لماذا تهافت المستثمرون على السندات السعودية؟

السبت 29 أكتوبر 2016 06:10 ص

كانت صفقة السندات السيادية بقيمة 17.5 مليار دولار في أكتوبر/ تشرين الأول، والتي أطلقتها المملكة العربية السعودية، رقمًا قياسيًا في الأسواق الناشئة، متفوقة على صفقة سندات الأرجنتين بقيمة 16.5 مليار دولار في وقت سابق من هذا العام. ووفقًا لصحيفة فاينانشيال تايمز، كان الطلب على الصفقة السعودية جيدًا للغاية بالنظر إلى حجم الصفقة، حيث وصلت قيمة الطلب إلى 67 مليار دولار. ويعكس حجم ونجاح الصفقة السعودية طبيعة الإقبال المتزايد على المخاطر في الأسواق المالية العالمية وتداعياتها الجيوسياسية الكبيرة.

البحث عن العائد

ويسيطر على الأسواق المالية العالمية مفهوم البحث عن العائد. وهناك عدة عوامل تحكم اللعبة: عدد متزايد من الناس في الغرب واليابان يحاولون التقاعد والاستفادة من خطط التقاعد، والأجور في كثير من الاقتصادات المتقدمة قد تثبت لفترة طويلة، وقد أضرت الفائدة القريبة من الصفر أو السلبية كثيرًا المدخرين وصناديق التقاعد وشركات التأمين. وفي الحالة الأخيرة، فإن هذه السياسات قضت على فكرة التقاعد والاستفادة من دخل الفائدة، وهو ما يجعل الكثيرين يعملون لفترة أطول ويساهمون في القلق الاجتماعي، وهذا بالتالي يعطي حافزًا للأحزاب السياسية والقادة الشعبويين في أوروبا والولايات المتحدة.

وللوصول للعائد، يضطر المستثمرون لتحمل مخاطر أعلى، الأمر الذي يعود بالفائدة على مصدري السندات السيادية مثل السعودية. وتضررت المملكة بشكل كبير منذ بدأت أسعار النفط بالانخفاض عام 2014 (بلغ عجز الموازنة 10% من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي)، ما تسبب في عائدات تصدير منخفضة، وتخفيضات موجعة في الإنفاق العام. مع ذلك، تبقى المملكة راسخة في سوق الاستثمار، ولازالت تتمتع بميزة تنافسية في ضخ النفط الرخيص، ودرجة نسبية من الاستقرار السياسي. علاوة على ذلك، يقوم مجموعة من شباب العائلة الملكية المثقف جيدًا بالعمل على إصلاحات هيكلية لتنويع الاقتصاد. إصدار السندات الجديدة سيضيف من ديون البلاد المتزايدة (لترتفع من 38 مليار دولار في ديسمبر/ كانون الأول عام 2015 إلى 73 مليار دولار في أغسطس/ آب عام 2016)، ولكنّ ذلك سينعش خزائن احتياطيات النقد الأجنبي وسيساعد على تنفيذ الإصلاحات.

وتستفيد السعودية من عدد من التطورات. إحداها، الطلب على الأسواق الناشئة بسبب بحث المستثمرين عن العائد. تم اعتبار الصفقة السعودية جذابة بشكل مرتفع للمستثمرين العالميين، مع شريحتها لمدة 10 سنوات بفائدة 3%. إضافة إلى ذلك، تمتلك سندات السعودية تصنيفات تماثل أو أفضل من عدد من السندات السيادية الأوروبية، وهو ما يجعلها صفقة ممتازة. وتم تصنيف السعودية من قبل وكالة موديز للتصنيف الائتماني بتصنيف (A1) وأعطتها وكالة ستاندرد أند بور تصنيف (A-) ووكالة فيتش تصنيف (AA-)، وهو ما يجعل تصنيفها أفضل من أسبانيا والبرتغال وإيطاليا.

تأتي الصفقة السعودية بعد صفقات سيادية سابقة لأبوظبي (بـ 5 مليارات دولار) وقطر (9 مليارات دولار)، وهي توضح أنّ هناك العديد من الصفقات الأخرى القادمة من منطقة الشرق الأوسط إلى الأسواق العالمية. وبينما يبدو أنّ الصفقة السعودية القادمة ستكون طرحًا عامًا لأسهم في شركة النفط الوطنية أرامكو، فهناك صفقات سندات أخرى محتملة من الكويت والأردن وشركة إيكويت للبتروكيماويات (مشروع مشترك بين حكومة الكويت وشركة داو كيميكال).

