«نيويورك تايمز»: صعود «بن سلمان» يحطم عقودا من التقاليد الملكية.. والأمير الشاب يتطلع لخلافة والده

الأحد 16 أكتوبر 2016 04:10 ص

خفض الأمير الشاب ميزانية الدولة، وجمد العقود الحكومية، وخفض أجور موظفي الخدمة العامة، وأجرى تدابير تقشفية واسعة بفعل انخفاض أسعار النفط.

ولكن بالعودة إلى العام الماضي، رأى الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد يختاً لا يقاوم.

وخلال رحلة استجمام في جنوب فرنسا، جذب اهتمام الأمير يخت بطول 440 قدم يطفو على الساحل. وعرض الأمير شراء اليخت فورا من مالكه الروسي «يوري شفلر»، وتمت الصفقة خلال ساعات بقيمة 500 مليون يورو، وتم نقل ملكية اليخت خلال نفس اليوم.

يوجد هنا تناقض صارخ، فالأمير البالغ من العمر 31 عاماً، يحاول الآن قلب التقاليد، وتغيير شكل الاقتصاد وتوطيد سلطته. وفي أقل من عامين، أثبت أنه الشخص الملكي الأكثر ديناميكية في أغنى دولة عربية، وأصبح منافساً قويا محتملا على العرش.

لدى الأمير يد وبصمة في كل سياسات السعودية تقريبا، من حرب اليمن التي كلفت المملكة مليارات الدولارات وأدت إلى انتقادات عالمية بسبب مقتل مدنيين، إلى الدفع باتجاه تغيير عادات الإنفاق الحر في السعودية لكبح جماح إدمان النفط، كما بدأ حزمة من إجراءات تخفيف القيود الاجتماعية التي تكبل الشباب.

حطم صعود الأمير عقودا من التقاليد الملكية، والتي ظلت لوقت طويل تحترم الأقدمية وتشارك السلطة. فلم يتمتع من قبل ولي ولي عهد سعودي بهذا القدر من السلطة الواسعة على حساب ولي العهد، وهذا بالتأكيد يغضب الكثيرين في الأسرة الحاكمة.

ودعا ذلك الوضع لاعتقاد الكثير من السعوديين والمسؤولين الأجانب أنّ طموح الأمير لا يقتصر على تحول السعودية، ولكن يصل إلى الرغبة في الإطاحة بابن عمه البالغ من العمر 57 عاما، ولي العهد «محمد بن نايف»، ليصبح هو الملك القادم. وإذا نجح في ذلك، فربما تشهد المملكة لأول مرة في تاريخها ملكاً يحكمها لعشرات السنين.

ويتمتع «بن نايف»، وهو وزير الداخلية وقائد الحرب على الإرهاب منذ وقت طويل، بروابط قوية مع واشنطن، ودعم العديد من أفراد الأسرة الحاكمة الأكبر سنا. لكن العديد من السعوديين والأمريكيين يقولون بأن الأمير «بن سلمان» قد اتخذ خطوات لإضعاف الأمير «بن نايف».

هذا ما جعل الأمريكيين يلعبون على الحبلين بعمل علاقات مع كلا الرجلين بسبب عدم التأكد أي منهما سيعتلي العرش في النهاية. ورأى البيت الأبيض علامة مبكرة في أواخر عام 2015 تظهر طموحات كبيرة للأمير الشاب، حيث قام بكسر البروتوكول ووجه انتقاداا لفشل السياسة الخارجية الأمريكية، خلال لقاء بين أبيه الملك والرئيس «أوباما».

ويتمتع الأمير الشاب بإعجاب الكثير من الشباب في المملكة الذين يعتبرونه ممثلا عن أفكارهم. وقد رسم له الإعلام السعودي صورة الأمير الذي يعمل بكد من أجل المملكة بعيدا عن ترف الملوك. بينما يراه آخرون متعطشا للسلطة، يعرض استقرار البلاد للخطر بتغيير الكثير بسرعة كبيرة.

والسؤال الذي لم يجد إجابة حتى الآن، هل سينجح الأمير في رسم مسار جديد للمملكة، أم لا.

