«رويترز»: حملة على المعارضة في مصر تطيح بأسماء بارزة في عالم القضاء

الثلاثاء 18 أكتوبر 2016 05:10 ص

في مساء 21 يوليو/ تموز عام 2013، تجمع عشرات القضاة في مطعم مركب أرمادا عند ضفة النيل في حي المعادي الراقي بجنوب العاصمة المصرية.

كان بعض الحاضرين يتولون بعضا من أرفع المناصب القضائية في مصر وكانت المناسبة إفطارا رمضانيا. وتداول الرجال فيما بينهم وهم يتناولون الكباب والطحينة في مسألة تولي الجيش مقاليد الأمور وما صاحب ذلك من أحداث قبل ثلاثة أسابيع.

فقد قام الجيش بقيادة الفريق أول «عبد الفتاح السيسي» الذي كان مديرا للمخابرات الحربية من قبل بعزل الرئيس «محمد مرسي» وحكومته في أعقاب احتجاجات شعبية واسعة على حكمه.

وكان مرسي من قيادات جماعة الإخوان المسلمين. وتولى الرئاسة في انتخابات ديمقراطية قبل ذلك بعام. وهو الآن مسجون.

واقترح القاضي «محمد ناجي دربالة» إصدار بيان يندد بما وُصف بالاستيلاء على السلطة. ودعت مسودة البيان التي صاغها في ذلك المساء إلى العودة إلى «الشرعية الدستورية» متمثلة في الحكومة المنتخبة لكنها تحاشت توجيه انتقادات مباشرة للجيش أو المطالبة بإعادة «مرسي».

ووقع أكثر من 30 قاضيا على الوثيقة في تلك الليلة. وأضاف آخرون توقيعاتهم خلال الأيام التالية وكان بعضهم يعيش في الخارج. وفي نهاية المطاف بلغ عدد القضاة الموقعين 75 قاضيا. وقرأ أحد كبار القضاة الوثيقة في مؤتمر صحفي في 24 يوليو/ تموز.

وعلى مدار السنوات الثلاث التي انقضت منذ ذلك الحين تم عزل ما يقرب من نصف القضاة الموقعين من مناصبهم في إطار ما يقولون إنها حملة من جانب «السيسي» لإخضاع القضاء لرقابة حكومية مشددة.

وتبين سجلات قضائية أن اللجان التأديبية التي شكلها مجلس القضاء الأعلى أحالت 59 قاضيا للتقاعد من بينهم 32 من القضاة الذين وقعوا بيان مطعم أرمادا. وعدل بعض القضاة الموقعين عن موقفهم ولم يعرضوا على لجان تأديبية.

ومن سلطة اللجان التأديبية توجيه اللوم للقضاة أو نقلهم إلى مناصب أخرى أو إحالتهم للتقاعد أو تبرئتهم من الاتهامات المنسوبة لهم. وبعد صدور قرار اللجنة يعتمده «السيسي».

واستندت قرارات عزل معظم القضاة التسعة والخمسين إلى بند قانوني يمنع اشتغال القضاة بالعمل السياسي.

لكن 25 من هؤلاء القضاة قالوا لـ«رويترز» إنهم يعتقدون أن السبب الحقيقي لعزلهم هو إرهاب القضاة الآخرين كي يسيروا على نهج الحكومة. ويصف القضاة عزلهم بأنه اعتداء متعمد على واحدة من آخر المؤسسات التي يمكنها الحيلولة دون جموح سلطات الدولة وحماية الحريات الأساسية للمصريين.

وقال المستشار «محمد وفيق زين العابدين» المستشار بالمحاكم الابتدائية وأصغر القضاة المعزولين سنا إذ كان يبلغ من العمر 35 عاما في ذلك الحين: «مش عاوزين يسمحوا بأي صوت مخالف. كله لازم يبقى على قلب رجل واحد اللي هو الدولة».

وقال المستشار المعزول «أحمد الخطيب»: «أي حد إصلاحي أو له آراء نقدية بيتم تنحيته. اللي بيطالب بإصلاح قضائي أو يدعو لاستقلال القضاء بيتخلصوا منه».

ولم تتلق «رويترز» ردا على مكالمات هاتفية متكررة ورسائل بالبريد الالكتروني لرئاسة الجمهورية طلبا للتعليق.

