«فورين أفيرز»: إيران و«الأسد» في عهد «ترامب»

الخميس 1 ديسمبر 2016 09:12 ص

من ناحية جنرالات النخبة في الحرس الثوري الإيراني، فالعداء لأمريكا يشكّل عنصرًا لا غنى عنه في نظرتهم للعالم. وحتى الآن، ومما آثار استغراب الكثيرين، فإنّ كبار قادة الحرس الثوري الإيراني يتقبلون فكرة رئاسة «ترامب». ويبدو أنّهم يتبعون قيادة الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» ويأملون في أن تسحب الولايات المتحدة نفسها من الشرق الأوسط مع الإدارة الجديدة.

وسيكون الاختبار الأكبر في مسألة سوريا هو المتعلق بمصير الرئيس السوري «بشار الأسد». وإذا قرر «ترامب» أن يعقد صفقة مع روسيا وإيران في سوريا، فسوف يجد أنّ له نفوذا أكبر في مسألة مستقبل «الأسد» أكثر مما قد يعترف الكثيرون.

إيران ودودة؟

إلى الآن، تبقى سياسة «ترامب» في سوريا لغزًا بعض الشيء. ولكن هناك جو من التفاؤل في دمشق وموسكو وطهران. في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني، على سبيل المثال، قال «الأسد» أنّ ترامب ربما يكون «حليفًا طبيعيًا» في الحرب ضد الإرهاب. واستطرادًا، كما قال «الأسد»، فهذا يضع «ترامب» في جانب إيران وروسيا، أكبر المدافعين عن «نظام الأسد».

ويأمل «الأسد» في ألّا تتم الإطاحة به بشكل كامل. وحتى الآن، فقد ظهر ميل «ترامب» لوجهات النظر السياسية التبسيطية. ومثل الحكومات السورية والروسية، فإنّه قد جمع كل جماعات المعارضة مع «داعش» في سلة واحدة. وفي هذه المعادلة، يرى «ترامب» أنّ «الأسد» هو أهون الشرّين.

ويطرب هذا أسماع «خامنئي» و«بوتين». وسيفتح احتمال وجود صفقة مع روسيا وإيران كسبيل لإنهاء الحرب السورية. وإذا حدث ذلك، فسيعني هذا الإبقاء على «نظام الأسد» أو جزء كبير منه على الأقل، في السلطة. وإلى هذا الحد فالأمر غير مفاجئ، نظرا لأن الإيرانيين كانوا أكثر انفتاحًا ، مع شيء من الحذر، مع «ترامب» أكثر مما كان عليه الكثيرون من حلفاء الولايات المتحدة القريبين.

وقد أعرب «رحيم صفوي»، المستشار العسكري الأعلى للمرشد الأعلى «آية الله علي خامنئي» عن توقعه أنّ انتخاب «ترامب» قد يعدّل من سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران. وأشار «صفوي»، الذي شغل منصب رئيس الحرس الثوري الإيراني ما بين عامي 1997 و2007، إلى العراق وسوريا كمنطقتين هامتين من الممكن أن تتحرك فيهما الولايات المتحدة بشكل أقرب إلى المواقف الإيرانية والروسية.

وهنا قد تكمن فرصة للإدارة الأمريكية الجديدة. ففي سيناريو لاتفاق تبادلي ما بين الولايات المتحدة وروسيا في الشأن السوري، فمن المحتمل ألّا يعيد الروس فقط تقييم التزامهم تجاه «الأسد» ، بل جنرالات الحرس الثوري أيضًا. وفي الواقع، لن تقرر مجموعة مصالح واحدة في طهران مدى الالتزام ببقاء «الأسد» في مستقبل سوريا.

تقديس «الأسد» في طهران

لا شك أن جهود الروس والإيرانيين ستستمر في دعم «الأسد» في الأسابيع والشهور القادمة. لكنّ دعم طهران للرجل لم يكن ثابتا أبدًا منذ بدء الحرب السورية عام 2011.

ووفقًا للسفير الإيراني السابق في دمشق، الذي أعيد تعيينه مؤخرًا لنفس المنصب، عندما كان في السلطة، فقد نظر الرئيس الإيراني «محمود أحمدي نجاد» وفريقه اليميني الشعبي المدني إلى حكومة «الأسد» كنظام ديكتاتوري. وكانوا مترددين في البداية في مساعدة الأسد بسبب ديكتاتوريته والاحتجاجات التي تغلي ضده.