توتر على القمة

مبكرا هذا العام، وأثناء عطلته بالجزائر، تصرف الأمير «محمد بن نايف» على نحو مختلف. فقد اختفى لأسابيع، ولم يرد على الرسائل أو الهاتف، ولم يستطع المسؤولون المحليون أو الأجانب الوصول إليه. حتى «جون برينان» مدير المخابرات الأمريكية والذي يعرفه منذ عشرات السنين فقد وصل إليه بصعوبة.

ويعاني «بن نايف» من مرض السكري، كما يعاني آثار محاولة اغتيال من قبل جهادي فجر نفسه بالقرب منه في عام 2009. لكن غيابه في هذا الوقت الحساس مع انخفاض أسعار النفط والفوضى في الشرق الأوسط وحرب اليمن، جعل عددا كبيرا من المسؤولين الأمريكيين يعتقدون بان الأمير «بن نايف» يتجنب الاحتكاك مع ابن عمه وأصبح يرى أن فرصته في اعتلاء العرش في خطر.

ومنذ اعتلى الملك «سلمان» العرش، مرر الكثير من السلطات لابنه، حتى تلك التي كانت مرتبطة منذ وقت طويل بالأمير «بن نايف».

واحدة من المبادرات الشائكة للأمير «بن سلمان» كانت الحرب التي قادتها السعودية في اليمن، والتي فشلت منذ بدأت في دحر الحوثيين المدعومين من إيران أو إخراجهم من العاصمة اليمنية. وتسببت الحرب في انتقادات كبيرة للسعودية بقتل آلاف المدنيين وكلفت خزينتها مليارات الدولارات.

والغريب في الأمر، أن رئيس الحرس الوطني، الأمير «متعب بن عبد الله»، لم يعلم ببدء الحرب، وكان خارج البلاد عندما نفذت الضربة الجوية الأولى، وفقاَ لأحد كبار ضباط الحرس الوطني. ويحفظ الحرس الوطني الآن جزءا كبيرا من الحدود اليمنية.

وأبرزت الحرب الطويلة في اليمن التوترات بين الأمير «بن سلمان» والأمير «بن نايف»، والذي حظي باحترام السعوديين والمسؤولين الأمريكيين لتفكيكه تنظيم القاعدة في السعودية منذ عشر سنوات. في بداية الحرب ظهر «بن سلمان» في الواجهة، وتم تصويره في زيارة للجنود والقادة، ولكن ما أن تحولت الحملة إلى ورطة، أصبح هذا الظهور نادرا.

وتبرز حرب اليمن توجه الأمير «بن سلمان» لبدء حقبة جديدة من السياسات الخارجية السعودية تعتمد خلالها بشكل أقل على الغرب ولاسيما الولايات المتحدة في أمنها، وهو ما وضحه انتقاد الأمير لتصريحات «أوباما» بعد الاتفاق النووي الإيراني، بأن السعودية وإيران ينبغي لهما «يتشاركا الجوار». ويحاول بهذا الأمير «بن سلمان» إعطاء المملكة هوية مستقلة لم تحصل عليها منذ عام 1932.

وقال الأشخاص الذين تقابلوا مع الأمير «بن سلمان» أنّه مصر على أن السعودية يجب أن تكون أكثر حزماً في تشكيل الأحداث في المنطقة ومواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.

وقال «بريان كوتليس»، خبير الشرق الأوسط بمركز أميريكان برورجرس في واشنطن، بعد مقابلة مع الأمير «بن سلمان»، أن أجندة الرجل واضحة وأنّ «رسالة هذا الرجل هي أنّ السعودية قوة لا يستهان بها».