ونفت وزارة العدل وجود أي محاولة لإعادة تشكيل السلطة القضائية المصرية.

وقال القاضي «خالد النشار» مساعد وزير العدل لشؤون مجلس النواب والإعلام: «مسألة الانتقام من قضاة بعينهم أو إعادة تشكيل السلطة القضائية كلام غير صحيح بالمرة. عندنا مبدأ استقلال السلطة القضائية في مصر. كل الدساتير في مصر تؤكد على استقلال السلطة القضائية. لدينا فعلا فصل بين السلطات. السلطة القضائية مستقلة».

وأضاف: «لا يوجد تدخل في أعمال السلطة القضائية من السلطة التنفيذية. بصراحة شديدة السلطة التنفيذية لا ولن تملك في يوم من الأيام أن تعيد تشكيل القضاء المصري باستبعاد البعض. رئيس السلطة التنفيذية نفسه يقول أنا لا أتدخل في أعمال السلطة القضائية».

القضاء والسلطة

على الدوام، كان القضاء المصري يتمتع بدرجة من الاستقلال. وكان الرئيس السابق «حسني مبارك» - الذي فتحت الإطاحة به في انتفاضة شعبية عام 2011 الباب أمام انتخاب «مرسي» رئيسا - يعتمد اعتمادا كبيرا على المحاكم العسكرية في إسكات خصومه. وقال أغلب القضاة الذين تحدثوا لـ«رويترز» إن التدخل السياسي في القضاء كان نادرا نسبيا.

أما «السيسي» فكان أكثر استعدادا للتدخل. فبعد انتخابه رئيسا عام 2014 شن حملة على الجماعات الإسلامية المعارضة والنشطاء والصحفيين والطلبة المعارضين ويقول قضاة إن هذه الحملة شملت القضاء أيضا.

وقال المستشار «محسن فضلي» نائب رئيس محكمة النقض: «القضاء في مصر يتم استخدامه من قبل النظام كأداة انتقام».

ويقول القضاة أيضا إن زملاءهم السابقين الذين كان لهم دور في عزلهم فعلوا ذلك على الأرجح لتعزيز وضعهم الوظيفي. وقد تم اختيار ثلاثة من كبار القضاة لشغل منصب وزير العدل منذ عام 2003. وقدم الثلاثة شكاوى ضد زملاء لهم أو قضوا بأن زملاءهم خالفوا القانون الخاص بإبداء الرأي السياسي أو كانوا أعضاء في لجان تأديبية.

وعُين سبعة قضاة آخرين على الأقل من القضاة الذين قدموا شكاوى ضد زملاء لهم في مناصب رفيعة بوزارة العدل.

وكان المستشار «أحمد الزند» هو القاضي الذي صاغ الشكوى الأولى. وحتى عام 2015 كان «الزند» رئيسا لنادي القضاة وكان شديد الانتقاد لـ«مرسي» خلال فترة رئاسته كما أيد «السيسي» علانية بعد أن أمسك الجيش بزمام الأمور.

وعين «الزند» وزيرا للعدل في 2015.

ولم يتسن الاتصال بـ«الزند» للتعقيب. وقد عزله «السيسي» في مارس/ آذار الماضي بعد أن أثار عاصفة من الاحتجاجات بقوله في لقاء تلفزيوني على الهواء إن من يخالف القانون يستحق السجن حتى ولو كان النبي «محمد».

وقال «النشار» المتحدث باسم وزارة العدل إن تعيين «الزند» وزيرا لا صلة له بدوره في بيان مطعم أرمادا وإن الوزيرين الآخرين والمسؤولين السبعة عينوا في مناصبهم لكفاءتهم.

ورفض النشار أي تلميح إلى أن «حسام عبد الرحيم» وزير العدل الحالي استفاد من دوره في قضية أرمادا. وأضاف أنه رغم أن «عبد الرحيم» كان رئيسا لمجلس القضاء الأعلى أثناء نظر القضية فقد عين وزيرا قبل أن تصدر اللجنة التأديبية القضائية قرارها.

