«جورج فريدمان»: الإسلام والإرهاب.. ومعضلة الحرب التي لا تنتهي

الخميس 1 ديسمبر 2016 05:12 ص

كانت الولايات المتحدة في حالة حرب لمدة 15 عامًا. ولا يزال هناك نقاش حول من تقوم الولايات المتحدة بمحاربته. البعض يقول نحارب الإرهاب. والبعض الآخر يقول نحارب الإرهاب الإسلامي. والجدال هنا بين من يربطون إرهاب القاعدة وتنظيم «الدولة الإسلامية» بالإسلام بشكل كبير، وهؤلاء الذين يرغبون في التفريق بين الإسلام وهذه الجماعات من أجل عدم إلصاق التهم بدين كامل من أجل أفعال البعض من معتنقيه.

وهذا من شأنه عادةً أن يكون جدالًا أكاديميًا، لكن بالنظر إلى حقيقة أنّ قوات الولايات المتحدة مشاركة في القتال، فإنّ الخلاف حول من يقاتلون شيءٌ خطير. وهذا هو الأمر على الأقل منذ تعيين الجنرال المتقاعد «مايكل فلين»، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية بأفغانستان، والمدير السابق لوكالة استخبارات الدفاع، مستشارًا للأمن القومي في إدارة «ترامب». وكان فلاين من أشد المؤيدين لاستخدام وصف الإرهاب الإسلامي، والذي قاتل «أوباما» بشدّة لكيلا يذكر هذا الوصف أثناء فترته الرئاسية.

تحديد العدو

ومن المهم وضوح العدو لشن الحرب. فإذا كان العدو هو الإرهاب، فالعدو إذًا ليس حركة سياسية بعينها، بل طريقة شن الحرب، أيًّا كان مستخدم تلك الطريقة. ولقد كان الرئيس «جورج دابليو بوش»، هو أول من استخدم هذا الجدال، حين أشار إلى «محور الشر»: العراق وإيران وكوريا الشمالية.

تورّطت هذه الدول جميعها في الإرهاب، لكنّ أيًا من حكوماتها لم تتورط في هجمات 11 سبتمبر/ أيلول. ولو كانت فعلت، لشنت الولايات المتحدة حربًا عليها، لكنّها لم تفعل. وفي عام 2003، أمر «بوش» بغزو العراق، لكنّه لم يتطرق لإيران أو كوريا الشمالية.

ومن المهم فهم سبب ذكر كوريا الشمالية في تلك المجموعة. بالتأكيد كان ذلك لأنها دولة غير مسلمة، وكان «بوش» يعرف أنّه غير قادر على محاربة القاعدة دون دعم من بعض الدول الإسلامية. وإذا ظهر الأمر كحرب على الإسلام، فلن تساعد تلك الدول.

كل من «أوباما» و«بوش»، استخدما استراتيجية للتعريف، ترفض إظهار الأمر كحرب بين الولايات المتحدة والإسلام. ولكن بعد 15 عاما من الحرب، يبدو أنّ حرب الولايات المتحدة لم تكن إلا ضد المسلمين. لم يكن المسلمون كلهم العدو، لكنّ الأعداء جميعهم كانوا مسلمين. وأيًا كان السبب، فقد تراجعت فعالية الحرب وتأثيرها، بسبب التركيز فقط على القوات التي نقاتلها، وليس على المنظومة التي يمثلونها.

ذكر العدو باسمه

على الرغم من تحديد الولايات المتحدة لأعدائها، إلا أنّ هؤلاء الأعداء يعرّفون أنفسهم كمسلمين كما يشير مسمّى «الدولة الإسلامية»، التي تعتبر نفسها قلب الإسلام النابض والساعية نحو عودة الخلافة التي سلبها منهم المسيحيون. وعلى الرغم من أنّ الكثير من المسلمين يظنون أنهم منافقون، حيث تختلف أقوالهم عن أفعالهم، إلّا أن التركيز فقط على جماعات مثل داعش والقاعدة وطالبان، يجعل الأمر كما لو أنّه استهداف للإسلام، وهذا لا يسبب فقط ارتباكًا في المفاهيم، ولكن أيضًا إلى الفشل العسكري. وأعزو جزء كبير من الفشل العملياتي للولايات المتحدة خلال الـ 15 عامًا الماضية إلى الفشل في فهم العدو.

لقد تعاملت الولايات المتحدة مع القاعدة و«الدولة الإسلامية» كمنظمات مكتفية ذاتيًا. وكانت النظرية تقول أنّه لو تم تدمير المنظمة، ستختفي قدراتها العسكرية. وببساطة، لم يحدث ذلك سواء في مواجهة الأفراد أو الجماعات. وركزت حرب الطائرات بدون طيار على استهداف قيادات المنظمات واغتيالهم، وكان التوقع يقول أنّه مع اغتيال عدد كبير من القيادات الكبرى بهذه المنظمات، فإنّ المنظمة ستنهار.

ولكن ما حدث، أنّ القاعدة تمّ إضعافها تمامًا، وهو ما يمثّل نجاحًا عسكريًا واستخباراتيًا كبيرًا، لكنّ «الدولة الإسلامية» قد نبتت من بين الركام، ومع إضعاف طالبان فإنّ هناك جهات أخرى أخذت مكانها. ويعني هذا أنّه على الرغم من النجاح الظاهر للعمليات الاستخباراتية والعسكرية، إلّا أنّ الحرب لم تنته بالفوز. وكل ذلك بسبب عدم فهم الولايات المتحدة من تقاتل.

