إلى أي مدى يبلغ النفوذ السعودي في إفريقيا؟ انظر إلى نيجيريا

الأربعاء 2 نوفمبر 2016 06:11 ص

في الأشهر الأخيرة، اتهم وزير الخارجية الإيراني «تعصب العصور المظلمة» الذي تصدره المملكة العربية السعودية بالمسؤولية عن إطلاق شرارة حركات متطرفة في جميع أنحاء العالم. في الوقت نفسه يقول المدافعون إن إلقاء اللوم على المملكة العربية السعودية بخصوص الإرهاب العالمي هو خطأ كبير. كلا الحجتين لا تخلو من الخطأ، لأنها إما تبالغ جدا أو تقلل جد من تأثير المملكة العربية السعودية. إلى أي مدى تقوم المملكة العربية السعودية بتمديد نفوذها الديني إلى خارج حدودها؟ دعونا ننظر في شمال نيجيريا، التي تعد موطنا لحركة سلفية ضخمة متعددة المشارب، وأيضا للجماعة المتطرفة بوكو حرام.

ليس هناك شك أن المملكة العربية السعودية كان لها تأثير كبير على تطور السلفية في شمال نيجيريا. أحد أبرز المحركين للنشاط السلفي في شمال نيجيريا كان «أبو بكر غومي» أحد كبار القضاة والواعظ الماهر الذي أشرف على إنشاء الجماعة السلفية ذات الميول الحركية «إيزالا» عام 1978. كان «غومي» على علاقة دائمة مع المملكة العربية السعودية، وكان يمثل شمال نيجيريا في اجتماعات رابطة العالم الإسلامي التي أسستها السعودية في الستينيات، كما كان عضوا في المجلس الاستشاري للجامعة العربية الإسلامية في المدينة المنورة في السبعينيات، وحصل أيضا على جائزة الملك فيصل عام 1987. تلقي «غوم»ي وحركة «إيزالا» تمويلا ضخما من قبل المملكة العربية السعودية ما ساعده على شن حملة ضخمة ضد الصوفية التي كانت منتشرة على نطاق واسع في شمال نيجيريا.

زعيم آخر أكثر حداثة للسلفية في شمال نيجيريا هو «جعفر محمود آدم». بدأ «آدم» مسيرته كواعظ شاب في «إيزالا»، قبل أن يتخرج من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1993 ويعود إلى نيجيريا لقيادة تيار أكثر استقلالية وأكثر انسجاما مع السلفية العالمية. وقد نجح في الحصول على جمهور واسع ونجح في دفع عدد من الدعاة المقربين منه إلى مواقع مؤثرة. استغل آدم حصوله على التعليم في المدينة المنورة من أجل ترسيخ سلطته الدينية. عبر حياته المهنية لاحقا، حصل آدم على دعم من المنتدى الإسلامي، وهو مؤسسة خيرية مقرها لندن لها علاقات مع المملكة العربية السعودية.

دعاة براغماتيون

لم يكن أيا من «غومي» أو «آدم» دمى في يد المملكة العربية السعودية، وقد نجح كلا الرجلين في تكييف العلاقات ضمن سياق المجتمع والسياسة في شمال نيجيريا. فكريا، ظل «غومي» غارقا في عالم الشمال والدراسات الإسلامية في غرب أفريقيا، ومتمسكا باتباعه لرواد المذهب المالكي، على الرغم من أن السلفيين يرفضون إلى حد كبير التمسك بهذا المذهب.

وعلى الرغم من أن «آدم» كان أكثر انسجاما مع الفكر السلفي العالمي من «غومي»، إلا أنه كان براغماتيا في التعامل مع بيئته. على الرغم من تحفظاته حول نزاهة وسلامة الديمقراطية، خدم «آدم» لفترة وجيزة كمسؤول في حكومة ولاية كانو، حيث كان يعيش. ذهب «غومي» إلى أبعد من ذلك في نشاطه السياسي، حيث دعا النساء في مرحلة ما من حياته إلى المشاركة في التصويت بحجة أن السياسة لا تقل أهمية عن الصلاة وهو موقف من شأنه أن يرهب العديد من العلماء السعوديين. كان «آدم» منفتحا على فكرة تقديم التنازلات للصوفيين. وقد اقترح في أحد خطاباته أن يحصل السلفيون واثنتان من الحركات الصوفية في كانو على حصص متساوية من الخدمة العامة في شهر رمضان.

