استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

سراب الانفراج العربي مع تعمق الاحتقان

الأربعاء 26 أكتوبر 2016 04:10 ص

يندر ان تتزامن تطورات «ايجابية» اربعة على صعيد العالم العربي في اسبوع واحد. هذا ما حدث الاسبوع الماضي. فماذا تعني؟ وهل يمكن اعتبارها بداية للخروج من النفق المظلم الذي دخلته شعوب المنطقة بعد ضرب ثورات الربيع العربي؟ فبرغم استمرار الشد والجذب على صعدان شتى ذات علاقة بالشرق الاوسط، حدث ما لم يكن في الحسبان. 

اول هذه التطورات التوافق على هدنة مؤقتة في حلب ومحيطها للسماح بدخول الاغاثة لسكانها المهددين بالموت.

ثانيها: موافقة السعودية على وقف اطلاق النار في الحرب على اليمن استجابة للطلب الانكلو أمريكي بعد اجتماع مهم في منتصف الشهر في لندن.

ثالثها: الاعلان عن توافق لبناني حول الرئيس بعد اكثر من عامين من الركود والتجاذبات السياسية.

رابعها: بدء عملية تحرير الموصل ضمن توافق عربي ودولي لاحتواء ظاهرة الإرهاب التي اصبحت تهدد العالم بشكل يفوق مستوياته السابقة.

بموازاة تلك التطورات «الايجابية» ثمة تداعيات متواصلة لازمات تزداد عمقا.

فالخلاف التركي ـ العراقي يتطور بعد نشر قوات تركية بمنطقة «بعشيقة» قرب الموصل، ومطالبة تركيا بالمشاركة في عمليات تحرير الموصل.

ثانيها: تصاعد الخلاف بين مصر والسعودية منذ عقد مؤتمر غروزني الذي شاركت مصر فيه بحضور شيخ الازهر نفسه.

ثالثها: تصاعد الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا بسبب الدور الروسي المتنامي في المنطقة واصرار روسيا على استهداف كافة المجموعات المسلحة في سوريا، ومن بينها المدعومة من الغرب.

رابعها: تعمق الازمة الاقتصادية بدول مجلس التعاون نتيجة تراجع اسعار النفط وزيادة الانفاق العسكري وتراجع معدلات النمو الاقتصادي فيها. ومن الصعب التوصل إلى نتيجة حاسمة حول ما إذا كانت هذه التطورات بمجملها دافعا للامل ام اليأس.

وسوف يتضح عمق التعقيدات التي تلف الوضع العربي عموما إذا اضيف إلى ذلك اربع حقائق اخرى: 

أولا: تجميد استحقاقات الاصلاح المطلوب بعد الربيع العربي، وما ينطوي عليه من تعمق ظواهر الديكتاتورية وانتهاك حقوق الانسان.

ثانيا: استمرار دق الاسفين بين ابناء الامة الواحدة وفق خطوط التمايز العرقي والمذهبي، بعد ان اثبتت التجربة ان ذلك يحول دون انتشار الوعي الجماهيري الذي يعبر عن نفسه عادة بالتمرد والثورة على الوضع السياسي القائم ومنظومة الحكم العربية.

الثالثة: تراجع دور النخبة الواعية ذات الثقافة والوعي والانتماء الفكري والديني القادرة على لجم جماح التطرف وتوجيه بوصلة الشعوب نحو الحرية والعطاء بدلا من الاستبداد والقابلية للتدمير.

الرابعة: انعكاسات تداعي الاوضاع الاقتصادية والسياسية في الغرب، وتوجه بعض دوله نحو المنطقة لسلب ثرواتها مجددا واستقطاب ما بقي من اموال اما تحت غطاء الصفقات العسكرية ام بعنوان الاستثمار.