هيئة منقسمة من القضاة

تحظر المادة 73 من قانون القضاء المصري على القضاة الاشتغال بالسياسة وتمنع أعضاء القضاء الذين ينظرون القضايا من إبداء الآراء السياسية.

لكن كثيرين من القضاة الذين عزلوا من مناصبهم يقولون إن القانون يسمح للقضاة بالتعبير عن الآراء السياسية بصفتهم مواطنين عاديين بشرط ألا يسعوا لشغل منصب عام أو الانضمام لحزب سياسي.

وبعد الإطاحة بـ«مبارك» بدأ بعض القضاة يعلنون آراءهم على الملأ ويتحدثون في وسائل الإعلام ويكتبون المقالات ويلقون الخطب في الاحتجاجات والتجمعات.

وكان عدد قليل ممن تحدثوا في ذلك الوقت من المتعاطفين مع «مرسي».

وكان آخرون يتقبلون فكرة وجود رئيس من التيار الإسلامي في السلطة ما دام منتخبا في انتخابات ديمقراطية. غير أن آخرين كانوا أقل تأييدا للرئيس الجديد لكنهم ظلوا على انتقادهم لنظام الحكم في عهد «مبارك» ومؤيديه ممن عارضوا «مرسي». وفي الوقت نفسه كان بعض القضاة ومن بينهم «الزند» ينتقدون الرئيس الجديد علانية.

وكان المستشار «أحمد الخطيب» الذي كان رئيسا بمحكمة استئناف القاهرة قبل عزله في قضية أخرى ممن انتقدوا فترة حكم «مبارك» فنادى باستقلال القضاء وطالب بإصلاحات قضائية ووجه بعض الانتقادات للقضاء وأسلوب إدارته. لكنه لم يؤيد «مرسي».

وقال «الخطيب» إن السلطات بما فيها مجلس القضاء الأعلى كانت على علم بأنه يبدي آراءه الشخصية علانية وإن المجلس «الذي كان موجودا آنذاك كان يسمح لجميع القضاة مؤيد ومعارض بالظهور إعلاميا وإبداء الرأي دون مساءلة. كانت هناك موافقة ضمنية من المجلس آنذاك وما تم من محاكمات تعارض معها».

غير أن «النشار» قال إنه لم تكن ثمة موافقة على ذلك. وقال إن المخالفات استمرت قائمة بعد انتفاضة 2011 لأن حال البلاد انقلب «رأسا على عقب». وأضاف أنه بمجرد عودة الاستقرار بدأت السلطات تحاسب من خالفوا القانون.

وكان «الزند» ممن أبدوا آراءهم صراحة. ففي يونيو/ حزيران 2012، وبعد انتخاب «مرسي» رئيسا وقبل أدائه اليمين الدستورية قال «الزند» في مؤتمر صحفي: «لو نعلم أن الانتخابات كانت ستأتي بكم لما كنا أشرفنا عليها».

وفي مكالمة هاتفية لأحد البرامج التلفزيونية بعد عشرة أيام من تنصيب «مرسي» اتهم الزند الرئيس الجديد بأنه «يروج لدولة قانون الغاب».

وقد ثار غضب «الزند» لأن «مرسي» أعاد البرلمان الذي قررت المحكمة الدستورية العليا من قبل حله على أساس أن قانون الانتخابات لم يكن متفقا مع الدستور.

واستمر «الزند» في انتقاد الرئيس وتسجل ذلك لقطات فيديو منشورة على الانترنت لما جرى في احتجاجات مناهضة لـ«مرسي». بل إن نادي القضاة الذي كان «الزند» يرأسه طالب صراحة بعزل «مرسي».

وسئل «الزند» في برنامج تلفزيوني عام 2013 عما إذا كان يشتغل بذلك بالسياسة ومن ثم يخالف قانون القضاء فرد قائلا: «لو الاشتغال بالسياسة هو اللي هينقذ مصر يبقى هافضل أشتغل بالسياسة».

وقال «النشار» المتحدث باسم الوزارة إن القضاة من أمثال «الزند» الذين كانوا يؤيدون الاحتجاجات المناهضة لمرسي لم يشتغلوا بذلك بالسياسة لأنهم لم يؤيدوا جماعة سياسية بعينها بل كانوا يتحدثون في الصالح العام.

