«وور أون ذا روكس»: السلام بين تركيا والأكراد هو مفتاح حل الأزمة السورية

الخميس 10 نوفمبر 2016 12:11 م

تختلف الولايات المتحدة وتركيا بشكل جدي على معظم الأسئلة الكبرى في الحرب السورية. و قد تآكلت الثقة بينهما بسبب هذا الاختلاف. وبعد التدخل العسكري التركي في شمال سوريا، الذي أدى إلى تعقيد الخطط الأمريكية للسيطرة على الرقة، عاصمة الدولة الإسلامية، يمضي الحليفان الآن بسياستين متصارعتين في سوريا والعراق.

لكن صناع السياسة في واشنطن يجب أن يبحثوا عن فرص للاستفادة من الوضع الراهن لتعزيز مصالحهم الخاصة. يجب على واشنطن النظر في دعوة تركيا للعودة إلى مفاوضات السلام مع الأكراد في تركيا. في القيام بذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تتوقع ردا تركيا سلبيا، ولكن في ظل المناخ الحالي، فإن واشنطن لديها حافز لتكون أميل أكثر إلى القضايا التي يمكن أن تساعد من خلالها على دفع عجلة المصالح الأميركية في سوريا والعراق.

معضلة واشنطن بين تركيا والأكراد

تنبع المشكلة الأساسية في العلاقة من الدعم الأميركي للأكراد ولحزب الاتحاد الديمقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، وهي جماعة متمردة حاربت ضد الحكومة التركية منذ عام 1980. ولا تزال ميليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي محور الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في سوريا. مع الدعم المستمر من القوة الجوية الأميركية، سيطرت الميليشيا على مجموعة أراض شاسعة من الدولة الإسلامية ويقال أنها تستعد للمشاركة في هجوم الرقة.

تهدف الاستراتيجية العسكرية التركية في سوريا في المقام الأول إلى منع إقامة الجيب الكردي، والذي يمتد على معظم حدودها مع سوريا. وقد وضعت هذا الهدف أنقرة في خلاف مباشر مع الولايات المتحدة. لطالما سعت الولايات المتحدة أيضا لإدارة المخاوف التركية، والتظاهر بأن هناك مقاتلين عرب مع القوات الكردية، وأن القتال يتم تحت مظلة قوات سوريا الديمقراطية، من أجل تهدئة المخاوف التركية. فشلت الجهود في محاولة تخفيف الخلاف مع تركيا التي تهدد الآن بطرد القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة من منبج، وهي المدينة التي ساعدت الولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها على تحريرها من الدولة الإسلامية قبل بضعة أشهر.

دعمت طائرات التحالف المتمركزة في تركيا القوات الكردية في منبج، بعد أن أعطت الولايات المتحدة بعض الضمانات لأنقرة حول التكوين العرقي للقوة المشاركة. وقد انتقدت أنقرة ذلك لأن الولايات المتحدة فشلت في الوفاء بالتزامها بالإشراف على انسحاب المقاتلين الأكراد من المدينة. ولكن الواقع أكثر تعقيدا: تلتزم الولايات المتحدة بوعدها لتركيا لإدارة قوات عربية للمدينة، ولكن هذه القوات هي جزء من قوات سوريا الديمقراطية، وبالتالي فإنها متحالفة مع حزب الاتحاد الديمقراطي. ترفض تركيا الاعتراف بهذا التمييز، وتحكم على قوات سوريا الديمقراطية بأنها مجرد اسم آخر لحزب الاتحاد الديمقرطي والنتيجة هي حلقة مفرغة، حيث تفرض الولايات المتحدة على تركيا إلى الإذعان لسياستها المفضلة إلا أن أنقرة تستدير وتنتقد التحرك الأميركي، وفي نهاية المطاف، تهدد بطرد القوات المدعومة من الولايات المتحدة.