في ظل هذه الحقائق الموزعة على محاور ثلاثة يصعب الخروج باستنتاج لتوصيف دقيق سواء لواقع الامة ام استشراف مستقبلها، ام التبنؤ بما ستؤول اليه العلاقات الدولية في ضوء الحرب الباردة المتصاعدة بين القطبين الاساسيين في السياسة الدولية. واذا اضيف إلى ذلك تكرر الحديث عن حرب عالمية ثالثة، فان الحقائق المذكورة ترجح ان يكون الشرق الاوسط ميدانها الاساسي.

فالعودة الروسية للمنطقة بعد ربع قرن من سقوط الاتحاد السوفياتي ونهاية الفصل السابق من الحرب الباردة، احدثت استقطابات جديدة وضعت الدول العربية والإسلامية الكبرى في مواقع متضادة على طرفي السباق على النفوذ. فاذا كانت دول كالسعودية ومعها اغلب دول الخليج محسوبة على المعسكر الغربي بشكل واضح، فان دولا اخرى مثل إيران وسوريا اصبحت متحالفة مع الروس. 

وبعد مسلسل من اخفاقات الدبلوماسية الأمريكية، ومواقفها المتأرجحة، جنحت تركيا ومصر نحو ذلك المحور. ومع ان من الصعب الجزم بوجود معسكرين واضحي المعالم والاهداف والحدود، فثمة تحسس لدى الغربيين من تراجع دورهم في المنطقة لصالح الروس. الامر المؤكد ان لكل من الدول المذكورة التي توجهت شرقا اسبابه. فإيران منذ تغير نظامها السياسي في 1979 اصبحت اقرب إلى روسيا، إلى المستوى الذي دفع الامام الخميني لارسال رسالته التاريخية في 1989 للرئيس السوفياتي السابق، ميخائيل غورباتشوف، يحثه فيها على اعادة قراءة الإسلام.

والتقت المصالح الإيرانية والروسية في السنوات الاخيرة على الارض السورية، وتركيا شعرت بالامتعاض كثيرا بعد ان خذلها الغربيون عندما تعرضت لمحاولة انقلاب فاشلة، بينما كان للروس والإيرانيين (وفقا لتسريبات غير مؤكدة) دور في كشف الانقلاب وإطلاع الرئيس التركي، طيب اردوغان، عليه قبل تنفيذه. اما مصر فتسعى لاحداث توازن في سياساتها الخارجية بتمتين العلاقات مع روسيا، بشراء السلاح والتبادل التجاري والتعاون السياسي.

ان من الخطأ الكبير الاعتقاد بان روسيا ستكون حليفا دائما للعرب والمسلمين، ولكن السياسة تفرض صداقات مؤقتة اما لاسباب طارئة او انتقاما لاطراف اخرى او أملا في تغيير سياسات اطراف غير ودية تجاهها. ولكن الخطأ الاكبر اعتبار أمريكا حليفا حقيقيا. فتجربة اكثر من نصف قرن كشفت طبيعة السياسة الأمريكية التي ما تزال ملتزمة بمبدأ ثابت: ضمان التفوق العسكري الاسرائيلي على العرب.

أمريكا وقفت مع الكيان الاسرائيلي في كل حروبه على العرب، ودعمته بالسلاح والمعلومات، واستخدمت الفيتو لاسقاط القرارات الدولية التي تطالبه بالانسحاب من الاراض الفلسطينية. لكن المشكلة الرئيسية، كما كانت دائما، متأصلة في الكيانات العربية التي نشأت قبل مئة عام في اوضاع تلك الحقبة التي تتكرر في الوقت الحاضر: الحرب العالمية الاولى، سايكس بيكو، سقوط الخلافة، تعمق الوجود الاستعماري، استهداف الوعي القومي العربي.

