«سايمون هندرسون»: حكمة «ابن سعود».. لماذا قد يصبح التقسيم النهاية الأقرب للحرب في اليمن؟

الأحد 23 أكتوبر 2016 11:10 ص

لماذا يجب على الأمريكيين أن يهتموا باليمن؟ المواطن الأميركي العادي ربما لا يمكنه أن ينتبه إلى هذه الزاوية الجنوبية الغربية النائية من المملكة على الخريطة. ولكن حان الوقت بالنسبة لهم للتعلم. تتعلق الحرب الأهلية في اليمن بحليف وثيق للأميركيين، ولكنه في كثير من الأحيان يكون محرجا.

كيف يمكن للولايات المتحدة أن توجه حرب المملكة العربية السعودية بحيث لا تتعارض مع مصالحها؟ الجواب يمكن أن يكون باتباع نصيحة الملك «عبد العزيز»، المعروف بابن سعود، الذي كان على فراش الموت عندما قال: «لا تدعوا اليمن يتحد».

كان جنون العظمة منذ فترة طويلة أساسا للسياسات السعودية في اليمن. الآن يدعم الإيرانيون المتمردين الحوثيين في اليمن وتريدهم إيران نموذجا مثيلا لحزب الله في لبنان بعد أن تبنوا شعار: «الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام». أما الحوثيون، فهم يريدون في نهاية المطاف أن يقرروا مصيرهم أكثر من كونهم بدائل إيرانية. (كما أنهم من الطائفة الزيدية وهم الشيعة الوحيدين الذين يشبهون السنة وليسوا مثل الشيعة الفعليين).

من الواضح أن الحوثيين يشكلون تهديدا مباشرا للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا (والسعودية المتحالفة معها)، بعد أن أجبروا الرئيس «عبد ربه منصور هادي»، على الفرار من البلاد بعد انضمام الحوثيين إلى قوات الرئيس اليمني السابق «علي عبد الله صالح» (الذي كان معارضا للحوثيين حتى اضطر للخروج من السلطة في عام 2012). ولكن هناك شك في أن هؤلاء المتمردين يشكلون تهديدا مباشرا للرياض، خارج حدود أفكار جنون العظمة السعودية.

ومع ذلك، يتم اعتبار الحرب بأنها تمت كمقايضة على ما يبدو لتقارب واشنطن في الملف النووي مع طهران، حيث طلبت الرياض دعم الولايات المتحدة لحرب قوات التحالف التي تقودها السعودية من أجل إعادة تأسيس حكم «هادي» في صنعاء . (هادي، حتى اللحظة الراهنة، يقيم في جناح فندق في الرياض). هناك عامل إضافي، يصب في اتجاه الرياض وهو أن واشنطن تريد دعم السعودية للائتلاف تقوده الولايات المتحدة لمحاربة الدولة الإسلامية في سوريا والعراق.

أيضا يوجد في سفوح الجبال الصخرية مناطق تدريب تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية (القاعدة في جزيرة العرب)، المتهم بتدبير تفجير نورث ويست إيرلاينز وعمليات تشارلي إيبدو في باريس. أي حادث إرهابي في الولايات المتحدة مع عنوان يمني يعني إمكانية واقعية لبدء الحرب، والمسؤوون الأميركيون الذين يعرفون ذلك مستعدون للذهاب بعيدا جدا لمنع هذا الأمر. وقد أدى هجوم ناجح على سفينة تابعة للبحرية الأمريكية إلى شل مدمرة« يو إس إس كول» في ميناء عدن عام 2000.

وحتى اندلاع الحرب مع الحوثيين في العام الماضي، كانت القوات الخاصة الأمريكية تعمل من قاعدة العند الجوية إلى الشمال مباشرة من عدن، ضد الجهاديين، مع نجاحات في بعض الأحيان ومن أكثرها أهمية، قتل «أنور العولقي». تنطلق عمليات الولايات المتحدة الآن من جيبوتي، من الجانب الآخر من البحر الأحمر، في أفريقيا. كما كان من قبل، فإن الطائرات بدون طيار هي جزء رئيسي من هذا الجهد. وهناك أيضا، بشكل شبه سري، عدة عشرات من قوات العمليات الخاصة الأمريكية على الأرض.

تباين في المصالح

هناك فوارق حاسمة بين مصالح السعودية والولايات المتحدة في اليمن. ففي حين يهيمن على تفكير الرياض دعم إيران للمتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة وجزء كبير مما كان يعرف باليمن الشمالي (أو أكثر رسمية: الجمهورية العربية اليمنية)، يتركز قلق واشنطن على الجنوب، الأراضي التي كانت تعرف باسم جمهورية اليمن الشعبية الديمقراطية. (الدولة الحديثة التي نسميها اليمن شكلت فقط عندما توحد هذين البلدين في عام 1992).

تقنيا، تم تحرير منطقة من جنوب اليمن من مضيق باب المندب إلى الحدود مع سلطنة عمان من قبل التحالف العربي بقيادة السعودية. وفي الواقع، استطاعت قوات الإمارات العربية المتحدة، بالتحالف مع القوات الحكومية المتبقية، السيطرة على ميناء مدينة عدن وكذلك المكلا إلى الشرق. لكن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لا يزال يجد ملاذا في مساحات شاسعة من الجنوب حيث تقاوم الحكومة اليمنية، وحلفاؤها العرب، للحفاظ على السيطرة. حيث هناك مقاتلون يعلنون ولاءهم للدولة الإسلامية أيضا ينشطون في المنطقة.

