استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

السياسات المسمومة تغذي الأزمات الاقتصادية

الأربعاء 26 أكتوبر 2016 11:10 ص

تشهد العلاقات بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي تحولات كبرى في العصر الراهن. فصناع القرار في الدول المتقدمة محبوسون في قفص الأزمات المسمومة التي تنتجها النزاعات الدولية، بينما المطلوب منهم هو العمل على إيجاد شكل من أشكال التوافق الاقتصادي الذي يضمن الخروج من مرحلة النمو الضعيف التي طال أمدها.

ومن نافلة القول إن الصراع السياسي ليس شيئا جديدا. ولكن حتى وقت قريب، كان من العرف المتبع هو أنه إذا توافق خبراء الاقتصاد من التكنوقراط على نهج معين يصغي القادة السياسيون لما يقوله الخبراء. وحتى عندما حاولت أكثر الأطراف السياسية راديكالية دفع أجندة مختلفة كانت الفعاليات والقوى النافذة - سواء منها الإقرار الضمني التوافقي لحكومات السبع الصناعية أو أسواق المال، أو شروط الإقراض في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي - تضمن دائما فوز الإجماع العالمي في نهاية المطاف.

ففي عقد التسعينيات والعقد الذي تلاه على سبيل المثال، سادت مفاهيم ما يسمى «إجماع واشنطن» في صنع السياسات في الكثير من دول العالم وسعى الجميع بدءا من الولايات المتحدة وحتى العديد من الاقتصادات الناشئة للانخراط في أنشطة تحرير التجارة والخصخصة وتوظيف آليات الأسعار بنسبة أعلى، ورفع القيود عن القطاع المالي، والإصلاحات المالية والنقدية مع التركيز على جانب العرض.

وساعد احتضان «إجماع واشنطن» من قبل المؤسسات المتعددة الأطراف في توسيع دائرة انتشاره الأمر الذي ساعد على منح عملية العولمة الاقتصادية والمالية زخما قويا وعلى نطاق أوسع.

ولم تكن الحكومات التي وصلت إلى السلطة على ظهر الحركات غير التقليدية التي نشطت في ظل عدم الارتياح الداخلي والإحباط من الأحزاب الرئيسية متفقة مع «إجماع واشنطن» اتفاقا كليا. ويمكن الاستدلال بتجربة رئيس البرازيل لويس إيناسي ولولا دا سيلفا ورئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس الذي أحدث منعطفا تاريخيا في السياسة اليونانية.

ولكن بعد سنوات من النمو البطيء وغير الشامل بدأ التوافق بالانحسار. وساد الشعور بالإحباط المواطنين في الدول المتقدمة جراء أداء المؤسسات بما في ذلك «خبراء» الاقتصاد والقادة السياسيون الحاليون، وهيمنة الشركات متعددة الجنسيات الذين يحملونهم مجتمعين وعلى نحومتزايد مسؤولية المتاعب الاقتصادية.

وقد سارعت الحركات والشخصيات المناهضة للمؤسسة لاستغلال هذا الإحباط وأطلقت العنان للخطابات النارية لكسب التأييد. ولم يكن هؤلاء بحاجة للفوز في الانتخابات لتعطيل آليات التفاعل بين الاقتصاد والسياسة. وقد ثبت ذلك في المملكة المتحدة في شهر يونيوعندما تم التصويت على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي وجاء القرار تحديا مباشرا للتوافق الاقتصادي الواسع على أن بقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي مصلحة لها.

والآن فتح الباب على مصراعيه. ففي المؤتمر السنوي لحزب المحافظين مؤخرا كشفت خطابات رئيسة الوزراء تيريزا ماي وأعضاء حكومتها عن توجه نحو الخروج المؤلم وبالتالي التنكر لكافة الترتيبات التجارية التي خدمت الاقتصاد بشكل جيد.

وتواجه عدة اقتصادات متقدمة أخرى تطورات سياسية مماثلة. ففي ألمانيا لا بد أن تؤثر النتائج الجيدة التي حققها اليمين المتطرف بشكل مفاجئ في الانتخابات الأخيرة بسلوك الحكومة.

وفي الولايات المتحدة، حتى لو فشلت حملة الانتخابات الرئاسية في وضع دونالد ترامب الجمهوري مرة أخرى في البيت الأبيض، سوف يترك ترشحه تأثيرا دائما في السياسة الأمريكية.

أما الاستفتاء على الدستور في إيطاليا الذي يجري في ديسمبر/كانون الأول المقبل بدفع من رئيس الوزراء ماتي ورينزي لتعزيز مكاسبه السياسية، فإذا لم تتم إدارته بشكل جيد فلا بد أن يكون تجربة محفوفة بالمخاطر، مثلما كان استفتاء ديفيد كاميرون نكسة تسببت في اضطراب سياسي وتقويض الإجراءات الفعالة لمواجهة التحديات الاقتصادية في البلاد.

ومن الواضح أنه لا مجال لارتكاب الأخطاء من جديد. ولا تزال الخيارات السياسية الثابتة ذات المصداقية متاحة. وبعد سنوات من الأداء الاقتصادي دون المتوسط، هناك اتفاق واسع النطاق على الحاجة الماسة إلى التحول بعيدا عن الاعتماد المفرط على السياسة النقدية غير التقليدية.

ويتعين على الدول اتباع نهج أكثر شمولية يعتمد على الإصلاحات الهيكلية الداعمة للنمو وعلى إدارة الطلب إدارة متوازنة، وتنسيق سياسات التحرك عبر الحدود. وهناك أيضا حاجة لمعالجة جيوب الإفراط في المديونية التي أفرزتها الأزمة اليونانية التي طال أمدها، والتي يمكن أن يكون لها تأثير ساحق يتجاوز المتضررين منها مباشرة.

ولا شك أن التوافق مجددا على هذه الخطوات هو الأمل المنتظر. ولكن في ظل البيئة السياسية الحالية، لا تبدو ترجمة هذا الإجماع إلى عمل أمرا مرجحا إلا أن يتم ببطء شديد في أحسن الأحوال. ومكمن الخطر في أن تتسع دائرة انتشار السياسات الخاطئة وبالتالي يزداد خطر الغضب الجماهيري وترتفع نسبة المحبطين الأمر الذي يدفع السياسة نحو مزيد من التسمم.

ويبقى الأمل في مسارعة قادة سياسيين يملكون الرؤية والشجاعة على تحمل المسؤولية وإجراء اللازم قبل أن تتحول السياسات إلى ردود أفعال للأزمات الاقتصادية التي لا تبقي ولا تذر.

* د. محمد العريان - كبير الاقتصاديين بمجموعة "أليانز"

المصدر | خدمة «بروجكت سنديكيت» - ترجمة الخليج بالشارقة

  كلمات مفتاحية

السياسة الاقتصاد الولايات المتحدة الاتحاد الأوروبي دونالد ترامب