«ذا ديلي بيست»: لا فوز مع مصر.. لماذا لا ينبغي على «ترامب» أن يدعم نظام «السيسي»؟

الاثنين 28 نوفمبر 2016 07:11 ص

تبدو علاقة الرئيس المنتخب «ترامب» بالرجل القوي المصري «عبد الفتاح السيسي» جيدة. ولكن هل سيوفر ذلك الطعام على طاولة 20 مليون مصري يعانون من الجوع؟

في إحدى قرى مصر، يقطع «جمال» البالغ من العمر 48 عامًا، طريق قريته الترابي جنوب القاهرة كل يوم للسعي على رزقه بالقيام بأعمال غريبة مقابل أجر زهيد. في وسط الأزمة الاقتصادية الطاحنة في مصر، كان عاطلًا عن العمل لأكثر من عام ولديه 5 أطفال لإطعامهم. ويعيش عامل البناء السابق على المساعدات الإنسانية وطرود الغذاء ذات الخصم الحكومي التي يوزعها الجيش.

وبين عشيةٍ وضحاها، ومع الحركة الصادمة من البنك المركزي بتعويم الجنيه وتقليص دعم الطاقة، رأى الأسعار وقد أصبحت الضعف، وهو ما أدّى إلى استحالة العيش.

ويقول «جمال»: «استيقظت صباحًا على حقيقة أنّني لم أعد قادرًا على توفير ما أسد به جوعي أنا وأطفالي، كيف سأتغلب على ذلك؟ مصر غارقة في الفوضى، والحكومة لا تعرف ما تفعله. هذا خاطئ، على الحكومة توفير طريقة لي للعيش الكريم، وليس إجباري على الحياة على الهبات».

وينتظر 91 مليون مصري ارتفاعات جديدة في أسعار السلع وخفضًا للدعم، مع تدابير تقشف جديدة من قبل الحكومة لتلبية شروط قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار. وكانت سلع رئيسية مثل السكر وزيت الطعام قد ارتفعت إلى ما يقارب الضعف بعد قرارات الحكومة الأخيرة.

ولكن يبقى أن نقول أنّ هناك إعجاب متبادل بين «ترامب» و«السيسي». فـ«السيسي» كان من الرجال القلائل دوليًا الذي أشاد بـ«ترامب» قبل انتخابه عندما اجتمعا على هامش اجتماعات الأمم المتحدة. ووصف «ترامب» السيسي بـ «الرجل الرائع»، ولكن «السيسي» الذي جاء على رأس انقلاب الجيش عام 2013 ورغم وعوده بالرخاء والسلام، تواجه بلاده أزمات اقتصادية حادة، ومع مطالبته للمصريين بالصبر، لا يبدو أنّ هناك جديد في الأفق. وربما يكون الإعجاب المتبادل ناتج عن التوافق في رؤية الحرب ضد الجماعات الإسلامية المتشددة مهما كلف الأمر، وبالنسبة للسيسي فما يعنيه هو جماعة الإخوان المسلمين.

ومصر هي أكبر حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتحصل على مساعدات عسكرية بقيمة 1.3 مليار دولار، لكنّها عانت من فوضى وأزمات اقتصادية منذ ثورة عام 2011 والإطاحة بنظام جماعة الإخوان عن طريق الجيش عام 2013.

وفور ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية، كان مكتب «السيسي» حريصًا على إعلان السيسي كأول زعيم في العالم يبادر بتهنئة «ترامب». ثم أشاد «السيسي» بـ«ترامب» مرة أخرى في مقابلة مع وكالة الأنباء البرتغالية قائلًا أنّه يتوقع من «ترامب» أن يشارك بشكل أكثر حسمًا في المنطقة وبخاصة دعم مصر، حيث قال: «لقد أظهر الرئيس المنتخب ترامب فهمًا عميقًا لما يجري في المنطقة ككل وما يجري في مصر، وأتوقع المزيد من الدعم والمزيد من تعزيز علاقتنا الثنائية».