لكنه قال إن من يبدي آراء مؤيدة للسيسي يعد مخالفا للقانون.

القضايا

بعد الإطاحة بـ«مرسي» ودعوة مجموعة القضاة الخمسة والسبعين إلى عودة الحكم المدني قدم «الزند» و15 قاضيا شكوى قانونية من تلك المجموعة.

اتهمت الشكوى القضاة بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة الآن ونشر الأكاذيب وتشويه سمعة القوات المسلحة وسوء استغلال مناصبهم والتحريض على العنف والاشتغال بالسياسة.

وقالت الشكوى إن القضاة ألقوا بيانا بين المحتجين من جماعة الإخوان المسلمين في اعتصام نظموه واتهموا الجيش المصري بالاستيلاء على الحكم.

ونفى كل القضاة الخمسة والعشرين الذين أجرت «رويترز» مقابلات معهم تلك الاتهامات.

وأحال وزير العدل الخمسة والسبعين قاضيا إلى مجلس تأديبي للنظر في القضية. وعلى الفور طالب المجلس بإجراء تحقيق برئاسة القاضي «شيرين فهمي».

ويقول المستشار «فضلي» أحد من أحيلوا للتقاعد إن «فهمي» من حلفاء الزند.

وامتنع فهمي عن التعليق على علاقته بـ«الزند».

التحقيق

ويقول القضاة المتهمون إن التحقيق كان صوريا وإنه لم يسمح لمن أحضروهم من زملائهم القضاة لتمثيلهم باعتبار أن ذلك حقا من حقوقهم بأداء واجبهم الدفاعي. ويقولون أيضا إنه لم يتح لهم الإطلاع على وثائق التحقيق ولم تتم مواجهتهم بالأدلة. ويقول البعض إنه لم يتم إخطارهم بمواعيد وأماكن عدة جلسات.

واطلعت «رويترز» على وثائق متعلقة بالتحقيق ومذكرات قانونية وشهادات كتابية ودفوع الدفاع التي تؤيد تلك الأقوال.

كما يقول القضاة، وتؤكد الوثائق، فإن أربعة فقط من بين الخمسة والسبعين قاضيا أتيحت لهم فرصة الدفاع عن أنفسهم أمام اللجنة.

وكانت ثمة مشاكل أخرى. ففي التقرير الذي قدمه لمجلس التأديب والصلاحية خلص القاضي «فهمي» إلى أن قاضيا واحدا سمح لمرشح إسلامي بالتزوير في الانتخابات البرلمانية عام 2008 في الدائرة الثانية بمدينة القناطر. غير أنه لم تجر انتخابات برلمانية في تلك الدائرة في العام 2008.

وفي مارس/ آذار 2014 تم التوصل إلى قرار بأن 31 قاضيا من بين القضاة الخمسة والسبعين اشتغلوا بالسياسة. واستأنف المدانون قرارات الإدانة وأيد المجلس الأعلى لتأديب القضاة الحكم الصادر في مارس/ آذار الماضي ورفع عدد القضاة الذين خالفوا القانون إلى 32 قاضيا.

صناعة الخوف

ومن أصغر القضاة المعزولين سنا أيضا المستشار «حسام مكاوي»،  42 عاما. وفي أول عامين بعد عزله أمضى «مكاوي» أيامه في فيلته على أطراف القاهرة التي أنشأ في إحدى حجراتها مكتبة وخصص حجرة للتلفزيون وبيتا لكلبه هكتور.

ومُنع «مكاوي» من السفر إلى خارج مصر لكن لم يتم إبلاغه بالسبب. وهو يشك أن السبب أنه اعتاد حضور مؤتمرات قانونية في أوروبا والولايات المتحدة وله أصدقاء أجانب. وقد بدأ مؤخرا خدمة تحكيم على نطاق ضيق لكي يحقق دخلا.

ويقول «مكاوي» إن القضاة أمثاله ممن هم في سن صغيرة نسبيا ويتمتعون بالجرأة في التعبير عن آرائهم استُهدفوا لأنهم أيدوا انتفاضة عام  2011 وطالبوا بإصلاحات قضائية.