هذه التوترات قد تقوض خطط استعادة الرقة، إلى حد كبير نظرا لأن الأكراد السوريين يمكن أن يرفضوا سحب قواتهم من الخطوط الأمامية مع تركيا على طول الحدود بسبب مخاوف من تركها عرضة للهجوم التركي. الولايات المتحدة، ومع ذلك، لديها الحافز الرئيسي لإجبار تنظيم الدولة على الخروج من الرقة، المدينة التي يخطط فيها لعمليات الإرهابية ضد أهداف غربية، والتي تجبى فيها الضرائب من السكان المحليين للمساعدة في تمويل عمليات المجموعة.

إن القوة الوحيدة حاليا والتي في وضع يمكنها من السيطرة على المدينة تعتمد على الأكراد السوريين، ولكن ضمان استجابة تركيا غير وارد، واحتمال حدوث الانتقام التركي في مناطق أخرى من كردستان في سوريا وارد بقوة، إما من خلال الاستخدام المباشر لقوة الجيش، أو من خلال محاولة إثارة الاضطرابات المدنية في المناطق المختلطة عرقيا.

هناك مخاطر سياسية أوسع من أن أنقرة قد تقوم بتخفيض علاقاتها مع واشنطن، وهو الخيار الذي من شأنه أن يؤثر أيضا على العلاقات الأمنية عبر الأطلسي، وحلف الناتو ككل. وجود تركيا المحايدة التي تعمل مستقلة إلى حد كبير عن حلفائها الغربيين يفيد روسيا. موسكو لديها تاريخ من محاولة إضعاف حلف شمال الأطلسي من خلال استغلال الصدوع السياسية والاقتصادية بين العديد من أعضاء التحالف، وهو تكتيك يبدو أن الكرملين يستخدمه مع تركيا، بعد إصلاح الجانبين للعلاقات في أعقاب إسقاط تركيا لطائرة روسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

مصالحة تركية كردية

لدى الولايات المتحدة حوافز متضاربة، حيث أنها تحتاج لإدارة العلاقات مع حليف صعب، بينما في الوقت نفسه تنتهج استراتيجية وتكتيكات على الأرض في سوريا لا يمكن أن تدعم من قبل تركيا. الطريقة الوحيدة لمعالجة هذا هي دبلوماسية جريئة، تركز على معالجة مباشرة لصراع الحكومة مع حزب العمال الكردستاني وتعزيز الإدانات العامة لإجراءات الحكومة التركية غير الليبرالية. وبذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تستفيد من التوترات الحالية مع أنقرة. إن هذه الاستراتيجية تنطوي على رهان على أن تركيا سوف ترفض قطع العلاقات مع حليف يمثل قوة عظمى، لصالح تحالف مع روسيا أو الصين.

لا يمكن للولايات المتحدة أن تستمر في دعم حزب الاتحاد الديمقراطي وتركيا معا طالما أن الأخيرة هي في حالة حرب مع حزب العمال الكردستاني. الدبلوماسية الأمريكية رهينة الصراع التركي مع حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق تركيا، وبالتالي، فإن أي اتفاق سلام قابل للحياة في سوريا يتطلب المصالحة التركية الكردية.

بدأ الصراع مع حزب العمال الكردستاني من جديد في تموز عام 2015، بعد مدة عامين من وقف إطلاق النار مع الحكومة التركية. صنع الصؤاع التركي الكردي منذ ذلك الحين توترات عميقة وساهم في حلقة مفرغة من العنف وقد تعززت هذه الديناميات مع محاولة انقلاب فاشلة مؤخرا في تركيا، وارتفاع لاحق في انبرة لقومية السياسية.

هذه الديناميات السياسية الداخلية تحفز العسكرة المستمرة للقضية الكردية. والنتيجة، بالطبع، لديها انعكاسات على السياسة الأمريكية في سوريا والحرب على تنظيم الدولة.

