استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

أثر الانكفاء الأمريكي

الثلاثاء 22 نوفمبر 2016 03:11 ص

إذا كان فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية ردا مضادا للعولمة، كونها انخراطا واسعا في التجارة العالمية، وانشغالا بالقضايا والأزمات الدولية، فإن سياسة ترامب المتوقعة ستكون مزيدا من الانكفاء إلى الحدود الأمريكية. يمثل خطاب ترامب، المنتمي إلى حالة قومية شعبوية، ما بات يعرف باليمين البديل، المتمدد في أوروبا الغربية والولايات المتحدة، والذي يشير إلى حجم الضرر الذي لحق بالمستفيد الأكبر من العولمة، جراء الاندماج فيها، فأمريكا بالذات هي راعي العولمة، وأكبر المنتفعين منها، لكن المنفعة اقتصرت على فئة محددة، تركزت فيها الثروة، فيما خسرت شرائح واسعة، بفعل الرأسمالية المعولمة، فانتفضت ضد الطبقة الحاكمة، لتنتخب ترامب. 

تتخذ ردة الفعل ضد العولمة شكلا قوميا انعزاليا، يسعى إلى العودة إلى الدولة القومية وحماية مصالحها، بدلا من الانخراط في تكتلات فوق قومية، على حساب مصالح الأمة، وردة الفعل هذه، بتوجهاتها ضد المهاجرين والأقليات، تصنع توترات اجتماعية كبيرة، تعاني منها دول الغرب اليوم، فيما تتمظهر التوترات الاجتماعية في الوطن العربي نكوصا عن الحالات القومية والوطنية، وعن فكرة الدولة التي لم تسمح هشاشتها بولادة تيار قوي، يسعى إلى العودة إليها، إذ تنتعش الجماعات خارج الدولة، والهويات الطائفية والعشائرية.

كيف تترجم حالة ترامب في السياسة الخارجية الأمريكية؟ شهدنا تحولا أمريكيا واضحا في عهد أوباما، فقد قام بنقلة في السياسة الخارجية، تختلف عن عهد سلفه جورج بوش الابن، وتقوم على الحد من المغامرات العسكرية، وتقليل كلفة التدخل، ونقل الأعباء إلى الحلفاء. نلاحظ، مثلا، أن أوباما، في حديثه المطول مع جيفري غولدبيرغ في مجلة "ذي أتلانتك"، المعنون بـ"عقيدة أوباما"، انتقد حلفاءه الأوروبيين، لعدم تحملهم المسؤولية بشكل كاف في أثناء تدخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) في ليبيا، كما انتقد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لأنه استنكف عن تحمل المسؤولية في سوريا، وإرسال جيشه إلى هناك. ويشير هذا النقد إلى إحباط أوباما من الحلفاء، الذين يجب أن يتحملوا الأعباء والمسؤوليات، ويقوموا بدورهم، بدلا من مطالبة أمريكا بعمل كل شيء. وقد عبر عن امتعاضه باستخدام كلمة "الراكبين بالمجان" في وصف بعض حلفاء أمريكا، إذ لم يعد مقبولا أن تتحمل أمريكا الكلفة كاملة، فيما هم يتفرجون، وينتفعون من دون فعل شيء. 

ظلت إدارة أوباما تتدخل، وتوجه، وترسم الخطوط العريضة، وتشجع حلفاءها على تحمل المسؤوليات. لم تنسحب تماما، لكنها تحررت بعض الشيء من الانخراط في التفاصيل، فتركت فراغا يتنازع الفاعلون الإقليميون على ملئه، أي أن الفاعلين الإقليميين، واللاعبين المحليين في كل بلد، يجدون فرصة لتوسيع أدوارهم، والصراع على ملء الفراغ الذي يتركه الانسحاب الأمريكي من التفاصيل.

من الصعب القول إن رؤية ترامب في السياسة الخارجية واضحة تماما، وهو قد يغير من أفكاره في أثناء الحملة الانتخابية، وقد يؤثر عليه فريقه الذي يشكله بالتسوية مع الحزب الجمهوري. ويتكون هذا الفريق من خليط يضم صقورا يطالبون بمزيد من التدخلات، وانعزاليين يريدون انكفاء أوسع. ترامب نفسه من أنصار الانعزال، وهو يزيد على أوباما في رفض الانخراط في حل النزاعات الدولية، وإذا كان من سمة بارزة لرؤيته في السياسة الخارجية، فهي اعتقاده أن أمريكا لا يجب أن تنشغل بأزمات العالم.

المتوقع أن يساهم ترامب، بعد التسوية مع المؤسسة، بمزيد من الانسحاب الأمريكي من التفاصيل، وهو ما سيترك فراغا أكبر في المنطقة العربية، ويحمل الفاعلين الإقليميين مسؤولية أكبر. في الملف الفلسطيني مثلا، يبدو ترامب على وفاق مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وبالذات في مسألة رفع يد أمريكا عن رعاية المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، وهو مطلب نتنياهو الذي يدعو إلى مفاوضات مباشرة من دون رعاية دولية، وغير قائمة على أساس القرارات الدولية.

في حروب المنطقة ونزاعاتها، يفضل ترامب التعاون مع روسيا، وتحميلها مسؤوليات أكبر، في مقابل التخفف من المسؤوليات الأمريكية، في الصراع في سوريا، أو في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). يرفض ترامب عمل أمريكا على بناء الدول، كما حصل في العراق، ويراه مكلفا وفاشلا، وهو ليس معنيا بعقيدة نشر الديمقراطية، ولا الضغط من أجل إصلاحات تتعلق بحقوق الإنسان. لا يعني هذا الانكفاء بأوجهه المتعددة انسحابا أمريكيا كاملا من منطقتنا والعالم، لكنه يعني مزيدا من الفراغ الذي يجب أن يملأه الفاعلون الإقليميون، في ظل أزمة الامبراطورية، التي أضرها توسع تمددها.

لا يغادر النقاش عند حلفاء أمريكا من العرب حالة الصدمة والإحباط من تخاذل أمريكا، أو التفاؤل والتشاؤم بعهد ترامب، إذ يبدو أن التحول الأمريكي تجاه قضايا المنطقة لم يستوعب بعد، وهو ما يعطل أي تفكير بما يجب عمله لملء الفراغ في المنطقة، المتجهة إلى مزيد من الصراعات والفوضى. بات لزاما على أي فاعل إقليمي، يريد أن يكون له دور وحضور، أن ينهي الاعتماد على الولايات المتحدة، ويتحرك ضمن رؤية ومشروع واضحين، خارج إطار ردات الفعل، أو العتب على أمريكا، لأنها لا تتدخل بما فيه الكفاية.

سيلقي التحول الأمريكي صوب الانكفاء بظلاله على علاقات أمريكا بعدد من حلفائها في منطقتنا والعالم، وهو ما يستحق مراقبة ودراسة جدية لحجم هذا التحول في العلاقات وآثاره، بعيدا عما اعتدناه في تحليل علاقات أمريكا بحلفائها.

* بدر الإبراهيم - كاتب سعودي صدر له كتابان: "حديث الممانعة والحرية"؛ "الحراك الشيعي في السعودية"

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

الولايات المتحدة التجارة العالمية الرأسمالية المعولمة الهويات الطائفية حلف الأطلسي دونالد ترامب