وحتّى أنّ بعض الإسلاميين المتشددين في الحرس الثوري الإيراني كانوا مترددين في الأمر. وحتّى الجنرال «قاسم سليماني» نفسه الذي يترأس فيلق القدس، المسؤول عن الحملة العسكرية الإيرانية في العراق وسوريا الآن، كان قد طلب من «خامنئي» الضغط على «الأسد» من أجل التوقف عن المذابح التي يقوم بها ضد شعبه ومطالبته بعمل إصلاح سياسي.

ولم يشتد ويثبت دعم إيران للأسد حتّى عام 2012، حين تغيرت الظروف الجيوسياسية في الحرب السورية، عندما بدأت المنافسة حول التأثير والنفوذ في المنطقة مع منافسين إقليميين مثل تركيا والسعودية. وفي ذلك الوقت، ضاعفت طهران دعمها للأسد.

وفي داخل هيكل السلطة في إيران، فالحرس الثوري هو الأكثر التزامًا بدعم «الأسد». ومع ذلك، بعد 5 سنوات من الحرب السورية ومقتل ما يقارب نصف مليون شخص، فإنّ جنرالات الحرس الثوري يواجهون مشاكل في إقناع الداخل الإيراني بجدوى جهودهم من أجل بقاء «الأسد».

وهم يروجون له كبطل عربي وحيد فيما يسمى جبهة المقاومة ضد (إسرائيل). ويتم وصف «الأسد» كذلك بشريان الحياة لحزب الله في لبنان، الوكيل العربي الأكثر نجاعةً عن إيران في التاريخ. وكما عبّر أحد قادة الحرس الثوري مؤخرًا، أنه دون وصول صواريخ إيران إلى حزب الله عبر سوريا، ثمّ توجيهها باتجاه (إسرائيل)، لكانت (إسرائيل)، منذ وقت طويل، قد قصفت منشآت بوشهر وفوردو النووية الإيرانية.

وهناك ارتباط عاطفي من قبل كبار كوادر الحرس الثوري بعائلة «الأسد». فقبل سقوط حكومة شاه إيران الموالية للولايات المتحدة عامن 1979، وجد الإسلاميون الثوريون، مثل «صفوي»، الملاذ في سوريا تحت حكم «حافظ الأسد»، والد «بشار الأسد». وكان «الأسد الأب» هو أول رؤساء الدول اعترافًا بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأثناء حرب العراق وإيران، كانت سوريا بلاشك حليفًا مهمًا في مساعدة إيران على احتواء الزعيم العراقي «صدام حسين». ويتم الترويج لمثل تلك الذكريات بشكل يومي في الإعلام الإيراني المحلي لإقناع الداخل بالاستمرار في دعم «الأسد» الابن.

وفي الواقع، فإنّ الصورة التاريخية تبدو أكثر تعقيدًا. فحتّى الثمانينات، كانت عائلة «الأسد» والإيرانيين متنافسين غالبًا. فقد تبادلا بشكل متكرر النفوذ والتأثير في لبنان. وحتّى في العراق، لم يعن عداؤهما المشترك لـ«صدام»، اتفاقهما على دعم المعارضة من أجل إسقاط الرئيس العراقي.

وخلال فترة التعامل المشؤوم بصفقة السلاح مقابل الرهائن مع طهران أثناء حكم الرئيس «رونالد ريغان»، كان «حافظ الأسد» قلقًا للغاية من أن تأتي المناوشات بين واشنطن وطهران على حسابه. وهذا لم يفت طهران. ثمّ كان هناك غضب عميق في طهران عام 2000 عندما علمت بعقد محادثات سلام سرية بين سوريا والإسرائيليين. ومثل تلك الحقائق التاريخية، تؤكّد أنّ الدعم الإيراني للأسد ليس حرمةً مقدسة لا تنتهك.

بعبارةٍ أخرى، في حال ما اختار «ترامب» الوصول لحل وسط مع إيران وروسيا بشأن سوريا، سيكون مدى تمسك طهران بالتزامها نحو «الأسد» حاسمًا. وبالنسبة للكثيرين في المعارضة السورية، فإن رحيل «الأسد» أمر غير قابل للتفاوض. أمّا بالنسبة للعديد من الإيرانيين، فإنّه كذلك. وربما يعني مصير «الأسد» مجرد الفرق بين التسوية السياسية واستمرار الحرب السورية. وينبغي ألّا يغيب ذلك عن «ترامب» حين يفكر في عقد صفقة مع موسكو وطهران.

  كلمات مفتاحية

دونالد ترامب روسيا إيران بشار الأسد الحرس الثوري