استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

مصر.. الصدام بين النقابات المهنية والسلطوية الجديدة

الأربعاء 2 نوفمبر 2016 02:11 ص

حدث الصدام بين نقابة الأطباء ونقابة الصحافيين وبين السلطوية الجديدة لأسباب تعددت من الدفاع عن حقوق الأعضاء إزاء العصف الممنهج بها وحماية الحريات النقابية إزاء التدخلات الأمنية المتكررة إلى رفض سياسات وقرارات وممارسات رسمية كانت محل استهجان شعبي. واضطلع المجلسان المنتخبان للنقابتين بدور رئيسي في تعبئة الأعضاء (إن بالدعوة إلى جمعيات عمومية استثنائية أو بأدوات أخرى) وتحفيزهم على المقاومة السلمية للسلطوية.

في 2015 و2016 تواترت اعتداءات عناصر منتمية للأجهزة الأمنية على أطباء وأفراد أطقم التمريض الطبي، ووثقت مواقع التواصل الاجتماعي وأحيانا بعض وسائل الإعلام لحالات صادمة كان من بينها وفاة طبيب بيطري داخل قسم شرطة في مدينة الإسماعيلية بعد أن كان قد ألقي القبض عليه واعتدي عليه قبل أن يقتاد إلى القسم. غير أن الحادثة التي فجرت غضب الأطباء ونقابتهم تمثلت في اعتداء شرطيين على أطباء بمستشفى حكومي في حي المطرية ـ مستشفى المطرية التعليمي ـ بمدينة القاهرة في 28 يناير/كانون الثاني 2016.

ففي أعقاب الحادثة نظم أطباء مستشفى المطرية التعليمي إضرابا كاملا عن العمل وأغلقوا قسم استقبال المرضى لحين اتخاذ إجراءات قانونية بصدد اعتداءات الشرطة. كذلك قام الطبيبان المعتدى عليهما بتحرير محضر بقسم شرطة حي المطرية اتهما به 9 من العناصر الأمنية بالاعتداء عليهما وتعريضهما للعنف الجسدي. أما نقابة الأطباء، فأصدر مجلسها المنتخب بيانا للرأي العام شرح به تفاصيل الحادثة وأسباب إضراب أطباء مستشفى المطرية وتقدم ببلاغ للنيابة العامة مطالبا بمحاسبة المعتدين، ودعا الأعضاء إلى جمعية عمومية طارئة لمناقشة الأمر في 12 فبراير/شباط 2016.

إزاء غضبة الأطباء ونقابتهم تم توقيف أمناء الشرطة المعنيين، غير أن النيابة العامة أخلت سبيلهم قبيل انعقاد الجمعية العمومية الطارئة بسويعات قليلة في خطوة فسرت على أنها استعلاء حكومي وتجاهل لمطالب مشروعة. ترتب على ذلك احتشاد أعضاء نقابة الأطباء في الجمعية العمومية الطارئة بصورة غير مسبوقة، حيث شارك نحو 10 آلاف طبيب ليجعلوا من الجمعية الحشد الأكبر منذ انقلاب 3 يوليو/تموز 2013 وبقيادة مجلس نقابتهم المنتخب والذي برز من بينه النقيب الدكتور محمد خيري عبد الدايم ووكيل النقابة الدكتورة منى مينا، وافق الأطباء بالإجماع على حزمة من القرارات أبرزها؛ حق الأطباء في الامتناع الاضطراري عن العمل حال الاعتداء عليهم أو على المنشآت الطبية، مطالبة النيابة العامة بسرعة إحالة أمناء الشرطة المتورطين في اعتداءات على الأطباء إلى محاكمات جنائية عاجلة، مطالبة السلطتين التشريعية والتنفيذية سرعة إصدار تشريع واضح يجرم جنائيا الاعتداء على المنشآت الطبية أو على الأطباء والفرق العاملة بها ويغلظ العقوبة المترتبة على ارتكاب هذه الجريمة، وأخيرا تنظيم وقفات احتجاجية للأطباء في 20 فبراير/شباط 2016 (سميت بوقفات الكرامة).

نظمت الوقفات الاحتجاجية في العديد من المستشفيات الحكومية والخاصة، وتداعى إلى تأييد غضبة الأطباء كثيرون بين صفوف المدافعين عن الحقوق والحريات والأصوات الديمقراطية ومعارضي السلطوية الجديدة وتضامنت مع نقابة الأطباء نقابات الصحافيين والمعلمين والمهندسين والنقل العام والنقل البري.

