هكذا تجري الأمور في رام الله: يبدأ المؤتمر بانتخاب محمود عباس رئيسا لحركة فتح منذ الجلسة الأولى. بالإجماع. ولخمس سنوات مقبلة! ربما حسما لمسألة دحلان وللضغوط المباشرة من بعض الدول العربية من أجل الإفساح له.. وأما لماذا في البداية وليس في النهاية كما يقول المنطق، وبعد بعض النقاش حتى لو أدير شكليا وتمثيلا.. فعلمه في الغيب.
يمكن إطلاق كل النعوت على قيادة فتح الحالية (وعلى قيادات سائر الفصائل الفلسطينية إجمالا، وإن مع تلوينات): بيروقراطيون، طاعنون في السن، فاسدون إلخ.. وكذلك متلهون بالصراعات الداخلية وبتلك على "السلطة"، بحكم العادة وأيضا حفاظا على امتيازات ومكاسب.
لكن تلك أعراض لمرض وليست المرض نفسه. فمنذ انكشاف استحالة التسوية مع إسرائيل، ضاعت القيادة الفلسطينية التي كان الكثير من رموزها ومن كوادرها الأبرز قد جرت تصفيتهم أصلا على يد إسرائيل، بمن فيهم من وقع "اتفاق أوسلو" معها، ياسر عرفات، أبرز قادة المرحلة بلا منازع.
واليوم، كان يفترض بمؤتمر فتح أن يقف أمام معضلات تعريف المسألة الوطنية الفلسطينية في هذه اللحظة، وتعيين وجهة الحفاظ على عناصرها من التبعثر إن لم نقل تحديد كيفية حملها وتحقيقها، بمواجهة إسرائيل التي تذهب بخطى متسارعة إلى إنجاز ضم القدس إليها، والتي تسود نقاشات بين قادتها من قبيل هل تضم الضفة الغربية بسكانها أو بدونهم، كليا أو جزئيا (ولكن كيف، وما العمل؟)..
وتساعدها في وجهتها الأجواء العالمية، بدءا من انتخاب ترامب في الولايات المتحدة (الذي يقول، عدا عن وعد نقل سفارة بلاده إلى القدس، إن نعت إسرائيل بالمحتلة "مفهوم خاطئ").. وهذا على الرغم من تعاظم حركة المقاطعة BDS في كل مكان. وليس في ذلك أي مبالغة أو تهويل، وإسرائيل تحظى، علاوة على تأييد العالم بأسره، بتأييد علني أو ضمني من أغلبية الدول العربية!
بالمقابل، السلطة الفلسطينية ــ التي تختلط حدودها بحدود فتح وبحدود منظمة التحرير ــ لم تنجح حتى في الإدارة الذاتية: هناك 52% من سكان المخيمات في الضفة الغربية يعيشون تحت خط الفقر، كما أن سائر السكان ليسوا في أوضاع جيدة.. إلا قلة قليلة. وهذا مشهد تقليدي في بلادنا.
سوى أن فلسطين معنية بتحديات مضاعفة وفظيعة، لا يبدو أن مؤتمر "فتح" بصدد الإجابة عنها!
* د. نهلة الشهال - كاتبة وناشطة لبنانية