صعود سريع

تظل السعودية واحدة من الممالك الفعلية القليلة في هذا العالم، وهو ما يعني أن الأمير «بن سلمان» قد حصل على كل سلطاته بصوت رجل واحد وهو والده. وبدأ صعود الأمير في بداية عام 2015 بعد وفاة الملك «عبد الله» وتولي الملك «سلمان بن عبد العزيز» للحكم. وفي إجراءات صادمة للبعض، قام الملك الجديد بإعادة هيكلة الحكومة وبعض مراكز القوى، ليعطي ابنه العديد من السلطات والمناصب. وقد تم اختياره وزيرا للدفاع ورئيسا للمجلس الاقتصادي الجديد ذو السلطات الواسعة بالإضافة إلى مسؤوليته عن شركة أرامكو النفطية المملوكة للدولة، والمحرك الرئيسي لاقتصاد البلاد. والأهم من ذلك، قام الملك «سلمان» باستبدال ولي العهد الذي رغب به وعينه الملك «عبد الله»، الأمير «مقرن بن عبد العزيز»، وعين بدلا منه الأمير «محمد بن نايف».

وبينما كان كل ملوك السعودية وأولياء العهد هم أبناء مؤسس السعودية، أصبح الأمير «بن نايف» هو أول شخص يشغل هذا المنصب من خارج تلك الدائرة. وأشاد الكثيرون بتلك الخطوة لأن الأمير قد نجح في حربه ضد القاعدة، ولأنه لديه بنات فقط، وهو ما يجعلها خطوة لاختيار المناصب بالجدارة وليس بالتوريث. ولكن المفاجأة كانت في اختيار الملك لابنه «بن سلمان» ليشغل منصب ولي ولي العهد، وكان عمره في ذلك الوقت 29 عاما، ولم يكون معروفا لأقرب حلفاء المملكة. وهذا ما أغضب العديد من أفراد الأسرة المالكة، والذي رأى الكثيرون منهم أن هناك من هم أكثر منه خبرة وحنكة في عديد القطاعات، ولكن ظل هذا الغضب داخل جدران القصر.

ومنذ ذلك الوقت، بدأ الأمير «بن سلمان» التسويق لنفسه خارجيا وداخليا في صورة الرجل المحوري للمملكة. وداخليا، أعلن في أبريل/نيسان عن خطته الطموحة لتحويل الاقتصاد بعيدا عن إدمان النفط تحت عنوان (رؤية 2030).

والآن أصبحت الحاجة لذلك التحول ملحة للغاية، في ظل انهيار أسعار النفط وعجز الموازنة الذي عصف بميزانيات العديد من السعوديين، وهو ما عجل بالإعلان عن اكتتاب عام ببيع جزء من شركة أرامكو السعودية، وهي الشركة الأكبر قيمة في العالم.

ويرى العديد من السعوديين أن سن الأمير الصغير مفيد في تجديد دماء السياسة السعودية. وتقول «هدى الحليسي» عضو مجلس الشورى السعودي، المعين من قبل الملك: «إنّه يتكلم بلغة الشباب، وقد ظلت البلاد تنظر منذ وقت طويل للعالم من خلال عدسة كبار السن، ولابد أن نتطلع لمن يحمل شعلة الأجيال القادمة».

ومع هذا، اتسمت بعض مبادراته بالحماقة. ففي ديسمبر/ كانون الأول، أعلن عن التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، في الوقت الذي أعلنت فيه دول ذكرت في البيان عدم علمها بالأمر، وأعلنت دول أخرى أنها لازالت تدرس أمر الموافقة على الانضمام أو لا.

وبقي الأمير على مسافة من الشيوخ ورجال الدين المحافظين والذين أسسوا الآراء الدينية للمملكة، وتقرب، بدلا من ذلك، لشباب الشيوخ ورجال الدين الذين يملكون ملايين المتابعين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ويتمتع العديد من أبناء الملك سلمان الآخرين بسير ذاتية مثيرة للاهتمام، فأبناء الملك الذين درسوا في الجامعات الأجنبية ويتحدثون اللغات الأجنبية بطلاقة، أصبح أحدهم أول رائد فضاء عربي، وآخر نائبا لوزير النفط، وآخر حاكما للمدينة.

لكن الأمير «بن سلمان» ظل في السعودية وهو لا يتحدث الإنجليزية بطلاقة، على الرغم من أنه أظهر فهما لها. فبعد دراسته في التعليم الخاص، التحق بكلية الحقوق بجامعة الملك سعود في الرياض، وورد أنه قد تخرج في الترتيب الرابع على دفعته.

