استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

عقلية الإنكار: المعارضة العربية جزءا من المشكلة

الأحد 20 نوفمبر 2016 12:11 م

في إحدى رواياته، يصف الكاتب الأمريكي جيم بوتشر حالة بطل روايته، المصرّ على تجاهل الواقع وحقائقه، على الشكل التالي: "كان كل شيء صحيًا وطبيعيًا هنا.. في أرضِ الإنكار".

في نفس يوم كتابة مقال الأسبوع الماضي، وبينما كان العالم مصدومًا بالحدث الأمريكي، وغارقًا في حساب تداعياته، أطلعني صديقٌ، بتعجُّب، على رسالةٍ يبدو أنها تُرسل إلى قوائم عشوائية بالبريد الإلكتروني. عنوان الرسالة: "الإخوان دعوةٌ شاملة وجماعة عاملة"، وفوق ما فيه من معانٍ ودلالات تقليدية، تُظهر عقلية إنكارٍ غريبة لمجريات الواقع ومُقتضيات المنطق والتاريخ، إلا أن مضمونها أكثرُ غرابة.

تستحق الرسالة/ النشرة بأكملها التحليل، فهي، على قِصرِها، نموذجٌ مُعبرٌ عن واقع وطريقة تفكير ما يُفترُض أنها من أكبر جماعات المعارضة العربية الإسلامية. لكننا سنقتصر هنا على مقتطفات قصيرة يسمح بها المقام.

تبدأ الرسالة، مثلًا، بفقرة اسمها "الواجبات العشر". وثمة دلالات لافتة في أن تبدأ الفقرة بـ"حَمْلِ شارَتِنا" ثم تمضي إلى "حِفظِ عقيدتنا" مرورًا بـ"كِتمان سريرتنا".

لم تتمكن الجماعة، اليوم في نهاية عام 2016، وبعد التغيرات العاصفة التي اجتاحت المنطقة العربية، والعالم بأسره، خلال السنوات الماضية، من تجاوز أدبياتها التي تخلط فيها العقيدة بالسياسة، وتجعل "حمل الشارة" واجبًا أساسيًا يسبقُ في ذِكرهِ "حفظ العقيدة"، وتؤكد على واجب "السرية" و"الكتمان". لم يستطع وعيُها بالعالم، بل وبالدين نفسه، أن يصل بها إلى ضرورة أن يكون في تلك الواجبات شيءٌ يُشير إلى "وطنِنا" أو "شعبِنا" أو "إنسانيتنا".

بل إن بقية النشرة تتمحور حول العودة إلى تعاليم المؤسس حسن البنا، وبشكلٍ انتقائي يُركز على أكثر ما هو شعاراتيٌ ؤإنشائي ومناقضٌ لروح العصر فيها مثل عبارة: "ولا يزال عمل البنا وأصحابه خميرة ونموذجا عمليا يصرخ فينا أن الإسلام الفكري إسلام مبتور"، وعبارة: "يجب أن تحترز القيادة من الاستغراق في الإداريات على حساب الجانب الدعوي والروحي الذي هو الأصل".

ففي حين يبدو واضحًا، من واقع مثل هذه الجماعات، إهمالُ مفاهيم الإدارة المعاصرة ومتطلباتها، وأن هذا من أكبر العوامل التي تجعلها عُرضةً للمشكلات ذاتيًا، بل وتجعلها جزءًا من المشكلة حين يتعلق الأمر بالمجتمعات والدول، تحرص النشرة على التحذير من الاهتمام الزائد بالإدارة، وتجعل اقتران الفكر بالإسلام سببًا لبترِ الدين!

ولأن الواقع العربي حرجٌ ومصيري، ولأن مشكلاته وقضاياه باتت مسائل وجودية، ولأن دورَ من يتصدون للمعارضة حساسٌ ومهم، سواء كانوا على شكل جماعات وأحزاب منظمة في بعض البلدان، أو مجرد أفرادٍ غيورين في بلدان أخرى، لكل هذا تحديدًا، فإن مثل هذه المصارحات ليست مشروعةً فقط، وإنما هي مُلحةٌ ومطلوبةٌ وعاجلة.

لا مجال هنا للحديث، أو التفكير، بعقلية الثنائيات المتقابلة. فالحديث عن مسؤولية المعارضات العربية لا يعني، في قليلٍ أو كثير، رفع المسؤولية عن الحكومات. لا يُستثنى في هذا المقام إلا المواطن العربي المسحوق فعلًا. المواطن العربي المُحاصر الذي لم تترك القوى السابقة له أي قدرةٍ على الفعل. وفوق هذا، يحصل أحيانًا أن يكون هو المَلوم الأكبر في سوء الواقع!

المقلق، في هذا الحال، أن من يرفض التغيير والتطوير والمراجعة، والتعلم من التجربة، الآن واليوم، وبعد كل ما شهده عالمنا العربي من أحداث، لن يتعلمَ في المستقبل من أي شيء آخر.

* د. وائل مرزا كاتب وأكاديمي سوري

  كلمات مفتاحية

الإنكار المعارضة العربية أمريكا العرب الربيع العربي الثورات العربية