اليوم تعيش كيانات العالم العربي اوضاعا مشابهة: مواجهة اطماع الآخرين من الغرب والشرق في اراضيهم وثرواتهم، توسع النفوذ الغربي متمثلا بالقواعد العسكرية التي اقيمت في أغلب بلدان المنطقة، تعمق الفجوة بين الشعوب والحكومات بسبب غياب الممارسة الديمقراطية، استسلام النظام السياسي العربي امام الصلف الاسرائيلي الذي يوسع وجوده بتوسيع مشاريع الاستيطان، تغييب إرادة الجماهير وإبعادهم عن دوائر القرار، مع استمرار الاضطهاد والقمع والاستبداد، توسع الفتنة واسباب التمزق الداخلي بدلا من التوحد وتقوية الصف لمواجهة الطامعين في هذه الامة وارضها وثروتها وهويتها.

من هنا يبدو حدوث عدد من الانفراجات على صعيد القضايا المعقدة التي تعصف بالعالم العربي، امرا خارجا عن المألوف. فهو سبب للتفاؤل إذا كان ينطوي على تغيرات حقيقية في عقلية ذوي التأثير على مسارات تلك القضايا، ولكن الخشية ان يكون التزامن عفويا ولا ينطوي على ما يمكن استنباطه من ايجابيات ميدانية نوعية.

فالعراق قادر على تحرير ارضه من المجموعات المسلحة ذات النزعة الإرهابية، ولكن ذلك لا يعني نهاية مشاكله التي اصبحت متشعبة ومتداخلة، اجرائية وبنيوية، سياسية وحياتية. وفي غياب القيادات التاريخية يحتاج العراق لمعجزة لكي يتماسك شعبه وتتحرر ارضه وتحمي حدوده.

وسوريا هي الاخرى دخلت (او ادخلت) باب الفوضى من اوسع الابواب، ويتوقع ان تتواصل ازمتها طويلا حتى لو هزمت المجموعات المسلحة. ولبنان، هو الآخر، محكوم ليس باوضاعه الداخلية فحسب، بل بظروفه الاقليمية ايضا، ولا يستطيع ان ينفصل عما يجري في سوريا وفلسطين وتركيا. ولا شك ان التوافق على رئيس مقبول من كافة الاطراف سوف يحقق قدرا من التوافق الداخلي، ولكن الواضح ان الجميع يبحث عن «هدنة» وليس عن «وقف دائم لاطلاق النار».

واليمن ليس افضل حظا، فوقف اطلاق النار بشكل هش لا يعني نهاية الحرب، بل ربما تكون الحقبة التالية اكثر دموية من سابقتها. فقوى التحالف الذي تقوده السعودية استثمرت كثيرا في الحرب على امل تحقيق انجاز عسكري حاسم، ومن الصعب ان تقبل بنهاية للحرب لا تحقق تلك الاهداف او بعضها. وفي الوقت نفسه فان تطورات الحرب لا توحي بامكان حسمها عسكريا، فذلك المسار لا يؤدي إلا للمزيد من الدمار وارتكاب جرائم حرب ومزيد من تعبئة الرأي العام الغربي ضد حكوماته التي تساهم في تلك الحرب بشكل شبه مباشر.

وهكذا يظهر ان كافة المؤشرات للتطورات الايجابية تخفي واقعا مرا يحتاج التعاطي معه لامور عديدة: دبلوماسية ونوايا صادقة وحزم في ارادة الاصلاح واستعداد لتطوير اوضاع الشعوب بما يتناسب مع شعارات ثورات الربيع العربي.

إنه امر صعب، ولكن البديل عنه استمرار الاحتقان السياسي والامني، والخشية المتواصلة من استمرار التطرف وتوسع الإرهاب والعنف، والمزيد من تمزق الاوطان. تلك هي شروط التمرد المجتمعي على الواقع السياسي وما يتضمنه من حتمية الانفراج، ولكن على حساب الانظمة والاحتلال والنفوذ الغربي، وهذا ما لا تريده القوى التي تخطط دائما ضد مصالح العرب والمسلمين.

٭ د. سعيد الشهابي - كاتب بحريني

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

السعودية سوريا اليمن العراق العالم العربي الربيع العربي الشرق الاوسط تركيا روسيا إسرائيل