نظراً إلى دوافعه الغامضة، فإن قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب «جاستا»، قد ووجه برفض دولي، ابتداءً من الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي مروراً بروسيا وبقية بلدان العالم، كما أن الانتقاد جاء من داخل الولايات المتحدة نفسها، إذ إنه رغم تركيز الإعلام على استهداف السعودية، فإن مواده يمكن أن تسري على أي دولة دون استثناء، إذ يركز الجميع على نقطة جوهرية، وهي أن هذا الإجراء يعتبر خرقاً فاضحاً للقانون الدولي ولسيادة الدول، وهو يأتي من دولة تدّعي قيادتها للعالم وحفاظها على تطبيق القانون الدولي واحترامه.
بالإضافة إلى الجوانب القانونية والسياسية، فإنه سيترتب عليه جوانب اقتصادية لا تقل أهمية، إن لم تكن أكثرها أهمية، والتي لم يتم تناولها بصورة مُفصّلة حتى الآن، إذ من المعروف أن أهم دافع للاستثمارات، هو الثقة، حيث يهز القانون الجديد الثقة التي تتمتع بها واشنطن في أوساط المستثمرين من دول وأفراد، بدليل حجم الاستثمارات الأجنبية في سندات الخزانة الأميركية البالغة 6.25 تريليون دولار، حيث يمكن مصادرة هذه الاستثمارات تحت أي حجة يبررها المشرع الأميركي، وهي مسألة خطيرة للغاية، إذ إن ذلك يخلق نوعاً من الرعب ويحول الولايات المتحدة إلى دولة غير جديرة بالثقة الاستثمارية رغم تصنيفها الائتماني العالي.
الملاحظ في السنوات الأخيرة ازدياد مصادرة واشنطن للاستثمارات الأجنبية وفرضها غرامات مبالغ فيها لأسباب غير مقنعة، فشركة «بي. بي» البريطانية تم تغريمها قبل عامين 20 مليار دولار بسبب التسرب النفطي في خليج المكسيك، كما يدور جدل حاليا حول تغريم «دوتش بنك» الألماني 14 مليار دولار بسبب ما سمي «خروقات»، مما أدى إلى انهيار سعر سهم البنك.
الأمثلة كثيرة، وهي تعبر عن حاجة الولايات المتحدة إلى الأموال بسبب الارتفاع الهائل للدين العام الذي لا قاع له، وينمو بمعدلات كبيرة ليتجاوز حالياً حجم الناتج المحلي الإجمالي ويُقدر بأكثر من 20 تريليون دولار، مما يعبر عن وضع مالي خطير للغاية ويهدد بأزمة أميركية وعالمية جديدة، حيث تحاول واشنطن تحاشي الإفلاس.
في الوقت نفسه، فإن تطبيقه يمكن أن يدفع دولاً أخرى إلى معاقبة واشنطن ومصادرة أموالها، مما سيحول النظام المالي العالمي إلى غابة تسودها فوضى عارمة لا يمكن التنبؤ بعواقبها. هذا ما يتعلق بالولايات المتحدة، أما بالنسبة إلى البلدان والمؤسسات المستثمرة هناك، فإن الأمر يبدو أكثر خطورة وتعقيداً.
فالاستثمارات السعودية العامة والخاصة في أميركا على سبيل المثال تتراوح ما بين 750 مليار إلى تريليون دولار، وإذا أضيفت إليها الاستثمارات الخليجية، فإن هذا المبلغ سيتضاعف، فهناك 230 مليار دولار استثمارات خليجية في سندات الخزانة الأميركية، حيث يمكن وفق هذا القانون تجميدها، وهو ما قد ينطبق على الاستثمارات الصينية والهندية والروسية والأوروبية، أو استثمارات أي دولة أخرى في العالم.
ومع أن المستهدف حالياً، كما يتضح هي الاستثمارات الخليجية، فإن أذرع القانون ومواده ممكن أن تطال الآخرين وفق الحاجة. صحيح أن الولايات المتحدة القوة الاقتصادية الأولى في العالم، إلا أن التفكير الحكيم يشير إلى أن ميزان القوى الدولي يتحرك لغير صالحها، كما أنه لا يمكنها منفردة مواجهة الجميع.
تبقى مسألة مهمة، وهي أن الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة مستهدفة، هذه مسألة واضحة جداً، وذلك دون سند قانوني أو منطقي.
فدول مجلس التعاون تعاني أكثر من غيرها من الإرهاب، كما أنها أفضل من يتصدى له، وهي الوحيدة التي تمول برنامج مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة، مما يعني أن اتهامها هو مجرد مسرحية هزيلة ومضحكة، خصوصاً أن اللجان الأميركية المتخصصة نفسها برّأت دول الخليج من هذه التهمة السخيفة.
هناك طريق آخر يمكن أن تسلكه واشنطن لمعالجة أزماتها المالية غير مصادرة الأموال، وهو بث روح الثقة وجذب الاستثمارات، مما سيساعدها على حل مصاعبها الاقتصادية الهيكلية، أما توجهها الحالي، فإنه سيعقّد من مشاكلها ومشاكل الآخرين ويعرّض الاقتصاد الدولي للخطر.
* د. محمد العسومي خبير ومستشار اقتصادي