«فورين أفيرز»: كيف يعوق الحرس الثوري مسار إيران نحو «الاعتدال»؟

الخميس 20 أكتوبر 2016 07:10 ص

توجد مشكلة معقدة تواجه الصناعة العسكرية الإيرانية. هذه المشكلة هي عقبة كؤود تقف أمام أي محاولة إيرانية باتجاه السياسة المعتدلة. والعقبة ببساطة هي الحرس الثوري الإيراني، الحراس المسلحون لحماية النظام الإسلامي منذ 1979. وهي ظاهرة تأتي في عدة أشكال وتؤثر على كل جانب من جوانب الحياة في إيران.

ومنذ قدومه إلى السلطة عام 2013، حاول الرئيس المعتدل «حسن روحاني» الدفع نحو تقليص هذه العقدة التي تواجه الصناعة الإيرانية، ولكنه بدلًا من ذلك انشغل في أولوية استمالة قادة الحرس الثوري لرؤيته من أجل المستقبل. فلسفة «روحاني» التي جاءت في صيغة «لا بديل عن الفوز» بسيطة. على زعماء الحرس الثوري أن يوافقوا على التغيير، وفي المقابل لن يتم استثناؤهم من الفرص الاقتصادية التي ستأتي بعد رفع العقوبات. لكن جنرالات الحرس الثوري لا يزالون قلقين تجاه «روحاني» ورؤيته للمستقبل. وقد أثبتوا مرارًا وتكرارًا أنهم على استعداد للتضحية بالرئيس وفريقه إذا شعروا بالتهديد.

اللعبة النهائية للحرس الثوري

بالنسبة للعالم الخارجي، فإنّ تقويض الحرس الثوري لحكومة «روحاني» المنتخبة ملحوظ للغاية. بداية بألعاب الحرب الدورية وإطلاق الصواريخ في استعراض للقوة، إلى إلقاء مخابرات الحرس الثوري القبض على مزدوجي الجنسية الإيرانيين لإحراج الرئيس، ويخفي الحرس نواياه من كل ذلك في كشف حدود قوة «روحاني».

في الوقت نفسه، فإنّ الجزء الأكبر من وسائل الإعلام والتي يتبع معظمها الحرس الثوري، تعيد طوال الوقت الحديث عن أن «روحاني» وفريقه دخلاء لتحويل الطابع الثوري الإيراني، وقد بدأت تلك الحرب الإعلامية على «روحاني» بعد أسابيع قليلة من وصوله للرئاسة ودعوته للحرس الثوري بالابتعاد عن الاقتصاد والسياسة.

وتحدث «محمد علي جعفري»، أحد الغاضبين داخل الحرس الثوري أنّ هناك من هم داخل النظام «ولا يظهرون وجوههم الحقيقية»، مثيرًا تساؤل حول ولاء «روحاني» للجمهورية الإسلامية. وظل «روحاني» جزءا لا يتجزأ من النظام منذ عام 1979، لكنه أصبح حانقًا على الحرس الثوري وقال أن إطلاق الحرس الثوري للصواريخ ومناوراته العسكرية من أجل تخويف الطرف الأخر ليست ردعًا جيدًا. وأكد «روحاني» أنه يحظى في رؤيته بدعم المرشد الأعلى «آية الله علي خامنئي».

على الأقل كانت تلك هي الحال حتى الاتفاق النووي في يوليو/ تموز عام 2015 بين إيران والقوى العظمى في العالم. كان الحرس الثوري فقط هو الجهة التي تملك وزنًا لضمان ألا تنسحب الاتفاقية التي وقعها فريق «روحاني»، والتي وافق عليها «خامنئي» على مضض كخطوة لا مفر منها لتجنب انهيار الاقتصاد، إلى قائمة طويلة من المطالبات من الولايات المتحدة.

عندما تحدث، هذا الصيف، «آية الله علي أكبر هاشمي رافسنجاني»، الرئيس السابق وبالونة الاختبار المفضلة لحكومة «روحاني»، ضد عسكرة إيران وأشاد بألمانيا واليابان كنماذج لقوى عسكرية في وقت من الأوقات استطاعت التحول للقوة الاقتصادية والتطور، رأى قادة الحرس الثوري الإيراني في هذا الحديث تعديًا للخطوط الحمراء. وتم انتقاد «رافسنجاني» على سذاجته بمقارنة دولًا عسكرية مهزومة بالجمهورية الإسلامية المستمرة في الصعود.

محور الحرس الثوري - «خامنئي»

إنّ تقديس «خامنئي» للحرس الثوري يأتي خدمة مصالح ذاتية فقط. وبالعودة لحرب إيران مع العراق (1980-1988)، عندما تم اختيار «خامنئي» نفسه رئيسًا، وكان شخصية أكثر اعتدالًا، لم يكن حليفًا مقربًا من الحرس الثوري. وفي الحقيقة، قد منعه الحرس الثوري من حق زيارة أرض المعركة بسبب سياساته. ولكن منذ أن أصبح مرشدًا أعلى في 1989، تحولت استراتيجيته لتأليب الرؤساء المنتخبين على قيادات الحرس الثوري غير المنتخبين للحفاظ على مكانه كلاعب مركزي رئيسي في النظام. وخلال 26 عامًا على قمة هرم السلطة، مارس «خامنئي» مقامرته الأكبر بتوسيع أدوار الحرس الثوري لتمتد نحول السياسة والاقتصاد. واليوم تعتمد قبضة «خامنئي» على السلطة على ذلك، بالرغم من الانتقادات التي واجهها بتحويل الحرس الثوري لأكثر من مجرد قوة مسلحة لحماية النظام. ومنذ انتهاء الحرب مع العراق، انطلق الحرس الثوري ليشارك في كل شيء، من الإنشاءات للطرق للاتصالات والنفط والغاز وغيرها. ولكن من الصعب تحديد الدور السياسي الذي يلعبه الحرس، لكن جنرالات الحرس الثوري يسعون للعب دور حراس السياسة الإيرانية.