لا فوز مع مصر

ولكن «ترامب» لا يحب أن يكون في صف الخاسرين. ومع اتساع الهوة السوداء التي تبتلع الاقتصاد المصري، سيدرك «ترامب» عند نقطة ما، أنّه لا فوز مع مصر. وقد كافحت مصر لسنوات لإبقاء رأسها خارج المياه، لكنّ القاهرة قد أحرقت نصف احتياطياتها من النقد الأجنبي منذ ثورة يناير/ كانون الثاني عام 2011.

ووسط تراجع أسعار النفط العالمي، والخلافات المتصاعدة بين السعودية ومصر على خلفية دعم الأخيرة لقرارات روسيا في مجلس الأمن والمتعلقة بالقضية السورية، أعلنت شركة أرامكو السعودية إيقاف شحنات النفط رخيص الثمن الذي كانت تحصل عليه مصر. وتسبب ذلك في مزيد من الضغوط على الاقتصاد المصري والحكومة، حيث انخفضت قيمة الجنيه المصري من 8.8 جنيه للدولار ليصل إلى ما يقارب 18 جنيه للدولار بسبب قرار البنك المركزي المصري بتحرير سعر صرف الجنيه لمواجهة السوق السوداء. بالإضافة إلى خفض الدعم على الطاقة ورفع سعر البنزين بنسبة 40%. ورغم تشجيع البنك المركزي والبنوك والمصرفيين لهذه الإجراءات، يتوقع الخبراء ارتفاع التضخم في مصر لـ 25% خلال الأشهر القادمة.

ويقول «جيسون تيوفي» من كابيتال إيكونوميكس: «سيعاني المصريون الفترة القادمة من آلام اقتصادية إضافية، وسترتفع أسعار السلع اليومية مثل السكر والأرز والدقيق. وسيكون هناك ضغط على الدخل، وسترتفع الفوائد على الأعمال التجارية والاستثمارية. وسيستمر التخلي عن الدعم».

ويعني ذلك أنّ 23 مليون مصري من أمثال «جمال» والقابعين تحت خط الفقر، سيعانون من الجوع. وقد أعلن بنك الطعام المصري مؤخرًا عن زيادة الطلب على مساعدات الطعام بنسبة 20%، وقال «رضا سكر» المدير التنفيذي لبنك الطعام المصري أنّه بالإضافة إلى توزيع 670 ألف صندوق طعام في المناطق الأشد فقرًا، فقد تمّ تجهيز 100 ألف طرد غذاء بدون طباعة شعار المؤسسة لتوزيعها على أبناء الطبقة المتوسطة الذين نزلوا تحت خط الفقر لتجنيب الأسر وصمة العار الاجتماعية بسبب قبول المساعدات. وقد تمّ اعتبار الناس مؤهلين للحصول على المساعدات إذا كان الفرد مجبرًا على العيش على أقل 1.30 دولار يوميًا في القرى أو 2 دولار يوميًا في المدن.

وقد تأثرت أيضًا الإمدادات الطبية، والتي يتم استيرادها إلى حد كبير، فهناك نقص حاد في الأدوية التي تعالج السكر والسرطان وأمراض القلب والكلى. وذكر عاملون بالمستشفيات لـ«ديلي بيست» أنّهم اضطروا لشراء تلك الأدوية من السوق السوداء بـ 10 أضعاف السعر، أو في بعض الأحيان لم يعثروا عليها وشاهدوا المرضى أمامهم يموتون. وقال «محمود فؤاد» مدير المركز المصري للحق في الدواء، أنّ الأزمة لو استمرت لمدة 3 أشهر، ستضطر أكثر من 80% من مستشفيات مصر لإغلاق أبوابها. كما ذكر أنّ 1500 نوع دواء غير متواجدة الآن في مصر، منها 112 دواء إنقاذ حياة. وقال أنّ «عدم وجود سياسة واضحة للحكومة في التعامل مع هذا الأمر مع ثبات تسعير الأدوية رغم تغير سعر العملة وعدم وجود قانون واضح للتأمين الصحي قد زاد من الأزمة في البلاد».