مواجهة حركة

لم تكن القاعدة تنظيمًا مجهولًا. لقد كانت مظهرًا قويًا من مظاهر التيار القوي للفكر الإسلامي والمسلمين. وحتى مع عدم قبول ادّعاء القاعدة بأنّها كانت الشكل التقليدي للجماعة الجهادية المسلمة، لم يكن هناك فرصة للتغلب عليها.

وكان السبب بسيطًا. لم تكن القاعدة منظمة صغيرة من الناحية العملية. ولم يكن من الممكن تدميرها عن طريق الاستخبارات والأسلحة. كان ذلك الجزء التشغيلي فقط. لقد كانت المنظمة تحظى بدعم واسع من قاعدة عريضة، كانت قادرة على توفير الأفراد بكميات كبيرة ومستدامة، وأن تحل محلها إذا لزم ذلك.

وخلف كل ذلك كانت الحركة، وتسبب تدمير الهيكل العملياتي الحالي للحركة في تأخير الحركة فقط بعض الوقت. كانت الحركة قوية ويمكنها توليد هيكل تنظيمي جديد، ومن هنا خرجت «الدولة الإسلامية».

والحقيقة المرّة هي أن الولايات المتحدة كانت تحارب وتفوز في المعارك الخاطئة طوال 15 عامًا. ولم تكن التنظيمات التي تحاربها هي التحدي الحقيقي. وكان التحدّي الحقيقي يكمن في الحركة وراء تلك التنظيمات. ومع عدم الاحتكاك بتلك الحركة وتدميرها أو الوصول إلى سلام معها، ستكون الحرب غير ذات مغزى. ومن جانب الولايات المتحدة، كانت تخوض حرب لنجاح لا نهاية له، بمعنى أنها حرب لا نهاية لها.

وبالرغم من ذلك، من أجل إشراك الحركة، كان من اللازم معرفة أنّ القاعدة و(الدولة الإسلامية) وطالبان ليست كيانات مستقلة بذاتها، ولكنّها كيانات تنبع من حركة أكثر اتساعًا وشمولًا. وبالتفكير في كيفية التعامل مع تلك الحركة، فلا غنى عن الفهم بأنّها حركة إسلامية.

سيجعل ذلك منها حربًا أصعب للقتال. فهزيمة حركة دينية أصعب بكثير من قتل الأفراد. ومن نواحٍ كثيرة، فإنّها ليست عملية عسكرية على الإطلاق.

وأيًا ما كانت تلك الحركة، وأيًا ما كانت الكيفية التي ستواجه بها حركة تعتقد في نفسها أنّها مقدسة وتسعى للموت من أجل الشهادة، فالنجاح مع ذلك أمر غامض وبعيد. ويكون من السهل رفض الاعتراف بأنّ الإرهابيين هم جزء من حركة سياسية واجتماعية أكبر، أو أنّ الحركة جزء من دين معين. فذلك يدفع الولايات المتحدة للتركيز على عدّ عملياتها الناجحة، في حين تتجاهل ما إذا كان يتم الفوز في هذه الحرب.

مفتاح الفوز بالحرب

الإسلام هو دين ما يقارب 1.7 مليار شخص. إذا دعم جميع المسلمين في العالم الجهاد، فالحرب قد خسرت فعليا. وهزيمة القوة الميدانية لـ 1.7 مليار إنسان، هو شيء غير ممكن. وحل هذه المشكلة يتمثّل في أنّ الإسلام له فروع كثيرة مثل باقي الأديان، والولايات المتحدة تقاتل فرعًا واحدًا.

وهذا يضع الولايات المتحدة أمام مشكلتين. ربما تختلط القوة التنظيمية للحركة بعامة السكان المسلمين. وبسبب ذلك، يكون من الصعب جدًا تحديد التهديدات الإرهابية. ثانيًا، فإنّ فعل أي شيء ضد هؤلاء المسلمين الذين هم ليسوا جزءً من تلك الحركة أو القيام بأمر عدائي تجاههم، يعدّ حماقة كبيرة. فلن تستطيع أبدًا هزيمة 1.7 مليار شخص.

كما دفعهم للانخراط في الحركة التي نشأ من خلالها أعداء الولايات المتحدة، أمر غير عقلاني كذلك. والحاجة الاستراتيجية الملحة هنا هي تقسيم العالم الإسلامي، والحفاظ على المسلمين المعادين للحركة التي خرجت منها القاعدة والجماعات الجهادية الأخرى، من الانضمام إليها.

وهناك من يقولون بأنّ كل المسلمين هم نفس الشيء. إذا كان هذا حقيقيًا، فالحرب قد حسمت لصالحهم منذ البداية. لكنّ هذا ليس صحيحًا، ويجب أن تستند الاستراتيجية الكبرى على استغلال التوترات الداخلية بين المسلمين في العالم الإسلامي لاحتواء الحركة الجهادية الأساسية.

وللقيام بذلك، فعلى الولايات المتحدة أولًا أن تتجنب تنفير جميع المسلمين، وثانيًا مواجهة واقع أنّ الإرهاب الذي تقاتله إسلامي. فبدون فهم العدو، لا يمكن هزيمته. لكنّ الأمل الوحيد في نوع ما من النصر، أن جميع المسلمين لا ينتمون لتلك الحركة. وإنكار وجود إرهاب إسلامي سيزيد من تكلفة الحرب. والحديث حول أنّ كل المسلمين هم إرهابيون إسلاميون، يعني قبول أنّ تلك الحرب لا يمكن الفوز بها على الإطلاق.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

جورج فريدمان القاعدة الدولة الإسلامية طالبان الحرب على الإرهاب