«ناشيونال إنترست»: انفتاح إيران على الغرب يهدد نفوذ الحرس الثوري

الأربعاء 30 نوفمبر 2016 08:11 ص

منذ بداية فترته الرئاسية، اعتبر الرئيس «حسن روحاني» وفريقه اتفاقية العمل الشاملة المشتركة، التي تمّ التفاوض عليها بين إيران وعدد من القوى الغربية 14 يوليو/ تموز عام 2015، خطوة أولى في خطة أكبر لتطبيع علاقات إيران الدولية مع العالم الخارجي. وفقط يتبقى لدى «روحاني» وفريقه احتواء الإرهاب والحد من الإجراءات الحركية العلنية لقوات الحرس الثوري الإيراني، كثاني أهم مشروع بعد مشروع التطبيع. أما المشروع الثالث فهو التعافي الاقتصادي، بما في ذلك الإصلاحات البنكية وتأسيس اتصال قوي برؤوس المال الأجنبية والمعايير المصرفية المقبولة دوليًا.

عندما ترشّح للمنصب عام 2013، تعهّد الرئيس «روحاني» بإصلاح الاقتصاد الذي دمّرته سنوات من سوء الإدارة والفساد والسياسات الشعبوية والعقوبات. وفي الواقع، قاد الأمل في تحسن الاقتصاد الدعم الشعبي للاتفاق النووي. وبعد أيام من توقيع اتفاقية العمل الشاملة المشتركة، أوضح «روحاني» في خطاب مفتوح لنائبه الأول «إسحاق جهانجيري»، نيته في العمل على تعافي الاقتصاد من خلال التركيز على النظام المصرفي. وكانت التعهدات الاقتصادية كافية لإعطاء «روحاني» ميزة في الانتخابات البرلمانية لعام 2016.

وبعد تحليل المشاكل النظامية، خلصت الإدارة إلى أنّ حجر الزاوية في الانتعاش الاقتصادي ينبغي أن يكون إصلاح النظام المصرفي، المتعثر منذ عقود في نظام ضعيف أدّى لتراكم مخزون كبير من القروض المتعثرة في البنوك التي افتقرت لراس المال الكافي لتقديم القروض إلى الشركات. وتم توقيع خطة إصلاح مصرفي شامل من خلال قانون أصدره «روحاني» عام 2016 للتغلب على هذا الوضع.

وبقدر ما اكتسب القانون من التقدير، إلا أنّه لم يحقق ما يكفي للحصول على الاستثمار الأجنبي المباشر. إلّا أنّ «روحاني» يأمل في الحصول على الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة. ومع ذلك، قال «سيف ولي الله،» رئيس البنك المركزي الإيراني، أنّ البنوك غير مؤهلة لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث تعمل بأنظمة قديمة لم تعد تلبي المعايير الدولية، في إشارة مبطنة لأهمية الانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة الدولية عام 1999 لقمع تمويل الإرهاب.

وقد تمّ إنشاء فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية بعد فترة وجيزة من هذه الاتفاقية لمراقبة ورصد الامتثال للاتفاقية. وفي فبراير/ شباط من العام 2016، قالت الفرقة أنّها قلقة إزاء فشل إيران في التصدي لمخاطر تمويل الإرهاب والتهديد الخطير الذي يشكّله هذا الأمر على سلامة النظام المالي الدولي.

وكانت اللهجة الحادة من الفرقة تذكيرًا للجهة المعنية بمشروع التطبيع بأنّ إيران لن تكون قادرة على الوصول للاستثمار الأجنبي المباشر قبل الدخول في الاتفاقيةز وفي 4 أغسطس/ آب عام 2015، صوت البرلمان الإيراني لصالح الانضمام لاتفاقية عام 1999. وفي 5 مارس/ آذار عام 2016، وافق مجلس صيانة الدستور على التشريع، الأمر الذي يمهد الطريق لطلب العضوية. وكقاعدة عامة، يطلب من الدول الموقعة على اتفاقية قمع تمويل الإرهاب، سن تشريعات وطنية تجرّم تمويل الإرهاب.

إمبراطورية الحرس الثوري

وكان الحرس الثوري الإيراني يعارض من قبل مثل تلك التشريعات ويقف لها، لكنّ اتفاق خطة العمل المشتركة الشاملة الأخير، وفّرَ لهم بعض الخيارات المعقدة. وكان الحرس الثوري قد تحول من مؤسسة عسكرية، لكيان اقتصادي بارز داخل البلاد. ولكن لتغطية تلك الإمبراطورية الاقتصادية، فقد عمل من خلال مئات الشركات باسم قدامى رموز الحرس الثوري أو بأسماء شركات أخرى، ولنا أن نعرف أنّ الحرس الثوري يملك 250 شركة رئيسية من 700 شركة مدرجة في بورصة طهران. ومن بين 36 بنكًا ومؤسسة مالية كبرى، فإنّ 12 منها يقال أنّها مملوكة للحرس أو على صلة به.

