل اللوم. ومع انتهاء دورة انعقاد الكونغرس، فإن الأمل أن «جاستا» سوف يتم تعديله في دور الانعقاد بعد انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني.

وبطبيعة الحال، لم يكن تحليل التكلفة والعائد بالنسبة إلى هذا القرار أمرا بسيطا. هناك عوامل سياسية تدخل في هذه اللعبة. لا أحد يريد أن يبدو أنه يصوت ضد أهالي ضحايا 11 سبتمبر/أيلول، وهذا هو السبب في أن «أوباما» الذي لا يمكن إعادة انتخابه لم يجد حرجا في استخدام حق النقض ضد المشروع. أثناء الحملات الدعائية، يمكن أن يصنف مثل هذا التصويت على أنه تعاطف مع الإرهاب. هناك أهمية رمزية لـ«جاستا» أيضا، وهذا هو السبب في أن مشروع القانون من المرجح أن يستمر حتى لو سعى المجلس لتعديل بعض بنوده.

مبدأ الحصانة السيادية

ومع ذلك، وقبل أن يتم إجراء أي تعديل، فإن الكونغرس والجمهور الأمريكي بحاجة إلى الاعتراف بوجود إشكاليات خطيرة في القانون بشكله الحالي. واقعيا، يوفر مشروع القانون فرصا ضئيلة للغاية في التوصل إلى أحكام قابلة للتنفيذ لصالح أسر الضحايا. إلا أنه على النقيض له عواقب سلبية واسعة النطاق تمس السياسة الخارجية للولايات المتحدة نظرا للدور العالمي للولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب. ومن المفارقات، أن قانونا يعمل اسم «العدالة من أجل رعاة الإرهاب» من شأنه أن يقوض جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب في الخارج لأنه يفتح الباب للمواطنين من دول أخرى لاستهداف الأفراد الأمريكيين بتهم مماثلة في المحاكم الأجنبية.

كما لاحظ «أوباما» وغيره من خبراء السياسة الخارجية، فإن «جاستا» يقوض مبدأ الحصانة السيادية للدول، وهو مبدأ عرفي في القانون الدولي. وتعني الحصانة السيادية أن الدول لا تخضع لدعاوى قضائية في الدول الأجنبية. هذا النوع من الاحترام المتبادل يسمح بوجود نظام دولي منظم وسلمي. اعترفت الولايات المتحدة نفسها بمبدأ الحصانة السيادية في عام 1812. في عام 1908، استولى الفرنسيون على سفينة مملوكة لاثنين من الأمريكيين هما «جون ماكفادون» و«وليام جريثام». وعندما رست السفينة لاحقا في فيلاديلفيا، حاول الأمريكيان استعادتها من خلال رفع دعوى قضائية في المحاكم الأمريكية. في نهاية المطاف، وجدت المحكمة العليا أن المحاكم الأمريكية ليست مختصة بنظر الدعوى. من وجهة نظر القاضي «جون مارشال»، كانت الحصانة مهمة لأجل استمرار العلاقات الدولية.

حتى القرن العشرين، كانت الحصانة السيادية مطلقة تقريبا. ولكن أنشطة الحكومات والشركات التابعة لها صارت أثر تشابكا. وقد استفادت بعض الشركات الخاصة من الميزة غير العادلة للحصانة الدولية. تدريجيا، اعتمدت الولايات المتحدة على نهج أكثر تقييدا حيث ظلت الدول تتمتع بالحصانة في الأمور المتعلقة بالأنشطة العام وليست النشاطات التجارية الخاصة. في عام 1976، أصبحت الولايات المتحدة أول دولة تقنن الحصانة السيادية من خلال النظام الأساسي بدلا من العرف. اعترفت الاتفاقية الأوروبية للحصانة السيادية واتفاقية الأمم المتحدة لحصانات الولاية القضائية للدول بالمبدأ أيضا على الرغم من أن هذه الأخيرة ضعفت بعدم التصديق عليها في عام 2004.

ومع ذلك، على مدى العقود القليلة الماضية، فإن هناك فكرة مخادعة بدأت تكتسب شعبية في الكونغرس: يجب أن يكون ضحايا الإرهاب قادرين على الحصول على تعويضات مدنية في المحاكم الأمريكية على حساب الدول الأجنبية المسؤولة. وبعبارة أخرى، ينبغي على الدول الأجنبية التي ترعى الإرهاب الدولي عمدا ضد مواطني الولايات المتحدة ألا تتمتع بحماية الحصانة السيادية في الولايات المتحدة. في عام 1996، واستجابة لنداءات من قبل أفراد أسر ضحايا تفجير البحرية الأمريكية في بيروت عام 1983، عدل الكونغرس قانون الحصانات السيادية للدول الأجنبية باستثناء «الإرهاب الذي ترعاه الدول». تم تمرير التعديل بدعم واسع من الحزبين رغم احتجاجات السلطة التنفيذية. تم تطبيق تعديل عام 1996 فقط على الدول التي وضعتها وزارة الخارجية على قائمة الدول الراعية للإرهاب. وهذا يعني أن البيت الأبيض لا يزال يحدد مضمون تلك القائمة التي تضم اليوم إيران والسودان، وسوريا.