تراجعت السلطوية الجديدة عن شيء من استعلائها. أعلن رئيس مجلس الوزراء المهندس شريف إسماعيل التزام الحكومة بمحاسبة ومعاقبة المتورطين في الاعتداءات على الأطباء، ثم أكد على استعداده الاجتماع بمجلس إدارة نقابة الأطباء وللتجاوب مع مطالبهم. وأعقب التصريحات الرسمية بدء إجراءات المحاكمة الجنائية لأمناء الشرطة المتورطين في حادثة مستشفى المطرية، وهو ما اعتبرته النقابة ومعها قطاعات واسعة في الرأي العام إعلاء لقيمة حكم القانون ولضمانات الحقوق والحريات في مواجهة أجهزة أمنية متفلتة لم تعتد مساءلة أو محاسبة. كما أن الاحتشاد غير المسبوق للأطباء في جمعيتهم العمومية الطارئة وتراجع السلطوية إزاء غضبتهم جعلا من صون كرامة الأطباء وحمايتهم من تغول الأجهزة الأمنية وتجريم الاعتداءات أولويات محل تعاطف شعبي واسع، وحفز ذلك الأطباء على عدم التهاون فيما خص تقديم البلاغات القانونية عن الاعتداءات التي يتعرضون لها (إن من عناصر أمنية أو من مواطنين) والربط (وفقا لقرارات وتوصيات النقابة) بين الاعتداء على الأطباء والاعتداء على المنشآت الطبية.

بالقطع، استنفرت السلطوية الجديدة أدواتها المختلفة للضغط على نقابة الأطباء وأطلقت إعلاميا حملة لتشويه المجلس المنتخب للنقابة وامتنعت حكوميا عن الموافقة على مطالب عادلة أخرى للنقابة.

إلا أن التراجع الرسمي عن الاستعلاء وإحالة أمناء الشرطة المتورطين في حادثة مستشفى المطرية إلى المحاكمة أسسا لسابقة إيجابية تمثلت في استطاعة نقابة مهنية لها مجلس إدارة منتخب وفعال وقادر على الحشد غل اليد القمعية للأجهزة الأمنية وإلزام الحكومة بمحاسبة المتورطين في الاعتداءات والجرائم ضد أعضائها، وفي التحليل الأخير الصمود في مواجهة السلطوية الجديدة وأدواتها دون تنازل عن الدفاع حكم القانون وضمانات الحقوق والحريات وإن لأعضائها فقط.

في 18 و25 في 25 أبريل/نيسان 2016، تداعت مجموعات من الشباب إلى التظاهر السلمي احتجاجا على توقيع الحكومة المصرية لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع حكومة المملكة العربية السعودية (اتفاقية تيران وصنافير). حشد الشباب للتظاهر موظفين شبكات التواصل الاجتماعي، وانضم إليهم في دعوة الناس للتظاهر بعض الأحزاب السياسية (أبرزها أحزاب التيار الديمقراطي والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي) وشخصيات عامة وحقوقيين وصحافيين وإعلاميين ونقابيين. وبينما تمكن الآلاف من التظاهر السلمي والاحتشاد أمام مقر نقابة الصحافيين في وسط العاصمة القاهرة في 18 أبريل/نيسان 2016 (جمعة الأرض)، حاصرت الأجهزة الأمنية مقر النقابة وأغلقت الطرق المؤدية إليه وحالت دون خروج تظاهرات باتجاهه أو تجمع حشود كبيرة أمامه في 25 أبريل/نيسان 2016 (الذكرى السنوية لتحرير سيناء).

وفي اليومين وظفت الأجهزة الأمنية سلاح التوقيف وسلب الحرية لمنع التظاهر ولنشر الخوف، فألقت القبض على 110 من المتظاهرين في جمعة الأرض وأوقفت 230 مواطنا في يوم سيناء.

في سياق الملاحقة الأمنية للداعين والمشاركين في تظاهرات تيران وصنافير أصدرت السلطات أمرين بضبط وإحضار الصحافي عمرو بدر (رئيس تحرير بوابة يناير الإخبارية) والصحافي محمود السقا (أيضا صحافي ببوابة يناير الإخبارية) ووجهت إليهما لائحة الاتهامات المعهودة من انضمام إلى «جماعة تخالف أحكام القانون» إلى التحريض على التظاهر والتجمهر. في 30 أبريل/نيسان 2016 دخل الصحافيان في اعتصام مفتوح بمقر نقابتهم بعد أن اقتحمت قوات الأمن منزليهما، وطالبا النقابة باتخاذ موقف واضح مما يتعرضان له من قمع بسبب تمسكهما بالتعبير الحر والسلمي عن الرأي كما طالبا أعضاء النقابة بالتضامن معهما. في 1 مايو/أيار 2016 اقتحمت قوات الأمن مقر نقابة الصحافيين وألقت القبض بداخلها على بدر والسقا، في سابقة هي الأولى في التاريخ الطويل للنقابة ولعلاقتها غير السهلة مع سلطويات مصر المتعاقبة (تأسست نقابة الصحافيين المصرية في 1941). خلال التحقيق معهما الذي باشرته النيابة العامة، أضيف إلى لائحة الاتهامات الموجهة إلى الصحافيين «محاولة تغيير دستور الدولة ونظامها الجمهوري وشكل الحكومة» و«تعطيل أحكام الدستور والقوانين» و«منع مؤسسات الدولة وسلطاتها العامة من ممارسة عملها»، وهي الاتهامات التي تضعهما تحت طائلة المادة 78 المعدلة من قانون العقوبات (مادة تجريم الوعد بأشياء أخرى).