ما هي الأماكن التي تتناسب جيوسياسيًا مع إصدار السندات السعودية؟ واحد من الدوافع الأساسية للجولة الجديدة من سندات الشرق الأوسط هو انخفاض سعر النفط. وكانت السعودية وحلفائها في الخليج قد دفعوا الأسعار للهبوط لحماية حصتهم في السوق ضد روسيا وإيران والولايات المتحدة، لكنّهم دفعوا الثمن بخسارة جزء كبير من العائدات الأساسية. ووفقًا لوكالة ستاندرد أند بور، فإنّ الدول الخليجية الستة (السعودية وقطر والبحرين والكويت والإمارات وعمان) ستحتاج لاقتراض 560 مليار دولار مجتمعة خلال الـ 4 سنوات القادمة لتغطية خسائر عوائد النفط. وكانت أغلب دول الخليج قد استغلت الثروة النفطية في توفير مستوى معيشي مرتفع لمواطنيها، وهو ما تأثّر بسبب الواقع الجديد مع أسعار النفط المنخفضة.

وألقت خسائر عائدات النفط الضوء على الاعتماد شبه الكامل لدول الشرق الأوسط على النفط والغاز. لذا، شهدت هذه الدول صعوبات كبيرة في العامين الأخيرين. وفي تقرير لصندوق النقد الدولي حول الآفاق الاقتصادية العالمية في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، جاء فيه أن «السعودية من المتوقع أن تحقق معدل نمو متواضع هذا العام بنسبة 1.2%، في مواجهة ضبط الأوضاع المالية، قبل أن ترتفع في العام القادم إلى 2%. ومن المتوقع أن تصل معدلات النمو في البلدان الأخرى في مجلس التعاون الخليجي لنسب مماثلة بسبب مواجهة التعديلات المالية المستمرة».

وأوضح صندوق النقد الدولي أيضًا أنّ الشرق الأوسط (بمفهومه الجغرافي الأوسع والذي يضم سوريا والعراق ومصر) مستمر في مواجهة تحديات صعبة بسبب تدني أسعار النفط، وتداعيات التوترات السياسية، والصراع الأهلي في بعض البلدان. نتيجة لذلك، ترتفع المخاطرة السياسية في جزء كبير من الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أنّ السعودية لازالت مستقرة نسبيًا، فلديها نصيبها من المخاطر الجيوسياسية، الهجمات الإرهابية من وقت لآخر، والتوترات بين السنة والشيعة والحرب في الجارة اليمن مع الحوثيين المدعومين من إيران. إضافة إلى ذلك، فإنّ السعودية متورطة في حرب باردة مع إيران عبر الشرق الأوسط.

نقطة التقاء

وتمثل صفقة السندات السعودية نقطة التقاء أسواق المال العالمية والعملية الجيوسياسية. بالنسبة للأسواق، يكمن التحدي في إيجاد التوازن بين الحاجة للعائد وإدارة المخاطر. وتوفر السعودية عائدات أفضل من العديد من الديون السيادية في نفس التصنيف، لكنّها تقع في منطة صعبة الجوار، وتسير في اتجاه تغيير في هيكل الاقتصاد غير المستقر، ولا زالت معتمدة بشكل كبير على النفط. علاوة على ذلك، ستظل سنداتها حساسة تجاه تغيرات السوق العالمية، مثل أي رفع للفائدة من البنك المركزي الأمريكي، وما ستنتج عنه الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيتجنب أزمة اقتصادية جديدة.

ومن ناحية جيوسياسية، توفر الصفقة السعودية ضخًا مهمًا لرأس المال في البلاد، وهو ما يساعد على إنعاش احتياطيات النقد الأجنبي وتمويل الإصلاحات. وتنشئ الصفقة أيضًا معيارًا حاسمًا للسندات السعودية، الأمر الذي يفيد المصدرين السعوديين الآخرين ومصدري دول الخليج الأخرى عند الحاجة للتمويل لمواجهة انخفاض أسعار النفط لفترة طويلة. وحقيقة أنّ الصفقة تم استيعابها بسرعة تشير بوضوح إلى أنّ البحث عن العائد من جانب المستثمرين في البلدان المتقدمة يتغلب على مخاوف المخاطرة، على الأقل في الوقت الراهن.

المصدر | ناشيونال إنترست

  كلمات مفتاحية

السندات السعودية أسواق السندات أسعار النفط الاقتصاد السعودي