استثناء الإرهاب من الحصانة السيادية يبدو مثيرا للجدل. استفادت الولايات المتحدة وكندا فقط من هذا الأمر في مساءلة الدول موضع الاتهام. إيران والولايات المتحدة في الوقت الراهن في خلاف حول هذه المسألة بالذات في محكمة العدل الدولية. زعمت إيران أن الولايات المتحدة انتهكت مبدأ الحصانة السيادية عندما اعتبرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة أن أصول الكيانات المملوكة للدولة الإيرانية في البنوك الأمريكية يمكن اغتنامها لدفع ثمن الأضرار المدنية.

إشكاليات كبرى

ولكن «جاستا» أسوأ من ذلك. من الناحية الداخلية، فإن جاستا ينزع صلاحية السلطة التنفيذية في تحديد الدول التي يتم استثناؤها. بموجب قانون حصانات السيادة الأجنبية، اعتمدت المحاكم على قائمة وزارة الخارجية للدول الراعية للإرهاب. تحت حكم «جاستا»، يمكن إقامة الدعوى ضد أي دولة حتى لو كانت حليفا للولايات المتحدة. من ناحية أخرى فإن «جاستا» يتطلب أعباء كبيرة لإثبات مسؤولية أي دولة عن القيام بأعمال إرهابية على الأراضي الأمريكية وهو أمر صعب للغاية، و يتطلب مساعدة من المخابرات الأمريكية وقد يعطي المدعين سلطة الحصول على أوامر قضائية لإجبار الحكومات الأجنبية على تسليم وثائق داخلية. ونظرا لكون «جاستا» يوسع مفهوم «الدول الراعية للإرهاب» ليشمل أي دولة أجنبية مسؤولة عن أي من الأعمال الإرهابية على الأراضي الأمريكية، فإن يفوض المحاكم في تحديد الدول الواقعة تحت استثناء الإرهاب.السماح للأحزاب والتجمعات بجر الدول الأجنبية إلى المحكمة يقوض بشكل خطير شرعية استثناء الإرهاب من الحماية الدولية للحصانة السيادية.

يضع القانون أيضا المحاكم الأمريكية في مسؤولية دقيقة عن تحديد مسؤولية الدول الأجنبية عن قضايا الإرهاب الدولي. في مسائل السياسة الخارجية، غالبا ما توكل المحاكم الأمور إلى الفروع التنفيذية والتشريعية. يعطي «جاستا» القاضي حق توقيف الدعوى إذا قررت وزارة الخارجية أن الدولة المعنية تنخرط في محادثات بحسن نية بتوفيق أوضاعها. وهذا يعطي السلطة التنفيذية فرصة كبيرة لتأجيل الدعوى إلى أجل غير مسمى، ولكنه يثير احتمال صراع على السلطة بين مختلف أفرع الحكومة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن «جاستا» لا يحل المشكلة الرئيسية في حالات التعويض وهي الاستيلاء على الأصول السيادية للدول في الولايات المتحدة. لا يوجد نص في «جاستا» يعطي المحكمة الاتحادية سلطة فرض تسليم الأصول. الضمانة الوحيدة للضحية الذي يسعى اللجوء إلى هذا الخيار هو معركة قانونية طويلة. في الواقع، هناك فرصة ضئيلة للتوصل إلى حل ناجح أو دفع تعويضات.

الأمر الأقل وضوحا، والأكثر خطورة في نفس الوقت، هو التداعيات الدولية للقانون بالنسبة للولايات المتحدة. على الرغم من أن العديد من المسؤولين عن أحداث 11 سبتمبر/أيلول كانوا من السعوديين، إلا أن «جاستا» لم يسم السعودية بشكل مباشر. يتحدث القانون عن إزالة الحصانة السيادية لأي دولة أجنبية يزعم ارتكابها لأي عمل من أعمال الإرهاب الدولي في الولايات المتحدة. ونظرا لأن مبدأ الحصانة السيادية يعتمد على المعاملة بالمثل، يمكن لأي دولة أن تقوم بإلغاء الحصانة السيادية للولايات المتحدة.