وكمساهم كبير في الاقتصاد الإيراني، يرغب الحرس الثوري في استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار، لاسيما في مجالات النفط والغاز والتعدين. وبحسب وزير النفط الإيراني، ستحتاج إيران لاستثمارات بقيمة 200 مليار دولار في صورة استثمار أجنبي لتطوير صناعتها النفطية. وقدر الوزير الحاجة لـ 130 مليار دولار من أجل عمليات الاستكشاف والاستخراج، و70 مليار دولار من أجل المعالجة والتسويق.

وفيما كان أكثر من خطوة هامة وخطيرة، شكّكت الحكومة في قدرة الحرس الثوري الإيراني على تطوير المشروعات الكبيرة بطريقة فعّالة وسليمة اقتصاديًا. ودافع «عباد الله عبد الله»«، رئيس شركة خاتم الأنبياء، التابعة للحرس الثوري، قائلًا أنّ شركته قادرة على تنفيذ المشروعات الكبرى دون الحاجة لتدخل أجنبي، لكنّ المحللين أكدوا ملاحظتهم أنّ الحرس الثوري الإيراني بدأ توظيف مستشارين أجانب والاستفادة من الموارد الخارجية الأخرى.

على الجانب الآخر، يهدد هذا الكشف لشبكة ممتلكات الحرس الثوري، وهذا من مطالب فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية، سطوته الاقتصادية. ولم يفت هذا الأمر رئيس الحرس الثوري، «علي جعفري»، الذي دعا إلى العودة لما أسماه «اقتصاد المقاومة»، وهو ذات الأمر الذي دعا له من قبل «أحمدي نجادي» رفضًا للاندماج في الاقتصاد العالمي.

وقد كان هذا الخطاب حول اقتصاد المقاومة هو الأول لجعفري منذ عام 2014، مما جعل المحللين يتحدثون عن عودة الحرس الثوري ليلعب دور المفسد الكلي للمشهد. كما أخذ المرشد الأعلى موقفًا مماثلًا باتجاه اقتصاد المقاومة، وكان أحد الأسباب تحذير كبار المؤسسة الدينية من أن يتسبب الانفتاح على العالم بتآكل القيم الإسلامية. ومن المثير للاهتمام، أنّ أحمدي نجاد، في فبراير/ شباط عام 2016، في ندائه للحرس الثوري، أطلق حملته لإعادة انتخابه تحت راية اقتصاد المقاومة.

مناورات مستمرة

وعلى الرغم من مواقفهم العامة المضادة، فإنّ الواقع يقول أنّ الحرس الثوري قد تعامل بمبدأ المناورة مع «روحاني» وفريقه، حيث توافق معهم في بعض القضايا مثل قانون قمع تمويل الإرهاب. كما انضم في 12 يونيو/ حزيران عام 2016 إلى مجموعة أوراسيا لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وهي مؤسسة تشبه في عملها فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية. وكثّفت الهيئة البريطانية مساعداتها لـ«روحاني» في تنظيم سياسات 3 من البنوك الكبرى، والتي تمّ منعها من خدمة الحرس الثوري بأمر من «روحاني»، وهناك توقعات بأوامر مماثلة لباقي البنوك على غرار البنوك الثلاثة، الأمر الذي سيحدّ من مقدرة الحرس الثوري على التعامل مع الخدمات المصرفية.

وفي تطور مهم آخر، منع «آية الله خامنئي» الرئيس السابق «أحمدي نجاد» من الترشح لانتخابات الرئاسة عام 2017. وعلى الرغم من عدم إعطاء أي سبب رسمي، فبحسب مصادر مطّلعة، فإنّ المرشد الأعلى لا يريد أن يرى فوائد اتفاقية خطة العمل المشتركة الشاملة تتدمر على يد الزعيم العدواني.

وترتبط عملية التطبيع وإعادة الاندماج في المجتمع الدولي ارتباطًا وثيقًا بالمستقبل السياسي للحرس. وخلافًا للمعاهدات التي وقعت عليها الدولة، وهي ملزمة، فإنّ اتفاقية خطة العمل المشتركة الشاملة تعتمد على المستقبل السياسي لـ«روحاني» واستمراره، وهو الأمر الذي يحاول المتشددون إفساده بكل قوة.

وربما تتسبب مقاومة معارضي «روحاني» للإصلاحات الاقتصادية في تعريض التدفقات المالية المستقبلية للخطر وتضر الورقة الرابحة للحرس من التعافي الاقتصادي. وقد ذهب «روحاني» إلى أبعد مما ذهب له أي ممن سبقه من الإصلاحيين، لكنّه لا يزال يحتاج إلى مزيد من الوقت لتقويض النخب شبه الحكومية التي تمثّل دور الإفساد.

وينبغي على المعارضين الغربيين لاتفاقية خطة العمل المشتركة الشاملة الذين حاولوا استخدام العقوبات لتقويض الحرس، أن يفهموا أنّ الضغط الخارجي بلا شك يفقد التطبيع الشرعية ويخلّ بتوازن القوى لصالح المفسدين. وفي مثل هذا السيناريو، فإنّ انهيار الاتفاقية شيءٌ وارد، الأمر الذي سيقود لحلقة جديدة من الصراعات في المنطقة الهشّة بالفعل.

المصدر | ناشيونال إنترست

  كلمات مفتاحية

إيران الاتفاق النووي العقوبات الاقتصادية الحرس الثوري حسن روحاني