ويقول الملك «سلمان» أنه يرى نفسه في ابنه المفضل، وهو أصغر أبناء الأسرة التي حكمت غالبية شبه الجزيرة العربية لثمان عقود.

لا يزال العديد من أعضاء الأسرة الحاكمة قلقون من مشاريع الأمير الشاب وطموحاته اللامتناهية. وسخر البعض منه واصفا إياه بـ «أمير الرؤية»، كما انتقدوا جيش المستشارين الأجانب والمصورين الذين يلحقون به في كل مكان ويحصلون على مرتبات باهظة. كما انزعج البعض الآخر من الخلية الإعلانية التي أنشأها للترويج لمبادراته، خارجيا ومحليا، ولاسيما للتغطية عن فشل حرب اليمن. وداخليا، قام باصطحاب الصحفيين الموالين له في رحلاته الخارجية، ويقال إنهم حصلوا على 100 ألف دولار نقدا، أما الصحفيين الذين ينتقدونه، فقد تم إخراسهم باتصالات هاتفية تخبرهم أنهم محظورين من النشر وأحيانا من السفر.

وفي يونيو/ حزيران، نشر الصحفي «سلطان القحطاني» على موقعه الرياض بوست مقالا حول عدم التطرق لسيرة الأمير في الصحف، وقال في نقد لاذع موجهاً كلامه للأمير: «يمكنك شراء عشرات الجرائد ومئات الصحفيين، لكن لا يمكنك شراء التاريخ الذي سيكتب عنك».

في اليوم التالي تم إغلاق موقع «القحطاني»، وأعلن أنه سيرفعه على عنوان جديد.

المستقبل

بينما لا يستطيع داعمو الأمير ضمان حفاظه على أدواره التي يلعبها بعد موت والده، يحارب الأمير الزمن من أجل تثبيت وترسيخ سلطته، ويسارع في ذلك الشأن بترويج نفسه من خلال الرحلات الخارجية لواشنطن ودول أوروبا والشرق الأوسط وبلاد أخرى في آسيا. وهو ما جعل إدارة «أوباما» تعتقد في قدرته على تخطي ولي العهد الأمير «بن نايف» والوصول للعرش. وأدى ذلك على إحداث توازن في تحركات الأمريكيين الذين لا يريدون خسارة أي من الرجلين.

ويحظى الأمير «بن سلمان» بدعم ولي عهد إمارة أبو ظبي، الشيخ «محمد بن زايد آل نهيان»، الحاكم الفعلي للإمارات، الذي يروج للأمير «بن سلمان» منذ عام في الشرق الأوسط وواشنطن. ويحظى «محمد بن زايد» باحترام الإدارة الأمريكية التي تعتبره حليفاً وسطيا ممعتدلا في العالم السني، لكن هناك كراهية شخصية بينه وبين الأمير «بن نايف».

وفي أبريل/ نيسان، في مقابلة لمسؤولين بارزين بالبيت الأبيض بالشيخ «محمد بن زايد»، قادتهم «سوزان رايس» مستشار الأمن القومي للرئيس «أوباما»، أوصاهم الشيخ «بن زايد» بتوطيد علاقتهم بالأمير «بن سلمان»

لكن مستقبل الأمير «بن سلمان» يعتمد على طول الفترة التي سيعيشها والده، وفقا لدبلوماسيين يتابعون الموقف السعودي.

فإذا مات الملك في وقت قريب، يصبح الأمير «بن نايف» هو الملك، ومن المحتمل أن يطيح بابن عمه لكيلا يهدد سلطته، ولإرضاء أعضاء الأسرة الموالين له. بينما إن طال عمر الملك، ستكون فرصة لـ«بن سلمان» لترسيخ قدميه في السلطة وإبعاد الأمير «بن نايف» خارج الصورة.

رغم كل هذا، لا يعتقد المحللون أن تخرج تلك الصراعات للعلن، ويقول السيد «كاتشيتشيان»، المحلل صاحب المعرفة بالعديد من أعضاء الأسرة الملكية: «لن يقوم فرد واحد في الأسرة بعمل شيء يؤذي الأسرة».

المصدر | نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

محمد بن سلمان محمد بن نايف خط الخلافة العائلة الحاكمة الملك سلمان