وكان السعوديون قد احتجوا بالفعل بقوة ضد القانون، وهددوا ببيع 750 مليار دولار من أذون الخزانة حال تمريره. وعلى الرغم من أنهم لم يقدموا بعد عل تنفيذ تهديدهم، يمكن للسعوديين القيام بعدد كبير من الأشياء الأخرى لتعقيد أو إضعاف الولايات المتحدة على صعيد السياسة الخارجية. على سبيل المثال، فإن بإمكانهم رفض إعطاء أذونات التحليق للطائرات الأمريكية التي تسافر من أوروبا وآسيا إلى القاعدة الجوية في قطر. كما يمكن أن تقلل الرياض التعاون ضد الأنشطة الإرهابية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

الأكثر إثارة للقلق أن العديد من حلفاء الولايات المتحدة يمكن أن ينسحب عليهم القانون أيضا. وأشار وفد الاتحاد الأوروبي إلى أن انتقاص الولايات المتحدة لمبدأ الحصانة السيادية يمكن أن يشجع الدول الأخرى على العمل بالمثل مما يفرض أعباء على النظام الدولي ككل. وأشار أحد أعضاء البرلمان الفرنسي إلى سن تشريع يسمح للمواطنين الفرنسيين برفع دعوى قضائية ضد الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك بعض البلدان التي قد تحد من استثماراتها في الولايات المتحدة للحد من مخاطر تعرضها للمصادرة القانونية من قبل المحاكم الأمريكية. هذا يمكن أن يحجم قدرة الولايات المتحدة على فرض عقوبات اقتصادية، والتي تعتمد على موقف الدولار الأمريكي كعملة احتياط عالمية. يتطلب بذل جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب أيضا التعاون من الحلفاء، من الوصول إلى قواعد أجنبية إلى توافق في الآراء بشأن فرض عقوبات اقتصادية على الدول الخارجة عن القانون. أي شيء يجعل الأمر أكثر صعوبة في الحصول على تعاون الدول، فإنه يقوض أداة رئيسية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

وقد كشف التاريخ أن التهديدات بإلغاء الحصانة السيادية ليست فارغة. إيران وكوبا، وكلاهما من الدول المصنفة في قائمة رعاية الإرهاب، وتخضعان لاستثناء الإرهاب بموجب قانون حصانة السيادة الخارجية، تسمحان لمواطنيها بمقاضاة الولايات المتحدة عن انتهاكات حقوق الإنسان والتدخل في الشؤون الداخلية. وقد ورد أن المحاكم في البلدين أصدرت أحكاما تطالب بمليارات الدولارات من الولايات المتحدة. ونظرا لأن واشنطن تنخرط في تدابير مكافحة الإرهاب في عدد من الولايات القضائية الأجنبية، يمكن لـ«جاستا» أن يعرض المسؤولين الأمريكيين لولاية محاكم أجنبية غير ودية. في الواقع وبعد تجاوز الفيتو ضد «جاستا»، ظهرت على تويتر صور لسجناء عراقيين عرايا في سجن أبو غريب مع تعليق أن «العراق وأفغانستان في انتظار تطبيق جاستا حتى يمكنهما أيضا مقاضاة الولايات المتحدة».

البدائل

وباختصار، فقد أصدر الكونغرس قانونا قصير النظر بشكل ملحوظ مع عواقب دولية عميقة. المهمة القادمة سوف تكون تخفيف الخطر الذي يمثله «جاستا» على السياسة الخارجية الأمريكية. قد يقرر الكونغرس حصر القانون على المملكة العربية السعودية، ولكنه ساعتها يجب أن يتذكر عواقب المحاولة السابقة السيئة لسن تشريع يستهدف دولة خليجية. في عام 2006، حاول موانئ دبي العالمية، وهي شركة مملوكة لدولة الإمارات العربية المتحدة شراء حق إدارة ستة موانئ أمريكية رئيسية. أثارت الصفقة ضجة في الكونغرس بين الجمهوريين والديمقراطيين، الذي شرعوا في سن قانون لتأخير عملية البيع. في نهاية المطاف تراجعت مواني دبي عن الصفقة. ولكن المسؤولين في دبي شعروا بإهانة عميقة، وعززت الصفقة الشعور بأن هناك تزايد كبير في المشاعر المعادية للعرب والمسلمين في الولايات المتحدة.

في المقابل، يمكن للكونغرس أن يمنح الرئيس حق استثناء بلدان معينة من تطبيق «جاستا» لدواع تتعلق بالأمن القومي. ولكن على الرغم من أن هذا التعديل من شأنه أن يمنع المدعين من رفع دعاوى قضائية وفقا للقانون، فإنه لن يمنع الدول الأخرى من سن تشريعات مماثلة دون ضمانات مماثلة.

يبقى الحل البدهي الأوحد هو إلغاء القانون. يمكن للكونغرس أن يفطن ببساطة إلى خطأ القانون ويقم بإلغائه خلال دور الانعقاد التشريعي القادم من أجل تجنب الإضرار بالمصالح الأمريكية في الخارج لسنوات قادمة.

المصدر | فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

السعودية جاستا 11 سبتمبر أوباما الكونغرس إيران الولايات المتحدة