«ميدل إيست آي»: الإرث الدائم لـ«فيدل كاسترو» في الشرق الأوسط

الاثنين 28 نوفمبر 2016 02:11 ص

توفي «فيدل كاسترو» الرئيس السابق لكوبا ورمز الأمل لكثيرين في وقت مبكر من صباح السبت، وكان ما أثار استغراب الكثيرين الذين راقبوه على مدى عقود أن وفاته عن عمر يناهز الـ 90 عاما جاءت لأسباب طبيعية، وليس من خلال الاغتيال أو بسبب السيجار الشهير الذي نادرا ما كان يفارقه.

وقد نعت كبار الشخصيات الأجنبية «كاسترو»، وكان على رأسهم حلفاؤه اليساريون في أمريكا اللاتينية، كما دخل الشيوعيين واليساريون الآخرون في معركة على وسائل الإعلام الاجتماعية لبدء القتال حول ميراث واحدة من الشخصيات الأكثر شهرة واستقطابا في القرن العشرين.

و في شوارع ميامي، خرج أعضاء مدينة «ليتل هافانا»، وفيها تجمع للمنفيين الكوبيين إلى الشوارع للاحتفال بوفاة رجل زعموا أنه حول بلادهم إلى دكتاتورية، وقام بتجريدهم من أموالهم ومكانتهم.

وكقائد للثورة عام 1959 التي أطاحت بالدكتاتور «باتيستا»، أصبح «كاسترو» جنبا إلى جنب مع حليفه «تشي غيفارا» رموزا للنضال العالمي من أجل الاستقلال، وخاصة في مواجهة القوة الأميركية المفرطة.

فلسطين

أما في الشرق الأوسط، فقد ساعدت الثورة الكوبية في إلهام العديد من الحركات المناهضة للإمبريالية لحمل السلاح ضد البريطانيين والفرنسيين، وفي وقت لاحق ضد الطموحات الإمبريالية الأمريكية في المنطقة. وعلى الرغم من تبنيه للإلحادية الماركسية اللينينية، فإن شخصيات من اليسار العلماني إلى الإسلاميين المحافظين اعتبروا «كاسترو» كمصدر إلهام.

وكانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من بين أول المنظمات السياسية التي قامت بنعي «كاسترو»، وربما تكون المجموعة الأكثر احتذاء بسياسة «كاسترو» في الشرق الأوسط.

«وقالت الجبهة في بيانها أنها أعلنت الحداد على وفاة الزعيم الثوري الكبير والرئيس السابق لجمهورية كوبا، «فيدل كاسترو»، الذي توفي مساء يوم الجمعة بعد أن قضى حياته في خدمة مبادئ وأهداف الثورة الاشتراكية». وقال البيان الذي صدر على الموقع الإلكتروني للجبهة الشعبية أن «كاسترو»: «ناضل ضد الإمبريالية العالمية وقوى الاستبداد والاستعمار وفي طليعتها الصهيونية».

«أخذ فيدل كاسترو موقفا تقدميا تجاه القضية الفلسطينية، مما ساعد الثورة الفلسطينية دائما في الخطاب والفعل. وقد تبنى دائما موقفا ضد الصهيونية، واصفا الكيان الصهيوني بأنه صنيعة الإمبريالية العالمية، منتقدا باستمرار جرائمه ضد شعوبنا العربية والفلسطينية».

وكانت الحكومة الكوبية قد أرسلت في الستينيات مقاتلين لمساعدة قوات عربية تقاتل ضد (إسرائيل) خلال «حرب الاستنزاف» التي أعقبت حرب الأيام الستة، وفعلت الشيء نفسه خلال حرب يوم الغفران عام 1973، وعند هذه النقطة قطعت كوبا علاقاتها مع (إسرائيل). وعلى الرغم من أن «راؤول» شقيق «كاسترو»، والذي تولى الرئاسة بعد استقالة شقيقه، أكد على «حق إسرائيل في الوجود» في عام 2010، إلا أنه لا تزال لا توجد علاقات رسمية بين الطرفين.

أفريقيا

انتشر تأثير ونفوذ كاسترو أيضا على القارة الأفريقية، وخاصة في أكثر قضاياها شهرة وهي مساعدة المعارضين في جنوب أفريقيا ضد نظام الفصل العنصري كما دعم النضالات المناهضة للاستعمار في الشمال أيضا.

كما قامت كوبا بمساعدة كوبا الجزائر في نضالها من أجل تحرير نفسها من الحكم الاستعماري الفرنسي في الستينيات، وقد ربطتهما علاقات أصبحت قريبة جدا مما جعل وزارة الخارجية الأمريكية تشير في 1964 إلى أن الجزائر «قد تصبح حرفيا المنزل الثاني الملائم لسفر الكوبيين، و قاعدة مهمة لتوسيع النفوذ الكوبي في أفريقيا».

كما قدمت حكومة «كاسترو» المساعدات العسكرية لجبهة التحرير الوطني، والتي بدورها تتبنى الاشتراكية المستوحاة من كوبا لتكون حليفا رئيسيا لها في القارة الأفريقية.

وقد أعلن زعيم جبهة التحرير الوطني «أحمد بن بله» بفخر بعد إعلان بلاده الاستقلال في عام 1962 قائلا «إن كاسترو هو أخي، ناصر هو أستاذي، تيتو هو قدوتي».