السعودية وبوكو حرام

في الوقت الذي تتمتع فيه السلفية بعلاقات قوية نسبيا مع المملكة العربية السعودية، فإنه قد يكون من المستغرب أن بوكو حرام لديها علاقات تنظيمية ضعيفة للغاية بالمملكة. في حين حافظ «آدم» و«غومي» على علاقات عامة دائمة مع المملكة على مدار حياتهم، فإن قيادات بوكو حرام بالكامل قد تلقت تعليمها داخل نيجيريا.

ولكن المجموعة لديها بعض الروابط الثقافية مع المملكة. مؤسس بوكو حرام، «محمد يوسف»، زار المملكة العربية السعودية للحج وقضى فترة وجيزة هناك في منفى اختياري عام 2004، ولكنه لم يظهر أي دليل على صلة بالمؤسسات أو بالعلماء والمسؤولين السعوديين. خليفة «يوسف»، «أبو بكر شيكاو»، كان أقل اتصالا مع السعودية وليس هناك دليل أنه قد ترك إفريقيا في أي وقت مضى. جدير بالذكر أن «آدم» تنكر علنا لـ«يوسف» وجماعة بوكو حرام في منتصف العقد الماضي واستغل أوراق اعتماده في المدينة المنورة من أجل رسم صورة «يوسف» كانتهازي جاهل.

كان هناك بعض الشك في أن المنتدى الإسلامي قام بتوجيه بعض الأموال إلى بوكو حرام في منتصف العقد الماضي لمساعدة المجموعة على الجهاد، ولكن الأدلة على ذلك لا تزال غير حاسمة. حتى لو كان صحيحا، فإن هذا يشير فقط إلى علاقة غير حاسمة بين بوكو حرام والسعودية. سيكون من الخطأ أن نقول أن المملكة العربية السعودية دعمت بوكو حرام، ولكن سيكون من الكذب القول أن المملكة العربية السعودية ليس لها تأثير على النظرة العالمية للحركة.

عوامل محلية

تتأثر مسارات «غومي» و«آدم» و«يوسف» بعوامل متعددة. من غير المرجح أن «غومي» قد احتضن مكافحة الصوفية دون خبرة طويلة في المدارس الاستعمارية البريطانية. بدأ «غومي» التشكيك في السلطة الدينية حوله أواخر الأربعينيات، وقبل خروجه من نيجيريا. ومن غير المرجح أن «آدم» كان يمكن أن يصبح بارزا ومستقلا بهذا الشكل بمعزل عن التحولات الواسعة التي حدثت في السياسة والإعلام في المشهد الإفريقي في التسعينيات، مما سمح للدعاة الشباب ببناء جماهير حاشدة من خلال توزيع خطبهم من خلال تقنيات مثل الأشرطة والأقراص المدمجة. ربما استفاد «يوسف» أيضا من الرعاية المبكرة التي حصل عليها من النخب السياسية في ولاية بورنو. بالنسبة للرجال الثلاثة جميعا، كانت العلاقات المحلية لا تقل أهمية عن تلك العابرة للحدود الوطنية.

لا ينبغي أن تتم المبالغة في تقدير نفوذ السعودية في إفريقيا كما لا ينبغي أن يتم التقليل منه. عزز دعم المملكة العربية السعودية نفوذ بعض القادة الدينيين في القارة، وزاد من فرصهم في الحصول على التمويل والمكانة. ولكن هذا الدعم لم يحدد مضمون ما يقوله هؤلاء القادة.

هناك أيضا قيود كبيرة على نفوذ شركاء المملكة العربية السعودية الأفريقيين. وعلى الرغم من عقود من مكافحة الصوفية من قبل «غومي» وغيره، لا تزال الصوفية حيوية ومؤثرة بالنسبة إلى الملايين من المسلمين في شمال نيجيريا وخارجه. في بعض الأحيان، فإن المملكة العربية السعودية لا تعلب دور مشعل الحريق ولا دور رجل الإطفاء، ولكنها مجرد واحد من بين العديد من العوامل التي تشكل الحياة الدينية للمسلمين في جميع أنحاء العالم.

  كلمات مفتاحية

السعودية نيجريا بوكوحرام النفوذ السعودي في أفريقيا