المزيد من الاضطرابات

ورغم المرور بانتفاضتين وخمسة رؤساء في عدة سنوات، يخشى المصريون أنّ الضغط بشكل أكبر على الفقراء من الممكن أن يسبب مزيدًا من الاضطرابات. وشهدت شوارع البلاد العديد من الاحتجاجات منذ الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب بمصر، الرئيس «محمد مرسي»، عن جماعة الإخوان المسلمين، لكن تم قمع هذه الاحتجاجات والإلقاء بغالبية أفراد المعارضة في السجون.

وحصل رسم كاريكاتير للرئيس السيسي الشهر الماضي وهو يسرق ساعة من معصم رجل يدعوه لإنقاذه من الغرق، على 8500 إعجاب على موقع فيسبوك خلال ساعات.

وبعد فترة وجيزة من خفض قيمة الجنيه، دشّن طلاب مصريون مجموعة على ذات الموقع الإلكتروني تدعو للانتحار الجماعي، وقد حصلت على عشرات الآلاف من الإعجاب قبل اختراقها وإيقافها.

وظهر في الوقت نفسه مقطع فيديو لسائق (توكتوك) يتحدث فيه عن الأوضاع المصرية بحماس، والذي حذفه موقع جريدة الحياة المؤيدة للنظام بعد أن حصد 6 ملايين من المشاهدات.

وعندما ظهر رجل معارض للنظام المصري وبثّ فيديو من تركيا يدعو فيه لاحتجاجات واسعة يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني، شاهده 144 ألف مشاهد. وشهد يوم الحدث تواجدًا أمنيًا كثيفًا في ميادين التجمع الرئيسية، وجابت قوات الأمن الشوارع مدججين بالسلاح ومقنعين في المدرعات، بطريقة دعت الناس للبقاء في المنازل، ولم يستطع المشاركة إلا عدد قليل في بعض القرى والمدن. لكنّ الفكرة نفسها قد سببت القلق للنظام وأثارت جنون وسائل الإعلام.

وتمّ إلقاء القبض على 300 شخص في هذا اليوم بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المحظورة، وقال السكان القريبين من ميدان التحرير، أنّ الشرطة قد قامت بحملة على الشقق الخاصة المجاورة للميدان في هذا اليوم.

ويتوقع خفض السلطات لدعم الوقود مرة أخرى في شهر مارس/ آذار. وربما سيقومون أيضًا، وفقًا لخطة التقشف القاسية الخاصة بصندوق النقد، برفع الدعم عن الخبز، وهو ما يثير المخاوف من اندلاع أعمال شغب مثل انتفاضة الخبز عام 1977، عندما تمّ تفعيل إجراءات مماثلة.

ونظرًا لتثمين جهودها، حصلت مصر على الدفعة الأولى من القرض البالغ 12 مليار دولار منذ أيام. وقد هنأت رئيسة صندوق النقد الدولي، «كريستين لاجارد»، الحكومة المصرية عن جهود إصلاحاتها الطموحة. ولكن من الواضح أنّ هذه الإجراءات لن تعالج مشاكل البلاد على المدى القصير، أو تحميها من دخول قائمة الدول الأشد فقرًا.

فهل سيغض الرئيس المنتخب «ترامب» النظر عن عدم الاستقرار في مصر؟ وهل سيهب لنجدة مصر، كما ألمح «السيسي» ونواب برلمانه؟

يقول الناس في مصر أنّهم لا يستطيعون التفكير في المستقبل، أكثر من التخطيط لما سيفعلونه غدًا. ويسأل «صلاح» البالغ من العمر 57 عامًا وهو يسحب حماره الهزيل عبر القرية: «لدي 9 من الأطفال. كيف لي أن أتحمل هذه المسؤولية؟». ويضيف: «على الحكومة فعل شيء. لا أهتم كيف تفعل ذلك ومن يدعمها. لا يمكننا التغلب على ذلك الأمر وحدنا. لن يستطيع الناس النجاة».

المصدر | ذا ديلي بيست

  كلمات مفتاحية

السيسي مصر دونالد ترامب العلاقات المصرية الأمريكية