لماذا تتشبث إيران بالسيطرة المنفردة على مياه الخليج؟

الأربعاء 9 نوفمبر 2016 10:11 ص

تتمتع إيران بواحد من أطول تقاليد الاستقلال وأكثرها سلاسة في الشرق الأوسط. وقد شملت أراضيها الشاسعة يومًا ما القوقاز الحديثة والهند وحتى مصر الحديثة. ونظرًا لموقعها بين القوى العظمى التي تتبادل السيطرة باستمرار، ومواردها الطبيعية، عانت إيران باستمرار من التدخل الأجنبي في شؤونها السياسية والأمنية. نتيجة لذلك، تجد إيران نفسها غير آمنة ومنعزلة وضحية لتلاعبات القوى الأجنبية.

ومن ناحية أخرى، شكل حجم إيران وتعدادها السكاني ومواردها الطبيعية وموقعها الجغرافي قوة دفعتها للسعي إلى السيطرة على منطقة الخليج. وشكلت هذه العوامل المتعارضة سياسات شاه إيران الراحل، واستمرت في تشكيل نفوذ الجمهورية الإسلامية بعد ذلك. رغم ذلك، بينما سعى الشاه لإحياء «الإمبراطورية الفارسية» بالتحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، فقد رسمت الجمهورية الإسلامية مسارًا مستقلًا، غالبًا ما تعارض مع المصالح الأمريكية في الخليج العربي. ويعدّ أمن مياه الخليج حيويًا لأمن إيران واستقرارها والنمو طويل الأجل لاقتصادها. ومع ذلك، وعلى الرغم من الاختلافات الكبيرة، فإن التعايش بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة قابل للاستمرار.

يلعب الخليج دورًا حيويًا في حسابات أمن إيران. فأهميته الاستراتيجية لإيران ترجع تاريخيًا إلى التفاعلات الأولى بين الإيرانيين والقوى الأوروبية من خلال التجارة بين السفن البريطانية والفرس في الموانئ الإيرانية. وقد استمرت تلك الأهمية إلى العصر الحديث. وقد تعلمت إيران من تجربتها الدموية في الحرب مع العراق أنّه إن حدث في المستقبل أية صراعات، فإنّ الدول السنية الواقعة على الخليج، والتي تخشى تطلعات إيران ستدعم خصوم إيران. لذلك، في حسابات إيران الأمنية، فإنّ السيطرة على الممر المائي مسألة وجودية لأمن إيران. وقد ركزت إيران انتباهها في السنوات القليلة الماضية على تطوير قوتها البحرية الصغيرة، مركزةً انتباهها على تقوية دفاعات مرافقها البحرية ومكافحة القرصنة.

ومن ناحية جيوسياسية، فإنّ الخليج هو المنطقة العازلة الوحيدة بين إيران وجيرانها في الجنوب، الذين هم على خلافٍ عرقي وديني مع الشيعة الفرس. علاوة على ذلك، يخدم هذا الممر المائي إيران كأداة سياسية للمساومة مع القوى الكبرى، وخاصةً مع الولايات المتحدة.

عندما زادت حدة التوترات حول برنامج إيران النووي، هدد الإيرانيون باستمرار بإغلاق مضيق هرمز إذا لم يستطيعوا تصدير نفطهم. وفي الوقت الذي لم تحاول إيران فيه أبدًا إغلاق المضيق، فمن المحتمل وقت التعرض لتهديد أمني كبير، مثل حرب شاملة أو حصار بحري أن تصدم إيران أسواق النفط العالمية بمنع شحنات النفط من المنطقة. وكانت هذه الحالة ستحدث عام 2008، حين فشل مجلس النواب الأمريكي في تمرير قرار بممارسة حصار بحري على إيران، وهو القرار الذي هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز ومهاجمة المنشآت النفطية السعودية حال تمريره. وعلى الرغم من أنّ إيران غير قادرة على الاستمرار في ذلك لفترة طويلة، إلا أنّها ستتسبب في صدمة لأسواق النفط وتضر باقتصاد الولايات المتحدة.

ونظرًا للأهمية الاستراتيجية للمضيق بالنسبة لإيران، فإنّ طهران قلقة من أي تواجد عسكري داخل مياهه. ومنذ تواجد القوات العسكرية الأجنبية في الخليج منذ القرن الـ 16، كان لدى الإيرانيون شكوك في نواياها، واستخدموا الكثير من الوسائل للدفع بها للمغادرة. وترى طهران التواجد الأمريكي خاصةً في الخليج تهديدًا لأمنها، ونادت كثيرًا بمغادرة القوات الأمريكية. وهي إذ تضع في اعتبارها عواقب المواجهة المباشرة، فقد امتنعت إيران عن المواجهة المباشرة مع القوات البحرية الأمريكية في الخليج العربي.ومع ذلك فقد حاولت مرارًا وتكرارًا إثبات تواجدها القوي بالمراقبة عن كثب وفي بعض الأحيان مضايقة السفن البحرية الأمريكية. كما تقوم إيران بشكل متكرر بعمل مناورات بحرية في الخليج لإثبات قوتها وجاهزيتها.

لماذا تشعر طهران بالانزعاج؟

وتوجد عوامل قليلة تفسر سلوك إيران. أولًا، الإيرانيون منزعجون من تواجد القوات الأمريكية في باحتهم الخلفية، ولا يرون ذلك فقط كتهديد لأمنهم، ولكن أيضًا كقوة رادعة ضد أهدافهم الإقليمية. ثانيًا، سلاح البحرية التابع للحرس الثوري الإيراني والذي يعارض أي تقارب بين إيران والولايات المتحدة، هو الذي يقوم بالمضايقات الدورية للبحرية الأمريكية. وفي الحقيقة، تشير التقارير إلى عدد من الحوادث الخطيرة بين القوات البحرية الأمريكية وقوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني في الخليج، والتي زادت بنسبة 50% في العام الماضي، بعد توقيع اتفاقية خطة العمل المشتركة الشاملة.