وقال: «حاجة مزرية. تهمة الأخونة (الانتماء لجماعة الإخوان) موجودة لأي حد بيطلب الإصلاح». وأضاف: «القضاة موجودون لحماية الحريات. أنا ما مضيتش (لم أوقع) البيان دفاعا عن مرسي. أنا كنت هامضيه حتى لو كان شفيق مكانه»، مشيرا إلى «أحمد شفيق» الذي خاض انتخابات الرئاسة أمام «مرسي».

وقال «مكاوي» إن البيان تحاشى استخدام كلمة «انقلاب» حتى لا يكون متحيزا لطرف على حساب طرف آخر. بل دعا ببساطة كل الأطراف للمشاركة في حوار واحترام نتائج الانتخابات.

وأضاف: «في صناعة مقصودة للخوف. القاضي دلوقت لما ييجي يحكم ممكن ما يعجبش النظام هيخاف على شغله».

ورفض النشار ذلك وقال إن الحكومة لا يمكن أن ترهب من يختلفون معها لأن القضاء مستقل ولا يسمح أبدا بالتدخل.

ومن القضاة الذين أحيلوا للتقاعد «إسلام علم الدين» الذي قال إن المحققين استخدموا صورة نشرها على فيسبوك كدليل ضده في القضية. وقال إن الصورة كانت له في مدرسة ابنه الصغير في الإمارات.

وقال «علم الدين» إنه كان معارا للقضاء في الإمارات غير أنه يقول إن المحققين زعموا أن الصورة للاثنين «في اعتصام للإخوان المسلمين».

وقال أربعة من القضاة لـ«رويترز» إن «الزند» أضفى الصفة الرسمية على أسلوب مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي. وهم يقولون إنه عندما أصبح «الزند« وزيرا للعدل في 2015 أنشأ قسما لمراقبة حسابات القضاة على وسائل التواصل الاجتماعي.

ونفى «النشار» المتحدث باسم الوزارة ذلك وقال إن مراقبة الحسابات الخاصة جريمة.

وقال إن من المحتمل أن يكون واحد من أصدقاء «علم الدين» على فيسبوك لاحظ أنه أبدى رأيا سياسيا وأبلغ عنه. مضيفا: «ده فعلا حصل. لكن ما فيش في كيان الإدارة ما يسمى بوحدة مراقبة الحسابات الخاصة أو حسابات التواصل الاجتماعي».

شيء لا يخصك

وتم أيضا عزل المستشار «محمد ناجي دربالة» الذي صاغ بيان مطعم أرمادا من منصبه.

وكان «دربالة» ساهم في صياغة دستور مصر الجديد بعد انتفاضة 2011 وكان في طريقه لكي يشغل أرفع مناصب الهيئة القضائية في مصر. غير أن الجيش علق الدستور الجديد بعد أن تولى زمام الأمور ووجهت لـ«دربالة» تهمة الاشتغال بالسياسة في قضيتين مختلفتين.

والآن أصبح ممنوعا من مزاولة أي أعمال قانونية ومن السفر للخارج. وقال إن صغار القضاة الذين كانوا يتسابقون للفوز باهتمامه أصبحوا يتحاشونه الآن في المناسبات الاجتماعية.

وقال «دربالة» (61 عاما) في بيته الأنيق بالقاهرة: «أنا كانت أحلامي مختلفة شوية. مكانتش أحلامي إني عاوز أبقى قاضي. أنا أصلا كنت بأكتب شعر وكان عندي حلم إن أنا أكتب قصة قصيرة ورواية لكن حلم القضاء ده حلم تزاحم مع هذه الأحلام الأساسية ولكن هو اللي انتصر في الآخر».

وخلفه كانت مكتبة تمتلئ عن آخرها بالكتب القانونية عن كل شيء من الشريعة الإسلامية إلى قانون نابليون. وعلقت صورتان واحدة لوالده والثانية لعمه الذي أقنعه بالاتجاه للعمل بالقانون بدلا من الكتابة.

وأثناء الدراسة الجامعية كان «دربالة» مؤيدا للرئيس «جمال عبد الناصر» وسياساته الوطنية العلمانية المناهضة للاستعمار. واعتقلت السلطات في عهد الرئيس السابق «جمال عبد الناصر» والده مرتين وتعرض للتعذيب لانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين. لكن «دربالة» لم يغير موقفه.

