«ناشيونال إنترست»: 5 معارك كبرى شكلت تاريخ سوريا

الثلاثاء 18 أكتوبر 2016 12:10 م

في الوقت الذي تحتدم فيه معركة حلب في سوريا، نلاحظ أنّ سوريا قد شهدت تاريخًا دمويًا طويلًا، حتى بمعايير الشرق الأوسط، وبخاصة في شريط الأراضي في المنطقة التاريخية لسوريا الكبرى. ويتكون من محور شمالي جنوبي يمتد من جنوب تركيا عبر كل تركيا وداخل شمال (إسرائيل)، وكانت هذه المنطقة ساحة معارك بين إمبراطوريات عظيمة عبر التاريخ القديم.

لماذا؟ الإجابة تتلخص في الجغرافيا. فسوريا، وخاصة غرب سوريا، كانت دائمًا موقعًا لمعارك لا تعد ولا تحصى، لأنها شكلت نقطة تلاقي بين مراكز القوى العظمى في الشرق الأوسط. وتشكل الصحراء الجزء الأكبر من الجنوب الشرقي لسوريا الحديثة، لذا فإن أي جيش قادم من بلاد ما بين النهرين (العراق) أو من بلاد فارس (إيران) لا يمكنه التقدم مباشرة نحو الغرب ولكنه يتخذ طريقا دائريا إلى نهر الفرات باتجاه الشمال، ثم إلى الغرب، ثم العودة للجنوب في النهاية بطول ساحل البحر المتوسط. وكذلك، في حال جاء جيش من تركيا أو أوروبا مثل جيش العثمانيين أو الإسكندر الأكبر فعليهم العبور عبر غرب سوريا للوصول إلى مصر أو إلى شبه الجزيرة العربية. وبالنسبة للمصريين، فقد استغلوا تاريخيًا هذا الطريق للوصول إلى تركيا والعراق. وبهذا ليس مفاجئًا أنّ سوريا كانت دائمًا وأبدًا نقطة حيوية في الحروب بين الأنظمة والإمبراطوريات. وتتقاتل الآن القوى الحديثة في سوريا مرة أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران والسعودية وكذلك تنظيم الدولة.

وإليكم 5 معارك تاريخية بارزة في هذه المنطقة تقاتلت فيها القوى بشراسة:

قادش

كانت معركة قادش صدامًا بين القوى العظمى بالشرق الأوسط القديم، مصر والحثيين. تقاتلت القوتان عام 1274 قبل الميلاد في شمال غرب سوريا، بالقرب من حدود لبنان اليوم، وكانت النتيجة تعادلا تكتيكيًا. وتأتي أهمية تلك المعركة بسبب كونها أول معركة تسجل تاريخيًا بالتفصيل والخطط التي دارت بها. ومن المثير للاهتمام، أن هذه المعركة هي أكبر معركة بالعربات في التاريخ.

وكان سبب المعركة هو صراع الحثيين في أرض تركيا الآن والمصريين على المدن الغنية والدول الغنية في أرض الشام. وكاد الفرعون الجديد للمصريين «رمسيس الثاني» أن ينهزم حين تعجل في المسير باتجاه مدينة قادش لاحتلالها، فانفصل عن جسد الجيش الرئيسي ووجد نفسه في كمين للحثيين، لكن تم إنقاذ مصر من الهزيمة بواسطة الجيش الذي وصل متأخرًا وبسبب صلابة وتماسك «رمسيس الثاني».

اليرموك

معركة اليرموك هي واحدة من المعارك الأشد تأثيرًا في التاريخ الإنساني. ودارت المعركة عام 636م بين الخلافة العربية الإسلامية والإمبراطورية البيزنطية، بالقرب من المنطقة الواقعة الآن عند حدود سوريا والأردن و(إسرائيل)، وفتحت الطريق أمام فتح الجيش الإسلامي لبلاد الشام بأكملها، بما في ذلك مدن حلب والقدس. وبدأ مسار المعركة بفتح المسلمين لدمشق في عام 634م. ولم يستطع الجيش البيزنطي مواجهة المسلمين لأنه لم يكن في أحسن حالاته، حيث قضى ثلاثة عقود سبقت المعركة في حربه ضد الفرس، الذين احتلوا سوريا في السابق.

بالرغم من ذلك، كان البيزنطيون متفوقين بشكل هائل من الناحية العددية، وللتغلب على هذه الميزة، انتشرت القوات العربية عبر سوريا بقيادة القائد العظيم «خالد بن الوليد». وهزم المسلمون البيزنطيين بسبب المعنويات العالية والدافع الكبير خلال ستة أيام، وانطلقوا بعد ذلك لفتح مصر والجزء المتبقي من سوريا.

معرة النعمان

وصلت جيوش الحملة الصليبية الأولى إلى أنطاكيا (في تركيا الحديثة، بالقرب من سوريا)، وهي مدينة هامة في الطريق إلى القدس عام 1097. على الرغم من ذلك، فإن ما نتج كان حصارًا طويلًا استمر من 21 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1097 وحتى 2 يونيو/ حزيران عام 1098. وبعد الحصار الرئيسي، استطاعوا دخول المدينة ولكن ليس قلعتها، وأصبحوا محاصرين من قبل الجيش الإسلامي الذي أتى من حلب، لكنهم تسيدوا في النهاية.

