الدبلوماسي البريطاني الذي قال «لا» للنفط السعودي

الثلاثاء 11 نوفمبر 2014 08:11 ص

من الممكن أن يكون الإدراك المتأخر قاسيًا ومسببًا لمزيد من الآلام. ففي عام 1932، ووسط الركود الاقتصادي العالمي، جاء السعوديون الفقراء - في حينها - إلى لندن طامعين في الحصول على قرض منها.

وفي نفس الوقت، جاؤوا حاملين عرضاً للندن، وهو أن بريطانيا تستطيع التنقيب عن النفط في المملكة إذا ما كانت راغبة في ذلك، لكن رد وزارة الخارجية البريطانية على كل من الطلب والعرض السعوديين كان «ردًا مشؤومًا»، وفقًا لما كتبه «ماثيو تيلر»، وكان هذا الرد ببساطة هو رفض منح القرض للسعوديين، ورفض عرض التنقيب أيضاً.

وفي ربيع نفس العام، 1932، كان الملك «عبد العزيز»، والذي يعرف على نطاق واسع باسم «ابن سعود»، مستعدًا للإعلان عن تأسيس مملكة متحدة جديدة في السعودية، ولإيصال هذه الرسالة إلى الخارج، وتأمين الدعم من القوة العالمية العظمى، بريطانيا، أرسل الملك «عبد العزيز» ابنه «فيصل» للقيام بجولة أوروبية تضمنت لندن.

وبالفعل، وصل «فيصل» إلى دوفر يوم السبت، 7 مايو/أيار، وأقام في فندق عصري جديد، هو فندق دورتشستر في لندن، وبعد لقائه صباح يوم الاثنين مع «جورج الخامس»، قضى «فيصل» معظم وقت زيارته في القيام بأنشطة ترفيهية، بما في ذلك زيارة مزرعة في ساري ستاد، وزيارة راف هندن.

وكان مستشار الملك الشخصي، «فؤاد بك حمزة»، هو من توجب عليه مناقشة القضية الحساسة بشأن المال مع أحد الموظفين الكبار في وزارة الخارجية البريطانية، وهو السير «لانسلوت أوليفانت»، وفي ذلك الوقت، كانت إيرادات الحج إلى مكة المكرمة قد انخفضت بشكل حاد.

فى هذه الفترة كان النفط قد تم اكتشافه في بلاد فارس وبلاد ما بين النهرين «إيران والعراق» المجاورة، ولكن كان هناك شك لدى الجيولوجيين فيما إذا كانت المملكة العربية السعودية تمتلك أي احتياطي من النفط أيضًا.

وطلب «حمزة» الحصول على قرض من بريطانيا، وفي رده على هذا الطلب، تحدث أوليفانت عن «الصعوبات الاقتصادية الصارمة» في ذلك الوقت، وعندما قال «حمزة» بأن «ابن سعود» يسعى للحصول على ذهب بقيمة نصف مليون جنيه إسترليني فقط، وهو ما يعادل عدة عشرات من ملايين الجنيهات الإسترلينية اليوم، رد عليه «أوليفانت» بأنه سيتشاور مع الجهة المختصة، ومن ثم انتقل الطرفان لمناقشة أمور أخرى.

ولكن «حمزة» عاد لموضوع المال مرة أخرى بعد ذلك، وقال إن «ابن سعود» «بحث عن الدعم المادي، وكذلك عن الدعم المعنوي، لحكومته»، ورغم أن مهندسًا أمريكيًا قام بتجميع تقرير عن الموارد المعدنية في المملكة، إلا أن «ابن سعود» «يفضل دائمًا التعامل مع البريطانيين، وسوف يرحب بمساعدة الشركات البريطانية في استغلال الموارد المعدنية في بلاده».

ومرة أخرى، اختار «أوليفانت» إغلاق الباب المفتوح، وأجاب أن «الشركات البريطانية قد تتردد في قبول التقرير الذي لم يكتبه خبير بريطاني» كما أعرب عن شكه «في استعداد الشركات البريطانية لوضع رأس مالها في بلد غير معروفة في الوقت الحالي». 

وعند هذه النقطة من الوثائق الرسمية التي توضح سير النقاشات بين الوفد السعودي والبريطانيين، هناك ملاحظة ساخرة مكتوبة بخط اليد من قبل شخص غير معروف، تقول: «لا مجازفة، لا شيء!».

 

وقد تحولت لغة الجلسة بعد ذلك إلى لغة غير دبلوماسية إلى حد ما. حيث وصف «حمزة» الرفض البريطاني بأنه «حزن كبير وخيبة أمل»، مضيفًا أنه «لم يعد هناك بديل سوى أن نبحث في أي مكان آخ»، وهنا قاطع «أوليفانت» ضيفه، ليؤكد له أن هذه المسألة تسببت بالشعور بالأسف الشديد من قبل حكومته أيضًا. وخلال 72 ساعة، كان كل من «فيصل» و«حمزة» قد غادرا مطار «كرويدون» عائدين إلى الوطن.

لم يكن «أوليفانت» أحمقاً. حيث إنه، وخلال مسيرته المتألقة في وزارة الخارجية، قاد العلاقات البريطانية مع بلاد فارس والعرب لأكثر من 30 عامًا، وموقفه تجاه العرض السعودي، على الرغم من احتمال إفراطه في الحذر وفي التعالي الاستعماري، إلا أنه كان منطقيًا في ذلك الوقت.

وفي غضون عام، منح «ابن سعود» امتياز البحث عن النفط السعودي إلى اتحاد أمريكي، وفي عام 1938، تم اكتشاف الاحتياطي الأكبر في العالم من النفط الخام، ولم تعد المملكة العربية السعودية «دولة غير معروفة» بعد ذلك، وبدأت الولايات المتحدة تحل محل القوة البريطانية في الخليج.

وعلى حد تعبير المؤرخ البريطاني، «مارك هوبز»، الذي بحث في اجتماعات لندن لعام 1932: «لقد كانت هذه الزيارة أمرًا أراد المسؤولون نسيانه»، وذلك في إشارة إلى أهميتها في مجرى التاريخ البريطاني.

لمشاهدة النسخ الأصلية من الوثائق المشار إليها أعلاه (باللغة الإنجليزية):

أوليفانت يرفض طلب حمزة الأولي

أوليفانت يشير إلى «دولة غير معروفة»

أوليفانت يقاطع تصريحات حمزة التي عبر فيها عن«حزنه الشخصي»

 

المصدر | بي بي سي

  كلمات مفتاحية

الملك عبدالعزيز السعودية بريطانيا النفط