المشكلة الأساسية هي أن الولايات المتحدة لديها نفوذ كبير على «أردوغان»، وبالتالي يحتاج لإدارته باستخدام الدبلوماسية الخلاقة. في الأشهر التي تلت الانقلاب الفاشل، تمكن أردوغان من تحقيق مكاسب سياسية مضادة للغرب. وتعتمد هذه الاستراتيجية على شراكة وثيقة مع القوميين الأتراك، الدائرة التي تنظر إلى الولايات المتحدة بعين الشك الشديد، والتي ادعت تاريخيا أن الولايات المتحدة تدعم سرا حزب العمال الكردستاني.

وقد عزز القرار الأميركي بتقديم الدعم للأكراد السوريين نظرية المؤامرة، والتي توسعت إلى حد القول بأن الولايات المتحدة تعمل مع الأكراد لتقسيم تركيا، من أجل إخضاع تركيا القوية، والتي تعتبرها واشنطن بمثابة تهديد لهيمنتها في الشرق الأوسط.

هذا السرد هو الآن موضوع مركزي لحملة حزب العدالة والتنمية العلنية لحشد التأييد الشعبي لأولوية سياسية أعلى لها، وهي تغيير الدستور التركي الحالي. هذا المنطق هو الذي يقود أيضا الخطاب التركي مؤخرا عن الاتحاد الأوروبي، خاصة الجدل الدائر حول إعادة العمل بعقوبة الإعدام. عقوبة الإعدام هي مسألة مهمة للقوميين، وبالتالي فإن حزب العدالة والتنمية يقوم باتخاذ قرار تكتيكي للتعامل مع القاعدة الانتخابية التي يحتاجها لضمان الدعم للدستور الجديد. ومع ذلك، فإن مثل هذا القرار من شأنه أن يحفز مطالبة الاتحاد الأوروبي بإنهاء عملية الانضمام، ويعمق الفجوة بين تركيا والغرب.

خيارات محدودة

الولايات المتحدة لديها مجموعة محدودة جدا من أدوات السياسة لمعالجة هذه القضايا.ينبغي على الولايات المتحدة أن تنظر في مواءمة سياساتها في سورية ونظرة تركيا لها. فالصراع المدني السوري، امتد عبر الحدود إلى تركيا. إن القرارات التركية والكردية جنبا إلى جنب مع القرار الأميركي بدعم حزب الاتحاد الديمقراطي، كلها مترابطة وبالتالي، لا يمكن أن تستمر واشنطن في محاولة تهدئة المخاوف التركية، تزامنا مع العمل مع الأكراد لمناقشة تكتيكات الهجمات المخطط لها في سوريا.

مع غياب المصالحة بين حزب العمال الكردستاني وتركيا، فإن واشنطن لا يمكنها تحقيق أي مظهر من مظاهر الاستقرار السياسي في سوريا، سواء بين الأتراك والأكراد، أو بين العرب الذين تدعمهم تركيا وحزب الاتحاد الديمقراطي. وهكذا، من أجل نجاح استراتيجية الولايات المتحدة على المدى الطويل ، فإن واشنطن لديها الآن حافز للتصدي للقتال الدائر حاليا داخل تركيا وعليها عليها أن تدعو كلا من حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية للعودة إلى محادثات السلام وتقوم بالوساطة بينهما.

هذه السياسة، دون شك، ستثير رد فعل سلبي جدا لدى تركيا، وسوف تكون كسرا للتقاليد. ومع ذلك، في ظل المناخ الحالي في تركيا، لا بد من تغيير في السياسة لتعزيز المصالح الأمريكية. سوف تجد الولايات المتحدة صعوبة في تحقيق أهدافها في سوريا، في حين يتم تقويض العلاقات الأمريكية التركية عبر مزيد من التنظير للمؤامرة.

  كلمات مفتاحية

سوريا تركيا الأكراد حزب الاتحاد الديمقراطي حزب العمال الكردستاني