ولكن الصليبيين الذين دفعهم الجوع وربما الجنون، داهموا نتيجة لذلك جميع أنحاء سوريا، ووصلوا بلدة معرة النعمان، التي تبعد 35 ميلًا شمال حماة اليوم، في يوليو/ تموز 1098، حيث هزموا هناك. ورغم ذلك، فقد عادوا في نوفمبر/ تشرين الثاني واحتلوا المدينة في 12 ديسمبر/ كانون الأول عام 1098. وبينما استسلمت الحامية المسلمة على أمل الحصول على الأمان، ارتكبت واحدة من أبشع الجرائم والمذابح الصليبية في معرة النعمان. فالصليبيون الذين كانوا يتضورون جوعًا ذلك الوقت، بدأوا يأكلون سكان المدينة. ووفقًا لمؤرخين معاصرين، قام الصليبيون «بغلي البالغين في أواني للطبخ، ووضعوا الأطفال في الخوازيق وتم شويهم». ثم أكملوا طريقهم بفعل انكسار المقاومة المحلية واحتلوا القدس عام 1099.

دمشق

اكتسبت المعركة التي خاضها أمير الحرب الآسيوي «تيمور لنك» سمعة سيئة سريعًا حول العالم. فرغم أنّ «تيمور» أعلن نفسه بطلًا للإسلام وأعلن أيضًا أنه وريث «جنكيز خان»، فإنّه قد ارتكب من الفظائع أسوأ مما ارتكبه سلفه، والعديد من حملاته كانت ضد المسلمين، ويقال إنه كان يبني أهرامات من الجماجم في البلدات التي احتلها.

وكما هو الحال في أغلب فترات التاريخ، كان المصريون يحكمون مصر. ولكن حكم المماليك لم يكن قويًا، وهاجم «تيمور» حلب في البداية حيث بنى بها برجًا من الجماجم بلغ عددها ألفي جمجمة. ثم هزم جيش المملوك «سلطان ناصر الدين فرج» بالقرب من دمشق. وخلال حصاره لدمشق، قام المؤرخ ابن خلدون بمقابلة «تيمور» عدة مرات وقال له: «أنت تعرف قوة العرب التي نشأت من وحدتهم خلف دينهم ورسولهم، ولكن الأتراك (حلفاء تيمور) في وحدتهم وجنديتهم، لا يقارن بهم ملك في الأرض، لا كسرى ولا قيصر ولا إسكندر ولا نبوخذ نصر».

ورغم وعده بتجنيب مدينة دمشق تبعات المعركة، فقد قام بتدمير المدينة ونهبها وحرق المسجد الأموي وبناء برج من الرؤوس، ولا زال هناك ميدان في دمشق يسمى برج الرؤوس حتى الآن. وسقطت المدينة في الفوضى والصراعات الداخلية مع القادة المصريين، وهو ما استفاد منه العثمانيون فيما بعد ذلك بقرن من الزمان. ومنذ دخول تيمور لدمشق أصبحت هي المدينة الرئيسية في سوريا حتى الآن.

حمص

بعد هزيمة العثمانيين للمماليك في مصر في معركة مرج دابق عام 1516، حكم الأتراك مصر وسوريا لـ 300 عام. رغم ذلك، بعدما غزا نابليون مصر، أصبحت المنطقة تحت حكم مستقل بقيادة الحاكم العثماني «محمد علي» عام 1805. وذهبت طموحات «محمد علي» إلى أبعد من حكم مصر. وقال: «أعلم أن الإمبراطورية العثمانية في طريقها للانهيار يومًا ما، وأريد أن أبني على أطلالها مملكة شاسعة، حتى دجلة والفرات». بالطبع شمل هذا الطموح غزو سوريا للاستيلاء على أرض الشام والوصول على القسطنطينية.

وفي عام 1831، استطاع جيش مصري عظيم بقيادة «إبراهيم باشا»، نجل «محمد علي»، التقدم إلى سوريا والاستيلاء على كل مدنها الكبرى. وتقابل جيش عثماني مع الجيش المصري في حمص يوم 9 يوليو/ تموز عام 1832، وانتصر الجيش المصري بفعل ميزة التسليح والتدريب الذي حصل عليه المصريون على يد المستشارين الأوروبيين. تم تدمير الجيش العثماني، وقتل منه ألفين وأسر ثلاثة آلاف. وسيطر المصريون على سوريا، وحاول العثمانيون استرجاعها عام 1839 ولكنهم فشلوا من جديد. وانشق كامل الأسطول البحري العثماني بعد تلك المعركة وانضم لمحمد علي، حيث رأوا أن الإمبراطورية العثمانية في طريقها للانهيار. رغم ذلك، ومن أجل إحداث توازن في القوى، تدخلت روسيا وبريطانيا لصالح الدولة العثمانية ضد سيطرة مصر على روسيا، وتم منع دولة مصرية عظمى من التشكل، وظلت الدولة العثمانية تسيطر على الجزء الأكبر من الشرق الأوسط حتى الحرب العالمية الأولى.

المصدر | ناشيونال إنترست

  كلمات مفتاحية

سوريا حمص حلب قادش اليرموك