تقوم واشنطن والرياض بإدارة حربين منفصلتين بطريقة غير واضحة للغرباء. تتشارك القوات الجوية السعودية والقوات الجوية الأمريكية الأجواء اليمنية وتتداخلان في ساحة المعركة. و لدى البلدين مساحة للتعاون وبالتالي تتسامحان إلى حد كبير مع سلوك الطرف الآخر.

ولكن هذا التسامح قد أصبح تحت الضغط الآن. ففي يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول، الذي شهد ذلك القصف المريع لبيت عزاء في صنعاء الذي قتل فيه أكثر من 140 وسقط مئات الجرحى، بدأت الولايات المتحدة في الشعور بقلق حقيقي من تكتيكات السعودية وهو ما قد يعني تخفيض مستويات التعاون. وقد فرضت قيودا على موضوع التزود بالوقود في الأجواء، وهذا يعني أن طائرات F16 السعودية لا يمكنها الآن أن تتلكأ في المجال الجوي اليمني، في انتظار أهداف تصلح للضرب. هذه التطورات الأخيرة جاءت للحد من الأضرار الجانبية، أو على وجه الدقة لمنع سقوط ضحايا من المدنيين. وقد قام السعوديون بالفعل باستهداف العيادات والمدارس مبررين أن الحوثيين كانوا يستخدمونها كمخازن عسكرية.

على الرغم من أن هدف القصف كان سياسيا يمنيا متحالفا مع الحوثيين، كان قصف مثل هذا التجمع مخالفا لأخلاقيات الجيش الأمريكي. وقد اعترف السعوديون بتورط «طائرات التحالف»، وهي صيغة تشير إلى الواقع المؤسف الذي يعني أن القصف كان بمباركة أو مشاركة من طائرات أمريكية تحمل ذخيرة أمريكية الصنع. وقد غطت مراكز القوى في واشنطن، البيت الأبيض والكونغرس ووسائل الإعلام، الحدث بطريقة مرعبة.

وقد تصدرت هذه الفظاعة نشرات الأخبار. ورد الحوثيون من خلال إطلاق اثنين، وربما ثلاثة، هجمات صاروخية ناجحة على المدمرة «يو إس إس ميسون» في البحر الأحمر إلى الشمال من باب المندب. وردت الولايات المتحدة بشن هجمات صاروخية من طراز هاربون، التي سحقت مرافق الرادار الساحلي للحوثي.

ومن زاوية أخرى وإلى حد كبير تعد واردات الغذاء في اليمن على أعتاب أزمة إنسانية. وربما من المتوقع جدا أن يقوم الحوثيون ومؤيدوهم بإلقاء أسلحتهم. انهار وقف إطلاق النار السابق بعد الكشف عن انتهاكات السعودية المزعومة وإعادة إطلاق الضربات الجوية. وقف إطلاق النار القائم يمكن أم يتم تجديده نظريا أو يمكن أن يلقى نفس المصير.

الاستراتيجية الأمريكية

 يجب أن تكون استراتيجية الولايات المتحدة للحفاظ على وقف إطلاق النار قائمة على التوسط للوصول إلى اتفاق لتقاسم السلطة في الشمال.

يسيطر «هادي»، وهو رجل واشنطن والسعودية، من الناحية الفنية على غالبية أراضي اليمن. ومما يؤسف له أن تلك الأرض هي الجزء الخال من اليمن، وربما يبلغ عدد سكانها 3 ملايين فقط. أما تحالف الحوثي و«صالح» فيتحكم في مساحة أقل بكثير من الأرض، ولكنه يسيطر عل الجزء الجبلي المحكم عسكريا. بالإضافة إلى ذلك، هذه المنطقة هي موطن لأكثر من 20 مليون شخص، وهو الجزء الأكبر من سكان البلاد.

إن تقسيم اليمن، والعودة إلى رغبة ابن سعود وهو على فراش الموت، يجب أن يكون منطقا واضحا لجميع الأطراف. الجنوب يريد ذلك. «هادي» نفسه قد يفضل ذلك. ويقال إن قوة أجنبية حاسمة في الجنوب، وهي دولة الإمارات العربية المتحدة أيضا تعتقد أن التقسيم هو الخيار الأفضل. و إيران أيضا قد لا تعارض. ويمكن أن يعتمد ذلك على ما إذا كانت السعودية، وبالأخص وزير للدفاع وولي ولي العهد، «محمد بن سلمان»، يمكن أن يكون مقتنعا بحكمة كلام جده على فراش الموت.

يعتمد منع غضب آخر في اليمن ومنع سقوط ضحايا من المدنيين أو هجوم إرهابي على الولايات المتحدة، على جهود واشنطن على مدى الأشهر القليلة المقبلة في إدارة التحول السياسي في الداخل، ومن المرجح أن يكون ذلك محدودا. لذا يبدو أنه سيكون على اليمنيين انتظار الوافد الجديد إلى البيت الأبيض.

  كلمات مفتاحية

اليمن السعودية الحوثي صالح تقسيم اليمن هادي