وقال «دربالة»: «الأحلام الهائلة اللي كنا بنحلم بيها كأول جيل بعد الثورة ... كان هناك منتهى الإيمان حتى لو كان والدك هو اللي بيعتقل إن هناك أهداف أسمى تبرر أي شيء ممكن يفعله عبد الناصر».

وكان شقيق «دربالة» من الإسلاميين وأصبح من قيادات الجماعة الإسلامية التي شنت حملة تمرد على الحكومة المصرية بين عامي 1992 و1998. وقتلت تلك الجماعة نحو 800 من رجال الشرطة وعشرات من السياح الأجانب قبل أن تعلن قياداتها نبذ العنف.

ومع ذلك قال القاضي «دربالة» إنه لم يكن قط من الإسلاميين ولم يؤيد «مرسي». ويبدي «دربالة» اعتزازه وهو يتذكر لقاء وجه فيه الانتقاد لـ«مرسي» مباشرة لمحاولته إعادة تشكيل القضاء ومنح نفسه سلطات جديدة.

وقال «دربالة» إنه كان مقيدا باليمين الذي أداه لحماية نتائج الانتخابات، وهو ما دفعه لتوقيع بيان مطعم أرمادا.

غير أن «النشار» المتحدث باسم وزارة العدل قال إن دور القاضي ينتهي بعد ضمان حرية الانتخابات ونزاهتها. وأضاف أنه إذا انقلبت الإرادة الشعبية على رئيس منتخب في انتخابات حرة «إنت مالك إنت كقاضي. مش موضوعك خالص».

قضاة آخرون

لم يكن القضاة الذين وقعوا بيان مطعم أرمادا هم الوحيدون الذين تم إبعادهم على مدار السنوات الثلاث الأخيرة.

فقد توصلت «رويترز» إجمالا إلى أنه تم استبعاد 59 قاضيا خالفوا بندا قانونيا أو غيره وأحيلوا للتقاعد. ومنع بعضهم من مغادرة مصر. ويحق لمن عمل قاضيا لمدة لا تقل عن 20 عاما الحصول على معاش التقاعد. أما الآخرون فلا يحصلون على شيء.

وفي إحدى القضايا صدر قرار في مارس/ آذار عام 2015 بإدانة 15 قاضيا بالانتماء لجماعة سياسية اسمها «قضاة من أجل مصر». وقضت لجنة تأديبية قضائية بأنها خلية نائمة في الجهاز القضائي لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة.

ويسلم بعض هؤلاء القضاة بانتمائهم إلى «قضاة من أجل مصر» لكنهم يقولون إنه لا صلة تربطها بالإخوان المسلمين. ويقول آخرون إنهم لم ينتموا قط لهذه الحركة.

وفي قضية منفصلة عام 2014 أدين ثمانية قضاة بإعلان نتائج انتخابات عام 2012 قبل لجنة الانتخابات. ويقول القضاة إن اللجنة فوضتهم في إعلان النتيجة. وقال «النشار» إن القضاة لم يطلبوا الإذن بذلك.

وفي القضيتين يقول القضاة إنهم كانوا مستهدفين بسبب معتقداتهم السياسية. وقال القاضي «أحمد الخطيب» الذي عزل من منصبه إن القضيتين ليستا من قضايا إبداء الآراء السياسية مضيفا «نحن أمام محاكمات بسبب نوع الرأي. وليس لمجرد إبداء الرأي».

وأشار قضاة في طعون مختلفة إلى سلسلة من الأخطاء والمخالفات القانونية. ففي قضية «قضاة من أجل مصر» على سبيل المثال سمح قاضي التحقيق «شيرين فهمي» بأدلة تظهر أن أحد القضاة المتهمين كان له ابن عم من أعضاء الإخوان المسلمين.

ويقول القاضي المعني أنه ليس له أبناء عمومة.

وقال «فهمي» لـ«رويترز» إنه لن يعلق على قضايا بعينها. وأضاف: «أنا عملت التحقيق ورفعته لمجلس التأديب والموضوع خلص».

المصدر | رويترز

  كلمات مفتاحية

القضاء المصري انقلاب مصر السلطة القضائية أحكام مسيسة