أكدت مقالة نشرت حديثًا أنَّ الإدارة الحالية في طهران لا تسعى لمواجهة واشنطن. وبالرغم من ذلك، يرغب المتشددون في تقويض الإدارة بإشعال التوترات بين إيران والولايات المتحدة. ومن الأمثلة على تلك الحوادث، احتجاز بحارة أمريكيين انحرفوا عن غير قصد داخل المياه الإقليمية الإيرانية. ولم ينتهي الأمر إلا بتدخل شخصي من وزير الخارجية الإيراني «جواد ظريف» لتحرير البحارة الأمريكيين. ويمكن تفسير تلك الحادثة أيضًا كوسيلة لإيران لاستعراض قوتها وأنّها قوة لا يستهان بها أمام السعودية وباقي دول الخليج.

الهوية الفارسية

ومن القضايا الهامة الأخرى، الحرص على تأكيد الهوية الفارسية لهذا الممر المائي. وترمز الشخصية الفارسية لهذا الممر إلى النفوذ التاريخي لإيران وسلطتها في المنطقة، وإلى طموحاتها لتكون القوة العظمى في المنطقة. بعبارة أخرى، بالنسبة للإيرانيين، فإن الخليج ليس مجرد ممر مائي، ولكنّه ذكرى هامة لما كانت عليه الإمبراطورية الفارسية. وفي عام 2004، حين نشرت قناة ناشيونال جيوغرافيك عملًا استخدمت فيه مسمى (الخليج العربي) في إشارة إلى الخليج عبر الإيرانيون والحكومة الإيرانية عن احتجاجهم، وهو ما اضطر المؤسسة لنشر بيان توضيحي.

ومع الطلب المتزايد بشكل غير مسبوق في قطاع الطاقة، يصبح تأمين خطوط الإمدادت ضرورة للوفاء بالتزامات الاستهلاك الداخلي والتصدير. وهنا يتبين من جديد حيوية الخليج للمصالح الإيرانية. وتمتلك إيران ثاني أكبر احتياطي من الغاز في العالم بعد روسيا، حيث تمتلك 17% من احتياطيات العالم من الغاز الطبيعي. وبينما استطاعت قطر النجاح في تطوير المجال، لم تتمكن إيران من تحقيق نفس النجاحات نظرًا لنقص الاستثمارات الأجنبية.

 ومن الضروري لاقتصاد إيران وبنيتها التحتية، تطوير حقول الغاز في الخليج، لاسيما في جنوب فارس، لأنّ الغاز هو المصدر الأول لتوليد الكهرباء. وقد أعلن وزير النفط الإيراني «بيجان زنجانه» في وقت سابق من العام 2013 عدم وجود ما يكفي من الغاز الطبيعي، الأمر الذي اضطر الوزارة لتزويد محطات إنتاج الكهرباء بالوقود السائل بنسبة 46%. ومع زيادة معدلات إنتاج الغاز الإيراني، سيسمح لها ذلك بالوفاء بمتطلبات الطلب المحلي، بالإضافة إلى زيادة صادراتها لدول الإقليم ودول أوروبا، الأمر الذي سيحقق للبلاد مزيدًا من الثروة والمكانة.

بالإضافة إلى الغاز الطبيعي، يعتمد اقتصاد إيران بشكل كبير على صادراتها من النفط. ولا يمثل الخليج فقط الطريق الرئيسي الوحيد لصادرات النفط الخام الإيراني، ولكن بعض أهم المنشآت النفطية الإيرانية تقع داخل الخليج. وتعدّ جزيرة خرج موطنًا لأكبر موانئ تصدير النفط في إيران، بسعة تخزين 28 مليون برميل من النفط.

الذاكرة التاريخية

وقد شجعت تجربة حرب إيران والعراق (1980-1988) إيران على تركيز انتباهها على تأمين طرق الشحن في الخليج. وخلال ما يسمى بـ «حرب الناقلات»، تمّ الهجوم على الناقلات الإيرانية والعالمية التي تحمل البترول إلى أسواق الطاقة، الأمر الذي أدّى إلى تعرض حصص الوقود والاقتصاد الإيراني لصعوبات. وأدّى تأثير النزاع إلى تدخل الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي والقوى الكبرى الأخرى لضمان تدفق النفط عبر مضيق هرمز.

نشأت المنافسة الجيوسياسية بين إيران والولايات المتحدة على النفوذ والسلطة داخل الخليج العربي منذ ولادة الجمهورية الإسلامية عام 1979. وبالرغم من إصرار البعض في طهران وواشنطن أن الصراع بينهما لا مفر منه، إلا أنّني أرى أن التعايش بينهما محتمل على أساس ضمان المصالح لكلا البلدين. فكلًا من الولايات المتحدة وإيران مهتم بدعم الأمن البحري للخليج ومكافحة الجماعات المتطرفة وضمان التدفق الحر للنفط والطاقة، وهذه المساحات من المصالح المشتركة قد تكون أساسًا للتعايش المشترك.

المصدر | ذا ديبلومات

  كلمات مفتاحية

إيران السعودية الولايات المتحدة الخليج العربي البحرية الإيرانية