ولازال فك ارتباط «خامنئي» والحرس الثوري اختبارًا صعبًا لفريق «روحاني»، الذي يقترب من هذه المنطقة بحذر. وفي مجال السياسة الخارجية، عندما تم تعيين «جواد ظريف» وزيرًا للخارجية، أتى بدائرته الداخلية الخاصة ولكنه أبقى واحدًا ممن عملوا مع إدارة «محمود أحمدي نجاد». كان هذ هو «حسين أمير عبد اللهيان»، نائب وزير الخارجية لشؤون العرب وأفريقيا. ولم يكن القرار يعني شيئًا لـ«أحمدي نجاد».

أبقى «ظريف» على «عبد اللهيان» في هذا المنصب لاسترضاء الحرس الثوري، حيث كان مقربًا من «قاسم سليماني» قائد الفرع الخارجي للحرس الثوري، فيلق القدس. وتم إقالة «عبد اللهيان» في يناير/ كانون الثاني هذا العام. وأتى هذا في الوقت الذي كان هناك أمل بإنهاء الاتفاق النووي بين «ظريف» و«جون كيري» وزير الخارجية الأمريكي، والتعاون في قضايا إقليمية مثل تلك القضايا في اليمن وسوريا، حيث يقود الحرس الثوري جهود إيران.

وتم تعيين «عبد اللهيان» سريعًا كمستشار خاص لـ«علي لاريجاني» المتحدث باسم البرلمان الإيراني والموالي لـ«خامنئي». ويأتي هذا الإصرار من محور «خامنئي- الحرس الثوري» للإبقاء على «عبد اللهيان» في الصورة كتحدٍ لـ«ظريف» الذي يحاول إعادة تشكيل السياسة الخارجية الإيرانية.

ولا تقل اختبارات فريق «روحاني» في مجال الاقتصاد صعوبة، حيث توجد مصالح الحرس الثوري الراسخة بعمق. وفي هذا الشأن يأتي نظير «ظريف» في وزارة النفط «بيجان زانجانه». ومنذ أن أتى كوزير للنفط عام 2013، أطلق عقدًا جديدًا للبترول في إيران يهدف لجذب شركات النفط والغاز الأجنبية للاستثمار في إيران.

حاول الحرس الثوري وحلفاؤه في البرلمان تقويض ذلك، وقاموا أحيانًا بمهاجمة عقد البترول الإيراني بأنّه خضوع لمطالب المستثمرين الأجانب. وأصابهم القلق من تنويع حكومة «روحاني» عقود النفط بعيدًا عن المؤسسات المحلية التي ترتبط معظمها بالحرس الثوري الإيراني.

ومثل رئيسه، حاول «زانجانه» تخفيف حدة المعارضة، وأدرج مجموعة تقع تحت سيطرة الحرس الثوري كواحدة من ثمان شركات إيرانية فقط قادرة على تشكيل فريق مع الشركات الأجنبية في عقد النفط الإيراني، وتم منح أول ترخيص في العقد الجديد لشركة «ستاد» وهي مجموعة تتبع مكتب المرشد الأعلى.

عندما يكون ذلك ممكنًا، يفضل فريق «روحاني» تشارك الاستقطاب للتغلب على معارضة جماعات المصالح المرتبطة بالمتشددين مثل الحرس الثوري. وفي أوقات أخرى، لا يملك فريق «روحاني» ببساطة مجالًا كبيرًا للمناورة. ومثال على ذلك ما حدث بخصوص فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية، وهي هيئة حكومية دولية مكلفة بمكافحة غسيل الأموال. وقاد الحرس الثوري حملة ضد الهيئة واصفًا إياها بالمجموعة التي تحركها الولايات المتحدة ومقرها في باريس تريد التدخل في الشؤون المالية لإيران، وجاء الرفض القاطع من الحرس الثوري، خوفًا من التدخل في أمور مثل تمويل المقاومة كحزب الله. ولكن «روحاني» كان قادرًا حتى الآن على التصريح بأنّه لا مجال سوى السماح للهيئة بممارسة عملها في إيران من أجل سمعة الاقتصاد الإيراني في المحفل العالمي. مع ذلك، لم تكف قوة «روحاني» في الإقناع لإيجاد الحل.

وفيما يستعد «روحاني» لانتهاء فترته الأولى في الرئاسة، يمكن وصف تجربة حكومة «روحاني» على الأقل كحالة نجاح متفاوت. فلم يكسب الرئيس المعتدل ومعاونيه أمثال «ظريف» و«زانجانه» المعارك السياسية بسبب قوة إقناعهم أو بسبب وزنهم السياسي، ولكن بالمساومة التي حيدت في أوقات كثيرة المتشددين، وخاصة الحرس الثوري الإيراني. وقد ثبت أنها عملية شائكة، وستظل شائكة إذا فاز «روحاني» بفترة رئاسية ثانية في 2017. ومن جانب «روحاني»، لم يكن الاتفاق النووي مع العالم الخارجي غاية في حد ذاته. لقد كان منصة تم بناؤها كجزء من محاولة خارجية لجعل إيران دولة أكثر انتشارًا. رغم ذلك، يبقى التساؤل قائمًا حول مدى رغبة جنرالات الحرس الثوري في الاستمرار في الرحلة مع الرجل الذي يحب أن يطلق على نفسه «شيخ الدبلوماسية».

المصدر | فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

الحرس الثوري إيران الاتفاق النووي روحاني