فجر الاقتحام الأمني للنقابة وكذلك صلف السلطات في التعامل مع الصحافيين عمرو بدر ومحمود السقا غضب المجلس المنتخب للنقابة. عبر يحيى قلاش، نقيب الصحافيين، عن الاستياء الشديد من فعلة قوات الأمن ودعا باسم المجلس المنتخب رئيس الجمهورية للتدخل لحل الأزمة بين وزارة الداخلية ونقابة الصحافيين. 

تعالت أصوات أعضاء آخرين في مجلس النقابة، أبرزها جمال عبد الرحيم سكرتير عام النقابة وخالد البلشي وكيل النقابة ورئيس لجنة الحريات ومحمود كامل مقرر اللجنة الثقافية، بانتقادات حادة للاقتحام وللاستفزاز الحكومي وللمساعي المتكررة للإخضاع الأمني لنقابة الصحافيين.

في 4 مايو/أيار 2016، انعقدت جمعية عمومية طارئة للنقابة بناء على دعوة مجلسها واحتشد للمشاركة الآلاف من الصحافيين وصيغت مطالب أبرزها إقالة وزير الداخلية واعتذار رئاسة الجمهورية من الصحافيين عن «فعلة الاقتحام» وإصدار تشريع يقضي بمنع الحبس في قضايا النشر والإفراج عن جميع الصحافيين المسلوبة حريتهم في قضايا نشر.

على النقيض من التراجع الجزئي للسلطوية الجديدة إزاء مطالب نقابة الأطباء، تعاملت الحكومة مع احتجاجات نقابة الصحافيين معولة فقط على الأدوات القمعية المعتادة من تفخيخ النقابة من الداخل بتشويه مجلسها المنتخب وتأجيج المعارضة ضده إلى التعقب القانوني لقيادات المجلس.

في 8 مايو/أيار 2016، نظم صحافيون معروف عنهم القرب من الدوائر الحكومية أو يعملون في صحف تعد من «الأذرع الإعلامية» للسلطوية اجتماعا في مؤسسة الأهرام الصحافية (ذات الملكية العامة والمدارة حكوميا) سمي «اجتماع الأسرة الصحافية»، وأصدروا بيانا اتهموا به مجلس النقابة بالتورط في وضع نفسه فوق «السلطات العامة ومؤسسات للدولة» وبممارسة «السياسة» والتصرف «كحزب سياسي يحتكر النقابة منبرا لدعوته» وحاولوا شق صف المجلس المنتخب بالإشارة إلى حضور «خمسة من أعضاء مجلس نقابة الصحافيين» لاجتماعهم نظرا لاستيائهم من «قرارات وتصرفات» مجلس النقابة.

في 28 مايو/أيار 2016، استدعت السلطات نقيب الصحافيين وسكرتير عام النقابة ووكيلها للتحقيق معهم من قبل النيابة العامة في اتهامات «بإعانة متهمين صدر بحقهما قرار ضبط وإحضار على الهروب ونشر أخبار كاذبة متعلقة بتفاصيل القبض» على الصحافيين عمرو بدر ومحمود السقا. بعد التحقيقات أخلت النيابة العامة سبيل أعضاء مجلس نقابة الصحافيين وأحالتهم إلى محاكمة جنائية عاجلة أمام محكمة الجنح، ووفقا لسير عملية التقاضي ستعلن الأحكام في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2016.

ثم واصلت السلطوية الجديدة تصعيدها ضد الصحافيين ونقابتهم بالتجاهل التام لمطالبهم المشروعة المتعلقة بمنع الحبس في قضايا النشر والإفراج عن الصحافيين المسلوبة حريتهم، مثلما تجاهلت أيضا مطلب إقالة وزير الداخلية أو توجيه اعتذار رئاسي للنقابة.

أيضا لم يتوقف سلب حرية الصحافيين في مصر التي تشغل حكومتها بعد الصين المركز الثاني في قائمة الحكومات الأكثر حبسا للصحافيين، فأمرت النيابة العامة في26 أكتوبر/تشرين الأول 2016 بضبط وإحضار 63 صحافيا من العاملين في بعض المواقع الإخبارية الإلكترونية وفي شركات الإنتاج الإعلامي بزعم تبعية المواقع وشركات الإنتاج لجماعة الإخوان المسلمين.

إلا أن الهجمة القمعية على نقابة الصحافيين ومجلسها المنتخب، وإن حالت دون الاستجابة لمطالبهم المشروعة، لم تسفر عن إسكات الصوت الاحتجاجي إزاء العصف المستمر بحقوق وحريات الصحافيين ولم تخلص السلطوية الجديدة من حضور النقابة كساحة رئيسية لمقاومتها ورفض صلفها والثبات في مواجهة تعقب أصحاب الرأي الحر.

٭ د. عمرو حمزاوي - أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعتي القاهرة والأميركية وعضو مجلس الشعب السابق

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

مصر النقابات المهنية السلطوية الحكومة تظاهرات الصحافيين