كانت الجزائر أيضا متلقيا رئيسيا للمنتجات الكوبية: وقد وصل وفد المساعدات الطبية الأول من كوبا إلى الجزائر في مايو/أيار 1963. واليوم يعتقد أن حوالي 1000 من العاملين الطبيين الكوبيين يعملون في الجزائر، بما في ذلك 500 من أطباء العيون، هم ويعملون في جميع أنحاء الجزائر كجزء من اتفاق مستمر.

إيران

حافظ «كاسترو» كذلك على علاقات جيدة مع جمهورية إيران الإسلامية، على الرغم من تطبيق كوبا للإلحاد في الدولة وسحق إيران للحركات اليسارية في الثمانينيات.

ونظرا لكونه كان شوكة كبيرة في خاصرة «الشيطان الأكبر»، الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أشاد زعماء إيران الثورية بـ«كاسترو» كصديق.

وقال الزعيم الأعلى الإيراني «علي خامنئي»: «وقفت الثورة الإسلامية دائما مع كوبا في صراعها مع الولايات المتحدة، لأننا نعتقد أن نضالنا و نضالكم واحد»، وكان ذلك خلال اجتماع مع «كاسترو» في عام 2001.

«من وجهة النظر الإسلامية، فإن المقاومة ضد البلطجة الأمريكية والهيمنة هي الجدارة، وهذا هو السبب في أنك تلقى هذا الترحيب الحار عندما قمت بزيارة جامعة طهران اليوم. وإذا كان زعماء العديد من الدول يقومون بزيارة جامعاتنا، فإنهم لن يتلقوا مثل هذا الترحيب الحار. وهذا يدل على أن شعبنا يدرك تماما قيمة مقاومتكم العادلة ضد الولايات المتحدة».

وخلال الحرب الباردة، ظلت كوبا لاعبا بين القوى الكبرى في المنطقة. في الجمهورية الشعبية الديمقراطية اليمنية، البلد العربي الوحيد الذي تبنى نظاما على غرار الاتحاد السوفيتي وعلى غرار كوبا، فإن مئات من الجنود الكوبيين خدموا للمساعدة في دعم الدولة ضد التهديدات من جيرانها المعادين. كما بعثت كوبا مستشارين عسكريين الى القطاع الساحلي في ظفار لمساعدة المسلحين الماركسيين في قتالهم ضد السلطنة العمانية. وتم تسليح وتدريب جبهة البوليساريو في كفاحها في الصحراء الغربية ضد المغرب.

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في أواخر الثمانينيات، ومع صعوبة الوصول إلى الأسواق، دخلت كوبا أزمة اقتصادية حادة لم تتعاف منها حقا على الرغم من محاولات لبناء العلاقات مع دول يسارية ناشئة حديثا مثل الحكومات في فنزويلا ونيكاراغوا وبوليفيا.

في السنوات الأخيرة، حافظت كوبا على علاقاتها في الشرق الأوسط عبر خطوط الحرب الباردة القديمة.وجاء قرار الحكومة الكوبية بمواصلة دعم روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وكذا حكومة «الأسد» في سوريا مثيرا للجدل بين العديد من المؤيدين السابقين، على الرغم من نفى كوبا تقارير أنها أرسلت تعزيزات لدعم الجيش السوري في الحرب الأهلية الطويلة في البلاد.

لا تزال البلاد، واحدة من بلدين فقط في العالم (الأخرى هي كوريا الشمالية)، حيث غالبية الاقتصاد مملوك للدولة. وقد واجهت الدولة الفساد وسوء الإدارة لسنوات. ومع وجود نظام الرقابة القمعي للغاية لم يكن لدى الكوبيين سوى القليل من المعلومات عن العالم الخارجي، حيث الوصول إلى الإنترنت و الهاتف المحمول مقيد بإحكام أيضا.

وفي عام 2010، أعلن «كاسترو» أن تخطيط النموذج السوفيتي القديم كان فاشلا، مما وضع البلد نسبيا على مسار الإصلاحات التي شهدت نموا أكبر للأعمال التجارية الصغيرة، وبروزا للقطاع الخاص.

في عام 2014، بدأت الولايات المتحدة وكوبا مفاوضات لإنهاء العلاقات المجمدة والحصار المستمر منذ عقود، وفي عام 2016 أصبح «باراك أوباما» أول رئيس أمريكي يزور الجزيرة منذ قيام الثورة.

على الرغم من أن «فيدل» أفاد حول زيارة «أوباما» قائلا: «نحن لسنا بحاجة للإمبراطورية كي تقدم لنا أي شيء»، فقد جاء تحسن العلاقات بين البلدين تزامنا مع تراجع الرئيس السابق عن المشهد السياسي باعتباره إشارة إلى أن العالم تغير في بعض النواحي.

وسوف تستمر المناقشات حول كيفية الحفاظ على استقلال كوبا ومعايير التعليم العالي والرعاية الصحية لها (والتي لا تزال في العديد من المؤشرات تفوق الولايات المتحدة)، في حين يتم تخفيف القيود المفروضة على حرية التعبير والديمقراطية المجتمع الكوبي.

وتجري مناقشات مماثلة في الشرق الأوسط، وهي منطقة أخرى غارقة في الفساد وسوء الإدارة، حيث يمكن القول أنها ما زالت تخوض معارك الحرب الباردة القديمة، حيث المصالح الامبريالية في كثير من الأحيان ورقة رابحة أكثر من مصالح الناس العاديين.

  كلمات مفتاحية

فيدل كاسترو إيران كوبا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

حداد في الجزائر 8 أيام على «فيديل كاسترو»

وفاة رئيس كوبا السابق «فيدل كاسترو»